المَسْرَح شكل من أشكال الفنون يُؤدّى أمام المشاهدين، يشمل كل أنواع التسلية من السيرك إلى المسرحيات. والتعريف التقليدي للمسرح هو أنه شكل من أشكال الفن يترجم فيه الممثلون نصًّا مكتوبًا إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح. كما يقوم الممثلون، عادة بمساعدة المخرج على ترجمة مواقف النص وشخصياته التي ابتدعها المؤلف إلى تشخيص، وحركات، ومواقف حياتية تشبه ما تكون عليه في الواقع على خشبة المسرح. المسرح الإفريقي..بدايات عفْوية ارتكزت بداية المسرح الإفريقي جنوب الصحراء على عدة أعمال جريئة، قام بها أشخاص غير متخصصين في هذا المجال الفني. روَّج بعض الناس دعايات وحملات لصالح المسرح، وبعضهم الآخر سانده بدعمه، والتزاماته في كل المحافل واللقاءات العلمية. أفرزت هذه المرحلة أيضاً جماعة من المثقفين، ساهمت في كتابة المسرحيات وإخراج النصوص وبناء قاعات العرض. بدأ تطور المسرح الأفريقي من خلال الوسط العائلي، مما جعله ينتشر في ربوع القارة بأسرها، وينتقل من جيل إلى جيل. شارك في هذا الإنجاز الرجال والنساء والأطفال، حيث أبدعوا فيه إبداعاً بالغاً أثناء الاجتماعات العائلية، والأعياد، والطقوس الدينية المتنوعة. تتركز فترة الاستعداد لهذه المناسبات على مراسيم، وأشكال، وتفاصيل، وتقنيات تمثل أفضل إخراج مسرحي عند الأفارقة. يقرُّ مؤرخو المسرح الأفريقي بأن هذا الفن كان موجوداً بالطريقة المذكورة آنفاً قبل ظهور المسرح الأوروبي. لهذه الأشكال التقليدية للمسرح الإفريقي جذورها الاجتماعية، والدينية والسياسية التي ترى من منظور المجتمعات القبلية، وقد شكل هذا الموروث الأساس للأعمال الفنية لكثير من الكتاب المسرحيين الذين نالت أعمالهم إعجاب الأفارقة، وغير الأفارقة على السواء. وقد ازدهر الفن المسرحي منذ انتهاء الحكم الاستعماري الأوروبي، ومن الأسماء اللامعة في الفن المسرحي في الفترة التي أعقبت الاستعمار: برنارد رايي، و ولي سوينكا، وآما عطا عايدو. مسرح ..غير نخبوي وعلى الرغم من الأثر الذي تركته المسارح الغربية في بناء المسارح الإفريقية، إلا أن معظم المسرحيات الإفريقية تُؤدى في الهواء الطلق، ولكن مع ذلك توجد بعض المسارح المرنة مثل مسرح الكودزيان (دار القصة) في آتْيوا بجمهورية غانا. وكثيرًا ما يذهب جمهور المشاهدين إلى المسرح ليس ليشاهدوا العمل المسرحي، بل ليشاركوا فيه، فالمشاركة الجماهيرية تقوم بدور مهم في المساعدة على تحرير المجتمعات فكريًا وتطورها. ويتضح هذا بجلاء في أعمال كل من زاكيس إمدا في اللوزوتو، وبنينا إملاما في تنزانيا، وفي أعمال الكاتب المسرحي والمخرج الجزائري كاتب ياسين والمغربي الطيب الصديقي. وإذا كان المهتمون بالمسرح يؤرخون لبداية المسرح بعام 490 ق.م الذي عرضت فيه مسرحية '' الضارعات '' لأبي المسرح الإغريقي '' إسخيلوس'' ، فما ذلك إلا لأن الحضارة الإغريقية عرفت الكتابة، والتدوين في وقت مبكر، على حين غيرها من الحضارات بما في ذلك الثقافات الإفريقية ما عرفت الكتابة والتدوين إلاّ في الشمال الإفريقي، في حين تأخرت الكتابة والتدوين كثيرا في الجنوب، أي جنوب الصحراء الكبرى، وبطبيعة الحال ظل المسرح في تلك المناطق على مدى القرون نشاطا شفويا ومرتجلا شأنه في ذلك شأن الأدب الشعبي، ولا يزال في مناطق عديدة بإفريقيا جنوب الصحراء على نشاطه الشفوي، وإذا كان في القرون السابقة يركز المسرح الإفريقي الشفوي على الأغراض الدينية، أو الشعائرية(1) ، والمناسبات الاجتماعية، فإن أغراضه بداية من القرن العشرين، وصار له مؤلفوه، وأضحى أداة للوعي الاجتماعي، والسياسي، ووسيلة مقاومة زمن التحرر من الاستعمار الغربي. ويؤيد هذا الرأي الباحث السنجالي بكري طراورية في كتابه الموسوم ب '' المسرح الزنجي الإفريقي ووظائفه الاجتماعية'' حيث يرى أن المسرح الإفريقي الزنجي التقليدي ذو أصول اجتماعية، وأنه انعكاس لاحتياجات اجتماعية، بحيث أنه كان مسرحا واقعيا في معظمه، كوميدي النزعة، يخدم قضايا اجتماعية، ويتسم بطابع تعليمي، ولا ينكر المتعة والتسلية، كما يتحرر من دقّة البناء الدرامي على غرار المسرح الأوروبي. بل بعد دراسته المعمّقة للدراما الإفريقية يستخلص هذا الباحث أن موضوعات الدراما الإفريقية أنها ذات مواضيع متعددة تدور في معظمها ول الأساطير، والحكايات الشعبية، والخرافات، والعادات، والبطولات، وأمجاد الأسلاف، والأخلاق، والسلوك..كل ذلك في مشاهد شديدة البساطة في شكلها، قوية التماهي بالغناء والرقص في حوارها، تشرك بتلقائية جمهورها المتلقي في عروضها، ومن ثمة فهي عادة ما تُقدم هذه العروض المسرحية في المناسبات الاجتماعية كالختان، والبلوغ، والزواج، والحصاد، وإعلان الحرب، وغيرها من المناسبات.(2) إن المسرح الإفريقي التقليدي فضلاً عن أنه مسرح مجاني للعاملين فيه، والمتفرجين، فالديكور فيه طبيعي يوحي يالثقة والبساطة، والاطمئنان، تُلقى فيه حكمة الشيوخ، لتكون عظات سلوكية يتشرّبها الشباب الحاضر، كما أنه مسرح بسيط يخلو من بهرجة الأزياء، ولكن لا يستغني عنها لأنها مرتبطة بالأسلاف، والشعائر؛ مسرح يتحاشى التعقيد في الأحداث والبناء، والصراع فيه ليس صراعا بين الآلهة والبشر، كما هو الحال في المسرح الإغريقي القديم، ولا هو صراعٌ بين العاطفة والواجب كحال المسرح الأوروبي بعد عصر النهضة، إنما هو صراعٌ بين الشر والقيم، بين ما هو مُتاحٌ وواجبٌ، بين ما واقعي ومثالي. كانت إفريقيا - يضيف الباحث- متعددة الدول والجمهوريات وكذلك اللغات واللهجات والأجناس والأديان ، فإن أفرادها وقبائلها كانوا يتنقلون في الماضي في وضع غير مستقر ، وكل هذه الأسباب أفرزت نماذج عديدة من أشكال الفن المسرحي مثل (الياييك)، غنائيات (مِفت)، (ساتيريات ( (يوروبا)، (الأوشالة)، (زولى امبونجي )، ولم يقتصر تقديم هذه الأشكال الفنية في العروض الدائرية فقط، بل كانت تعرض كذلك في المهرجانات الفنية الإفريقية..لكن الفن الإفريقي تعرض للغربة..أو للحصار كما يقول الباحث لذلك لا نعثر على إشعاع مسرحي داخل القارة، وبالنظرة العلمية والاجتماعية نعتبر الأفارقة في قارتهم محرومين من هذا الثراء الروحي الثقافي الذي يؤثر بشكل أو بآخر في التنمية وفي إعداد الإنسان الإفريقي بما يشكل تأخراً في ميدان الثقافة. الاستعمار الغربي شلّ يقدم الفنون عامّة ويعتبر الباحث أن القرن التاسع عشر هو قرن حصار الفن الإفريقي، ومحاصرة محاولات الإبداع فيه، وما هذه الحالة إلا رافد من روافد الاستعمار للقارة الإفريقية إلا أنه بالاستطاعة القول إن أشكال الاستعمار المختلفة قد شلت تقدم الفنون عامة في إفريقيا ، هذا المرض العضال الذي انعكس على تكوين بنية إنسان إفريقيا، وصرفه إلى المعاناة والحروب والقتال والتقوقع، بعيداً عن الفكر والمعرفة والتطور.. نعم لقد استهدفت الثقافة الأوروبية الميدان الإفريقي مساحة جغرافية ومؤثرات نفسية وعادات وتقاليد اجتماعية، بغية اقتلاع الجذور النفسية والاجتماعية ونزعها لتحل محلها ثقافات وعادات أوروبية منقولة من خارج إفريقيا، ومستوردة كالسلع التموينية سواء بسواء، .. لقد أجبر الأوروبيون إفريقيا وشعوبها ( يضيف الباحث) على تقبل الحضارة الأوروبية وتقليدها والنسج على منوالها فعرفت إفريقيا في القرن التاسع عشر أنماط المسرح الأوروبي ومدارس فن التمثيل والمناظر والزخرفة ، ولم يكن هذا اللقاء المفاجئ بين إفريقيا وأوروبا في صالح القارة السوداء..ولماذا لم يكن في صالح القارة بدليل الآتي: 1 أن الذين قادوا الثقافة الأوروبية في بلاد إفريقيا كانوا من إرساليات تنتهج نشاطاً تبشيرياً منظماً ومخططاً.. 2 كان من نتيجة سيطرتهم على الشؤون الثقافية أن اضطهدوا مظاهر الرقص الإفريقي حتى استطاعوا وقفه وإلغاءه من الظهور على المسرح تماماً كما منعوا ما يشير إلى الاحتفالات الدينية أو عبادات الله سبحانه وتعالى. 3 أدى هذا التغيير في شكل المسرح الإفريقي إلى إهمال الأفارقة للعروض الأوروبية ذات الحوار الكثير والطويل الذي لم يتعودوا عليه، وبقي العرض الجديد غريباً شاذاً لا يشبه تقاليدهم، ولا يمت إلى مجتمعاتهم أو عالمهم.. 4 انتهت التلقائية من العروض الإفريقية، وتحدد الدور المسرحي فهمًا وحفظًا وأداءً على غرار المسرح المعاصر، كما ضعف دور الموسيقا، واختفت مواقف الرقص الديني رغم محاولة المبشرين التقدم بمسرحيات دينية (خداعاً) في بداية خططهم المشبوهة.. 5 انتشار الموجات المسرحية القادمة من أوروبا بفعل الشباب الإفريقي الذين نهلوا من علوم المسرح وفنونه في أوروبا ، الأمر الذي أدخل كثيراً من الأشكال الأوروبية على أصل المحتوى الإفريقي، وهو ما قدم في نهاية الأمر شكلاً ممسوخاً، ومحتوى يطغى فيه الشكل على الأصل ، فيترك المتفرج الإفريقي بلا دليل أمين ، وكان أساس البلاء يكمن في الشكل المستورد من خارج القارة... محاولات رائدة حاليا للتصحيح الآن توجد محاولات للتصحيح..أو للعودة للجذور تحديداً..وكان لا بد أن يتغير هذا النهج بعد تقدم الجانبين العلمي والمعرفي بفعل أبناء إفريقيا للتحرر والانعتاق من ربقة الاستعمار. وهو ما حدث فعلاً في النصف الثاني من القرن العشرين ، فعلى طريق المسرح قامت أصوات جديدة تطالب بإعادة تأصيل الثقافة الإفريقية في استعمال للأدوات والوسائل والأشكال الأصيلة تحقيقاً لميلاد مسرح إفريقي حقيقي ..لقد بدأت الأنماط القديمة للمسرح الإفريقي في العودة إلى الساحة الآن ..(3) واليوم يستعمل الدرامي الإفريقي لغته، أو لهجته الإفريقية محاولاً بها ترقية مسرحه بما يعبر عن طموحات وآمال القارة الإفريقية السوداء. ويعتبر مسرح السلوك الاجتماعي الأكثر ازدهاراً بمسمياته المختلفة في البلاد الأفريقية، إذ يطلق عليه في ''مالي'' ''مسرح مفيد'' ، وفي ''بوركينا فاسو'' يسمى ''مسرح المنبر'' أو ''مسرح الجدال'' ويتميز بأنه يعرض بلهجة محلية على الجمهور في قرى الأرياف وعلى طبقة العمّال في المدن. ويستهدف مسرح السلوك الاجتماعي أن يغير الاتجاهات في مسائل نوعية مثل بعض القيم السلبية، والاعتقادات البالية، والصحة العامة والقضايا ذات الصلة بالعلاقات الاجتماعية مثل الملكية الجماعية ''كالبئر مثلاً''. ويمكن رؤية دلالات هذا التغيير في العدد الكبير والمتزايد من التسهيلات المتاحة لإنتاج مثل هذا النوع من الأعمال الفنية وما وفرت له من الإمكانات؛ لأداء أفضل على مختلف البلاد الأفريقية، إضافة إلى تعميم قوي من جانب الفنانين الأفارقة لإنتاج مسرح يناسب جمهورهم. وفي حقبة الثمانينيات كانت الحياة السياسية هي المصدر الأول لكتاب المسرح الأفارقة، الذين ركزوا على وصف ما رأوه مثل: فشل النظم السياسية الأفريقية، وهناك عشرات بل مئات من المسرحيات التي تناولت هذا الجانب مثل: مسرحية ''أنطوني باع لي مصيره'' لسوني لابوتانسي عام (1986م)، ومسرحية ''شارع الذباب'' (1985م) وكذلك ''ستر الآلهة'' (1985م) لزادي زاهود برنادي. ومن هذا القبيل أيضًا مسرحية ''السلحفاة المغنية'' لسنوقو أجيوتا زنسو، ومسرحيتا ''السفانا البهيجة'' (1990م) و''المجنون'' (1997م) وكلها مسرحيات شعبية رائجة. وقد حل محل السياسة في إلهام كتاب المسرح الأفارقة مع قدوم التسعينيات ثلاثة مصادر رئيسة أخرى هي: المسرح التقليدي، والطقوس الدينية، والفنون الشعبية ''الفولكلور''. المسرح التقليدي القوانين التقليدية التي تحكم المجتمع الأفريقي تقيد الفرد لدرجة تجعله يعتقد بأن المجتمع هو وحده الجدير بالاعتبار، ولكن مسرح السلوك الاجتماعي يتيح لحظات من الانطلاق للفرد بأن يخالف تلك القواعد الاجتماعية، مثال ذلك ''مسرح كوتيبا'' في مالي، وهو نمط من المسرح الشعبي ينظمه الشباب مرة كل سنة، ويعطي لهم فرصة لانتقاد كبارهم، وهذه هي المناسبة الوحيدة في السنة التي يستطيعون فيها أن يفعلوا ذلك دون خطورة؛ فيجهرون برأيهم في المجتمع، ولا يستطيع الكبار أن يعارضوهم، وكل ما يقال في هذا المسرح هو أنه فوق القانون. وفي بوركينا فاسو تقيم مجتمعات '' مُوسي '' مرة كل سنة سوقًا ليلية، وفي غضون الليل تسري في الليمبو القواعد المستترة كلها؛ فيستطيع المرء أن يمضي مع الشخص الذي كان يحلم به طوال السنة (من ذكر أوأنثى) وما إن يطلع الفجر إلا وقد عاد كل شيء إلى طبيعته. وهذان المثالان من أشكال التمثيل المسرحي، وغير المسرحي يدرك أبطالهما أنهم يمثلون وأن القواعد قد تتغير في لحظة معينة، ويستهدف هذا النوع جمهورًا من العامة، أكثرهم أميون، يستميلهم عن طريق التعامل بأشياء تهمهم في حياتهم اليومية. والهدف من ذلك خلق جو يشجع على الاتصال بين مختلف فئات الجمهور؛ ليقرر ما إذا كان عليه أن يغير سلوكه أم لا؟! الطقوس الدينية ..مصدر إلهام ثري المسرح بصفته لا يستطيع أن يتجاهل الحركات الدينية من المسيحية والإسلام، لذا فهناك عودة لطقوس دينية في المسرح، ففي كوت ديفوار (ساحل العاج) على سبيل المثال قد ازدهر ما يعرف بالمسرح الشعائري من بين طرائق التجريب الأساسية في المسرح منذ عام 1985م، ومنذ ذلك الحين أصبح وجود الشعيرة في المسرح أمرًا مألوفًا، كما أن الاقتباسات قد امتدت إلى ديانات أخرى مستوردة كما يلاحظ في بعض المسرحيات في ''توغو'' وغيرها. ومعظم العروض المسرحية الأفريقية الكبرى في الوقت الحاضر لها نصيب من الطقوس بطريقة أو بأخرى، مثل مسرحية ''العاطفة'' لكاتب زائيري ، ومسرحية ''حكاية حقيقية'' لكاتب غيني. الفنون الشعبية الفنون الشعبية، أي الفلكلور كانت، ولا تزال المورد الثري حيث يستمد منه معظم كتاب المسرح إلهامهم، وحوالي عشرين مسرحية عرضت في المهرجان الأفريقي للإنتاج المسرحي في وغادوغو العام الماضي كان أكثر من نصفها قائما على أساس الحكايات الشعبية، مثل مسرحية ''غضب الأجمة''، و''الولاء المضروب''. (4) ومن خلال استخدام هذه المصادر الشعبية استطاع المسرح الأفريقي أن يعزز هدفه، وهو التعبير عن نفسه فوق كل شيء، مخاطبًا جمهوره الأفريقي عن طريق ترجمة طموحات هذا الجمهور ليحظى بالمصداقية، ويبقى أكثر الوسائل تأثيرًا في الإنسان الأفريقي؛ لأنه يجده في ذاته ومتنفسًا لمشاعره وعواطفه. مشاكل المسرح الإفريقي مشاكل وصعوبات عديدة تعترض تطوّر، وانتشار المسرح الإفريقي جنوب الصحراء ، وفي مقدمتها إيجاد المتفرج ، وحرية التعبير، ووسيلة الإيصال، والتمويل، وإيجاد المرافق العصرية للعرض، والتجهيز بالتكنولوجية العصرية للعرض، وإشكالية اللغة ؛ حيث أن معظم الكتَّاب والمسرحيين الأفارقة يكتبون باللغة الفرنسية، والإنقليزية، وليس باللغات الأم مما يخلق صعوبة في إيجاد جمهور متبع، وكذا في التعبير عن واقع الشعوب الأفريقية ومشاكلها وتطلعاتها. بوسون أناي كليمان، كاتب روائي ومسرحي وشاعر من كوت ديفوار، الذي زار الجزائر أخيرا، وشارك في ملتقى ''المسرح الإفريقي بين الأصالة والمعاصرة'' في إطار مهرجان الجزائر الدولي للمسرح، تحدث عن خصوصيات المسرح الإيفواري باعتباره نموذجا من المسارح الإفريقية المعاصرة، فاقرّ بأنه لا يختلف عن المسارح الإفريقية، إلاّ في نقطة استعماله للواقع والتراث الإيفواري، فالمسرح فن الخشبة وهو الذي يعكس الحقائق على نفس هذه الخشبة، ويجب عليه أن يتكيّف حسب طبيعة كلّ بلد حتى يقوم بواجبه ويوصل رسائله إلى الجمهور. المسرح الإيفواري عرف تطوّرا معتبرا في الستينيات والسبعينيات، ولكنّ تأثّر بالأزمات التي مرّت بها البلاد، ولا يزال يعاني من مشاكل عديد بما في ذلك البقاء في المحلية، ومع ذلك فهو يحيا دائما بفعل إرادة محبيه وصانعيه، أذكر من بينهم إيناس ألومو الذي اقتبس أحد أعماله من أحد كتبي، هناك أيضا زيجري، ماتا وباكابا مدير قصر الثقافة، فكوت ديفوار هي بحق أرض المسرحيين. ويلحّ يوسون إلى إخراج المسرح من القارة الإفريقية، حتى يتمكن المسرحيون الأفارقة من التعريف بالوجه الحقيقي للمسرح الإفريقي في الخارج، تأكيدا على أنّ لإفريقيا الكثير من الثروات الطبيعية والبشرية وأنّ لها العديد من الأوجه الجميلة.(5) المسرح الإفريقي المعاصر فنٌّ حديث نخبوي يعتبر الأكاديمي أحمد شنيقي أحد المهتمين القلائل بالفعل المسرحي في القارة السمراء، حيث أصدر، قبل حوالي ثلاث سنوات، مقاربة هامة حملت عنوان ''المسرح في إفريقيا السوداء، مسارات وميول''. ويحاول شنيقي عبر هذا الحوار الكشف عن بعض العناصر التي تشكل خصوصية الفن الرابع في القارة السمراء.لقد كان حذرًا عندما سُئل عمّا إنْ كانت هناك حركة مسرحية إفريقية حاليًا: هل يمكننا حقا أن نتحدث اليوم عن ''حركة مسرحية'' إفريقية؟ هو سؤال حرج نوعا ما يحيلنا إلى الفضاءات الوجودية والمعرفية، ويدعونا إلى استحضار مفكرين من طراز فرانز فانون، كينياتا، نكروما وأمياتيبا. باعتقادي إنه انطلاقا من التساؤل عن مفهوم القارة الإفريقية وعن حدودها وعن تطورها، يمكن التحدث عن وجود ''حركة مسرحية'' إفريقية. مما لا شك فيه أن الاستعمار شكل الخاصية المشتركة بين مختلف بقاع القارة السمراء. ولم يكتشف الفرد الإفريقي الآخر سوى من خلال التواصل التراجيدي مع الاستعمار. وعلى غرار كثير من الفنون التمثيلية، يعتبر المسرح فنا مستوردا ساهم في الحد من انتشار فنون الأهالي الأصلية. هذا المعطى الذي يحيلنا إلى صعوبة الإجابة عن السؤال. نلاحظ اليوم عرض العديد من المسرحيات التي تقدم رؤية متناقضة تجمع بين الإيحاء المحلي والبناء المسرحي، مع التأكيد على اللب الأوروبي. ذلك ما نلمسه على كثير من أشكال التعبير الفنية والثقافية والسياسية. وعلى غرار تجربة الكتابة الأدبية، يظل المسرح الإفريقي مهووسا بالواقع السياسي، فإشكالية التأثر بالراهن السياسي قضية تميز الجزء الأهم من الأدب، ومن المسرح أيضا سواء بالدول المغاربية، أو بالدول الإفريقية المختلفة. مع ذلك، وجبت الإشارة إلى حقيقة تفيد أن أولى النصوص الدرامية والأدبية التي برزت في إفريقيا اشتغلت بمعالجة قضايا اجتماعية، محاولة قدر الإمكان إخفاء القضايا السياسية. من هنا نبعت ردة الفعل القاسية من طرف فرانز فانون، عبر كتابيه ''المعذبون في الأرض'' و''بشرة بيضاء، قناع أسود''. قبل بروز موجة الاستقلال السياسي في القرة السمراء، لم نكن نلمس كثيرا من النصوص التي تعالج الراهن السياسي. أما بعد تلك الحقبة، فقد حاول الكاميروني مونغو بيتيه والسينغالي عصمان سيمبان، في الرواية، وخصوصا الغيني كايتا فوديبا، في المسرح، التنديد بشدة بالحقيقة الاستعمارية. كما شكلت الكتابة الشعرية أيضا أهم مجالات معالجة تحول الوعي السياسي. في مرحلة موالية، بعد تجاوز هموم البحث عن الاستقلال، أبان كثير من المؤلفين، على غرار نديبيكا، كوما ندومبي، أو سوني لابو تونسي، عن قلق مرفق بخيبة إزاء راهنهم المعيش الصعب، وعدم رضا بسياسة الحكم الأحادية. اليوم، نلاحظ جيلا جديدا من المؤلفين منخرطا في دائرة معالجة الواقع السياسي على غرار نغادندو نكاشاما. موضوع ''الخيبة'' صار يشغل بال كثير من المؤلفين الأفارقة اليوم. إلى جانب ذلك هنالك أيضا مواضيع أخرى تطرقوا إليها، على غرار التاريخ، المجتمع والمسائل الفلسفية. كما تجب الإشارة إلى أن أهم الأعمال الأدبية والدرامية التي عالجت الواقع السياسي، وحالة اتساع دائرة ''الخيبة'' صدرت في الدول الأوروبية المستعمِرة سابقا.