تعكس مسرحية "شهرزاد لالة النساء" انتفاضة المرأة ضد القالب الذي سجنها فيه الرجل وهو يصرّ على جعلها مجرد مخلوق جميل خلق ليكون المتعة والخادم المطيع، الأمر الذي ثارت عليه شهرزاد لتقنع شهريار بأنها مثله تعيش الحياة بحلوها ومرها ولا يمكن رفع هذه الأعباء بدونها فهي شريك كامل الحقوق. جلست شهرزاد مؤخّرا على خشبة المسرح الوطني لتواجه شهريار وتتحداه محاولة إقناعه ان الحياة بشريكين متكاملين لا غنى للواحد عن الآخر، المسرحية مقتبسة من أساطير "ألف ليلة وليلة" تصوّر شهرزاد تلك المرأة المتمرّدة وتصوّر شهريار الملك المتكبر الذي طالما استسلم لشهرزاد، وتميّزت المسرحية عموما بلقطات كلاسيكية يريد الرجل فيها إظهار انه المقرّر والحاكم بينما "تكافح" المرأة لفرض نفسها ولتغيير الأفكار الرجالية والتمتع بالمساواة، وفي ديكور عصري وبأزياء تعود إلى عصر قديم خاض بطلا المسرحية كفاحهما "المشروع" بغضب وكراهية وعنف مع بعض التهريج من طرف شهرزاد "القصيرة القامة" عندما تخاطب شهريار المفتول العضلات. تضمّن النص العديد من الاستعارات، حيث ضمّ رسائل تدور حول فكرة رئيسية وهي أنّ النساء لسن شهرزاد "ألف ليلة وليلة" تلك المرأة الجميلة التي ترافق شهريار وتروي له قصصا حتى طلوع الفجر، ومن خلال الأجوبة التي أعطتها شهرزاد تمّ رفض صور النساء اللواتي تعرن أهمية لمظهرهن فحسب لنيل إعجاب الرجل أو الخضوع لرغباته وتمت محاولة تأكيد أنّ المرأة "الحقيقية" هي التي تعمل وتقرّر وتكافح والموجودة دائما أمام الرجل وليس وراءه. للتذكير فإن المسرحية من إنتاج المسرح الوطني الجزائري تندرج في إطار التواصل المسرحي المغاربي الذي تبنته الجزائر منذ سنة 2007 وهي من إخراج التونسية دليلة مفتاحي بمشاركة نخبة من المسرحيين من الجزائروتونس، مع إدراج الممثلة الجزائرية سعاد سبكي كمساعدة مخرج بعد نجاحها في إخراج مسرحية "المعلم الفاضل" وقد أكدت بالمناسبة أن تعاملها مع مفتاحي سيكسبها كثير المهارات، خاصة التقنية منها ويعزز عندها الخبرة في الإخراج. أما السيدة دليلة مفتاحي فثمنت هذه التجربة، التي نمت في جو عائلي مغاربي، مؤكّدة أنّ المنطقة المغاربية ذات خصوصية واحدة في الانتماء والثقافة وتشترك حتى في الهمّ الواحد. كما أشارت المتحدثة إلى أنّ المسرحي يتعامل بالروح والوجدان في عمله ولا تهمه الشخوص وعليه أن يقتنع بما يقدمه حتى يقنع جمهوره بالتالي فإنه لا مجال عنده للخطأ، عليه أن يسخّر طاقته كلها لهذا الفن وهذا الجمهور. من جهة أخرى، أكّدت المخرجة أنّها مقبولة جدا عند الجمهور والمسرحيين في الجزائر وهذا ما يشجّعها على الدخول في هذه التجارب المسرحية، مثمنة هذا التكامل بين تونسوالجزائر وهذا لا يعني أن نلغي الاختلاف بين المبدعين، وفي هذا السياق أشارت بقولها "حاجتي إلى من يخالفني لا إلى من يكون صورة طبق الأصل مني لذلك فهو يتعلم مني وأنا أتعلم منه ونتكامل وسيظهر الانسجام والعمل الواحد على الخشبة". وترى المخرجة أن المسرح هو فرجة في المقام الأول لذلك لابد من الاهتمام بمدى استيعاب العين قبل غيرها لهذا الغرض، مع مراعاة جميع ركائز المسرح من فرجة وكلمة وأداء، وهنا على التقنية أن تخدم العرض وليس العكس. فكرة المسرحية للسيدة دليلة مفتاحي أعطتها للدكتور ابراهيم بن عمر ليؤلفها، وتهدف من خلالها إلى كسر الصور النمطية للمرأة المثالية خاصة عند الرجل والذي هو دائما شهريار الذي يرى المرأة الأنيقة الفاتنة ذات الشعر الأسود والعيون الخضراء، لتظهر امرأة أخرى بجمال مختلف وبمقاييس لا يؤمن بها هو كالمرأة العاملة التي تخرج في السادسة صباحا لتعمل منظفة، ونساء أخريات يكدحن في حياة بعيدة عن البلاط، المسرحية بلغة مفهومة أقرب إلى الفصحى وجمعت بين الممثلة التونسية هدى بن كاملة والممثل الجزائري حليم زرايبي (متحصل على عدة جوائز وطنية)، وعلى امتداد العرض استفزت شهرزاد شهريار الذي يكتشف شهرزاد لم يعرفها من قبل، شهرزاد مستقلة عاملة تقف معه لا وراءه، لكنها، هل تستطيع أن تقنعه وتمحو صورتها الفاتنة من مخيلته؟