أكد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس، أن المستهدف من الأعمال الإرهابية هو مسار التنمية الشاملة الذي عزمت البلاد على مواصلته مهما كانت العراقيل والصعاب، مشددا على أن الدولة ستستمر في انتهاج سياسة المصالحة الوطنية وتعزيزها بما يحقق لها الاستقرار الكامل والمنشود· واعتبر الرئيس بوتفليقة، بمناسبة إشرافه على افتتاح السنة القضائية 2007 - 2008، أن "ما يحدث من أعمال إرهابية عمياء في بلادنا ليس من باب التنديد بسياسة منتهجة أو وضع سياسي قائم وإنما هو عمل إجرامي محض يستهدف سفك دماء العزل والأبرياء دون رادع ديني أو وازع أخلاقي" · مضيفا في هذا الصدد، بأن التنمية في بلادنا هي المستهدفة "ممن في قلوبهم غل للجزائر ويتربصون بها الدوائر في الداخل والخارج، معتقدين بأنهم بما يقترفونه من إجرام ضد الأبرياء والممتلكات، قادرون على تقويض قدراتها والنيل من إرادة شعبها في تحقيق الأمن والاستقرار"، وشدد السيد بوتفليقة، في هذا الإطار على أن بلادنا عازمة كل العزم على مواصلة مسيرتها التنموية الشاملة مهما كانت العراقيل والصعوبات، رغم أنف "أولئك الذين يرون في هذه السياسة عائقا يحول دون تحقيق مآربهم وأطماعهم على حساب بلدهم وشعبهم، كيفما كانت مشاربهم وانتماءاتهم"· كما أكد أن المصالحة الوطنية التي انضم إليها الشعب الجزائري بقوة وسجل بذلك موقفه الخالد من المأساة الوطنية وتداعياتها، أعادت للجزائر سلمها واستقرارها، وسمحت لها بالانطلاق في تنمية شاملة في كل الميادين والمجالات، وأتاحت لها فرص جلب الاستثمار الأجنبي ووفرت حياة أفضل لكل الجزائريين والجزائريات· وفي حين جدد تمسك الدولة واستمرارها في انتهاج وتعزيز سياسة المصالحة الوطنية، دعا القاضي الأول في البلاد، الجزائريين والجزائريات وخاصة منهم أولياء المغرر بهم، إلى ضرورة التحلي باليقظة والوقاية من الإرهاب، التي تعتبرها الدولة إلى جانب مكافحة الفساد ومحاربته، محور الإصلاح في جميع الميادين، وعجلة التقدم لتحقيق الأمن والإستقرار والرفاهية· مضيفا في هذا الصدد بأن محاربة الفساد بكل أشكاله ومظاهره سيظل يشكل الشغل الشاغل للسلطات العليا في البلاد التي تعتمد في ذلك على كل القوى الحية وبخاصة قطاع العدالة الذي ينتظر أن تعيد جهوده المبذولة للسلطة القضائية مكانتها، بما يجعلها تضطلع بدورها كاملا في فرض سيادة القانون وتطبيقه بإنصاف على الجميع· وأهاب رئيس الجمهورية، بالقضاة، أن يقدروا مدى حجم المسؤولية الثقيلة الملقاة على عاتقهم وأبعادها، وأن يتحلوا بالنزاهة والتجرد والحياد وإشاعة العدل والإنصاف بين الناس، مؤكدا بأنه في المقابل ستعمل الدولة من جهتها كل ما بوسعها على مرافقة القطاع بالوسائل الضرورية، وأشار في هذا السياق إلى جملة من النقائص التي ينبغي على القضاء تجاوزها حتى يرتقي إلى المستوى الذي يتطلع إليه الشعب · ومن هذه النقائص ذكر الرئيس، بضرورة أن تحذو المحكمة العليا حذو المجالس القضائية فيما يخص القضاء على التأخير المسجل خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أن العدد الهائل للقضايا العالقة على مستوى هذه الهيئة يشد الانتباه ويستدعي التفكير في إيجاد الحلول المناسبة له· كما دعا إلى الحرص على أن تكون الأحكام التي تصدرها الجهات القضائية تمتاز بنوعية عالية تعكس كفاءة القاضي الجزائري في كل التخصصات· وألح رئيس الجمهورية من جانب آخر على ضرورة أن يتصدى القضاة في إطار سياسة جزائية محكمة وبقوة القانون لمقترفي بعض أشكال الإجرام العنيف والمنظم، والانحرافات الخطيرة التي استفحلت في المجتمع، وردعهم ردعا يجعل المواطن يأمن على سلامته الجسدية وعلى ممتلكاته· وأشار في هذا الإطار إلى أفعال الاتجار بالمخدرات وترويجها التي أصبحت تهدد أكثر فأكثر صحة المواطنين لاسيما منهم فئة الشباب، داعيا المؤسسات التشريعية والسلطة التنفيذية أن تسبغ عن القوانين والأنظمة ما تستدعيه الآفات الاجتماعية من صرامة في الردع حتى تقي المجتمع من شر هؤلاء المجرمين · وبعد أن أشار إلى أن إصلاح العدالة ليس هدفا في حد ذاته وإنما هو وسيلة مرحلية للإرتقاء بالقضاء إلى مستوى التحديات التي تفرضها عليه التحولات الداخلية والخارجية، دعا أسرة القضاء إلى التفكير في السُبل والوسائل الملائمة لتمكين العدالة من مواكبة التطورات الحاصلة في المجالات القانونية والقضائية على المستويين الوطني والدولي، مقترحا في هذا الصدد تكليف لجنة متابعة يتم انتقاؤها من بين الحكماء والمتخصصين والخبراء للتفكير في هذه القضايا الطارئة واقتراح الطرق المناسبة لمعالجتها· وفيما أشاد القاضي الأول بالإنجازات الكبيرة التي حققها قطاع العدالة في الجزائر بفضل تطبيق الإصلاحات، أوضح أن أمل الشعب الجزائري الذي يثمن هذا التحول النوعي الذي سجلته العدالة في بلادنا هو أن يتواصل هذا الجهد بجدية وإخلاص، ليضمن له الحماية من السلوك المنافي لقيمنا وأخلاقنا وفي توفير أحسن الظروف للسير ببرامج التنمية قدما إلى الأمام· وشدد بالمناسبة على ضرورة أن تتحرر السلطة القضائية كلية من المؤثرات والضغوط لتتمكن من القيام بدورها على أكمل وجه، وأن توكل لأيادي أمينة، كفؤة ومؤهلة· داعيا الحكومة من جديد إلى العمل على تفعيل القوانين والنصوص فور صدورها ودون انتظار لمواجهة الأوضاع التي سنت لمعالجتها ومواكبة التحولات التي تشهدها البلاد· وذكر في هذا الصدد بوجوب الإسراع في إقامة الهيئات المنشأة قانونا التابعة لقطاع العدالة ومنها مركز البحوث القضائية والقانونية، وتنصيب الجهات القضائية ذات الاختصاص الموسع، وإنجاز المحاكم والمجالس القضائية قصد تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطن وتوفير الظروف الملائمة لعمل أعوان القطاع· وخلص السيد عبد العزيز بوتفليقة، إلى أن تفعيل دور العدالة الذي يندرج في سياق حتمية استكمال أسس دولة القانون يشمل من بين أهدافه أيضا الوقاية من الاعتداءات على الحقوق والحريات والتصدي للانتهاكات والجرائم، من فساد وتبديد للأموال العمومية وتخريب للاقتصاد الوطني ومساس بسلامة وأمن البلاد والعباد وغيرها من الموبقات والانحرافات التي ابتلي بها المجتمع· وبعد إعلانه رسميا افتتاح السنة القضائية الجديدة أشرف رئيس الجمهورية، على حفل تخرج الدفعة ال15 من المدرسة العليا للقضاء وتسليم الجوائز والشهادات للمتفوقين منها· وقد حملت الدفعة المتخرجة المتشكلة من 285 قاضيا من بينهم 101 قاضية، اسم القاضي الفقيد "جيلالي بغدادي"· وبالمناسبة كرّم رئيس الجمهورية، أرملة الفقيد واستلم من جهته هدية رمزية منحه إياها طلبة الدفعة عرفانا له لجهوده في دعم قطاع العدالة· *