بعث رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس الإثنين رسالة للمشاركين في الجلسات الوطنية والدولية للسياحة قرأها المستشار لدى رئاسة الجمهورية السيد حبة العقبي· هذا نصها الكامل: "بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين حضرات السيدات والسادة أستهل كلمتي بالترحيب بكم في الجزائر متمنيا لكم بها مقاما طيبا تقرنون فيه المنفعة بالرضا والراحة· لقد عمدت الجزائر إلى وضع مخطط توجيهي للتهيئة السياحية وقد انطلق العمل به وحددت سنة 2025 كأجل للانتهاء من تطبيقه· لا مناص لنا من الإقرار بأن السياحة أضحت الوسيلة المثلى للتعارف بين الناس وأنها باتت من ثمة واحدا من أقوى المقاليد التي يتحقق بفضلها التحول الاجتماعي والنمو الاقتصادي· إن الجزائر تطمح إلى استقبال المزيد والمزيد من السياح· ومدينة الجزائر شأنها في ذلك شأن بعض المدن المتوسطية قد طبقت فيما مضى شهرتها الآفاق لدفء فصول الشتاء فيها بشهادة شخصيات بارزة من أمثال ماركس وجيد ودولاكروا· فضلا عن مخزونها من البترول والغاز تتوفر الجزائر على مكسبات لا تضاهى حبتها بها الطبيعة والمناخ والجغرافية والآثار الشاهدة على تاريخها العريق الحافل بالأحداث· إنها تتمتع عالميا بالموقع الجغرافي الاستثنائي وبالتنوع الكبير في خصوصياتها المحلية وبالتراث الثقافي والرصيد الطبيعي وبشبكة نقل هي قيد الإنجاز وفق المقاييس الدولية تتيح جميع التنقلات عبر الطرق السيارة والموانئ والمطارات ناهيك عن وسائل الإعلام والاتصال بما يسمح بالالتحاق في ظرف ساعات قليلة بأبعد الوجهات العالمية· إن المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية لا يقتصر على كونه إطارا مرجعيا ستتطور ضمنه المبادرات العمومية والخاصة إلى غاية سنة 2025 إنه يرسم برنامج تطوير السياحة الوطنية وترقيتها من أجل إدراجها رويدا رويدا ضمن الشبكات الدولية بدعم مكانة الجزائر كوجهة سياحية ودعم مكتسباتنا الطبيعية والثقافية بالاستثمار وجودة العرض· إن المخطط هذا يضع تفاصيل مشروع سياحي شامل يشرك أكبر عدد من الفاعلين ومنهم على وجه الخصوص ساكنة المناطق المعنية بالنشاط· لقد أضحت تنمية السياحة بالجزائر أولوية وطنية وخيارا أساسيا نأمل أن يحتل موقع الصدارة من حيث هو عامل للنمو وأداة له· إن المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية يستند إلى تقويم متأن تم بمشاركة كافة الأطراف الفاعلة في السياحة الجزائرية غايته بلوغ مرتبة الامتياز التي نريدها لأنفسنا في المستقبل· لقد تم إحصاء المكسبات والأوراق الرابحة وتقديرها وتقويمها على اعتبار أنها إمكانات يتفاعل بعضها مع البعض الآخر ولقد أدت بنا النقائص المسجلة إلى ضبط الإجراءات القمينة بمعالجتها· إنه تشخيص حقيقي لحال النشاط السياحي· والمسعى المعتمد مسعى ثلاثي الأبعاد يقوم على الاستشراف والبرمجة والعرض· وهناك العديد من البرامج التي هي قيد الإنجاز كما يبين ذلك المعرض الذي أقيم لهذه المناسبة· إن الجزائر "تصدر" إن صح التعبير اليوم السياح أكثر مما تستقبل· ومن ثمة فإن الأهداف المنوطة بالنشاط السياحي تتمثل في التوصل إلى توازن أفضل· إن الطلب الداخلي قوي وفي اتساع مستمر· وهو ينتظر أن يحظى بالاستجابة· وبالنظر للارتفاع المرتقب للدخل الفردي من الناتج الداخلي الخام فمن المتوقع أن يتعاطى 11 مليون جزائري السياحة في حدود سنة 2025· هذا وهناك حاجة لكي تتم تلبية الطلب الدولي إلى إقامة المنشآت المواتية وإلى تحسين جودة الخدمات وجاذبية الاستقبال· إن المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية بصفته تعهدا سياسيا يجب أن يتحقق قبل سنة 2025 يعرض ويوضح رؤية الدولة وخياراتها على المدى القصير (2009) والمدى المتوسط (2015) والمدى البعيد (2025) · إنه نتاج للجلسات الجهوية المنعقدة بوهران وعنابة وبسكرة وتيبازة التي شهدت مشاركة العديد من المتعاملين العموميين والخواص وأتاحت تبني المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية من طرف كافة العاملين المحليين في مجال السياحة· إن المفهوم الجديد للسياحة الجزائرية ما هو إلا نتاج المسعى الطويل هذا إنه يحدد السياحة الساحلية والسياحة الصحراوية كانطلاقة أولى لتطوير السياحة في الجزائر ويصبح من ثمة القاطرة التي تجر سائر القطاعات الأخرى وتجلب لها الخير العميم· إن المفهوم الجديد هذا يقوم على خمس ديناميات تهدف بالتزامن إلى: أولا -- تثمين وجهة و"علامة الجزائر" بغية مضاعفة جاذبيتها وقدرتها التنافسية وتحسين تموقعها· ثانيا -- إنشاء أقطاب الامتياز السياحية وتنظيمها حول قرى سياحية يعتمد فيها إبراز أصالة واحاتنا وجمال مواقعنا المتوسطية· ثالثا -- تطبيق مخطط الجودة السياحية بغية ضمان امتياز العرض السياحي الوطني بدءا من منح التأشيرة بإحدى قنصلياتنا إلى غاية اسم الفندق الذي يقع عليه الاختيار مرورا بالاستقبال في بوابات الدخول الدولية من مثل الموانئ والمطارات· فنحن أرسينا المحاور الثلاثة هذه لسياسة الجودة التي نتوخاها على أساس التصور المشترك لمحترفي السياحة· إن المخطط هذا يدمج ضمنه تكوينا مهنيا عالي الجودة والتفتح على تكنولوجيات الإعلام والاتصال والتموقع في خانة سياحية جديدة تتساوق مع التوجهات العالمية الصاعدة· رابعا - ترقية الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من خلال مفصلة حلقات السلسلة السياحية بما يضمن الفعالية وهذا بأن تصب مساعي كافة المتعاملين في توخي نفس الغاية ألا وهي إرضاء السائح· خامسا - وأخيرا وضع خطة تمويل بسيطة وواضحة لدعم المستثمرين ومرافقتهم وتأطيرهم وإقامة علاقات ثقة معهم ذلك أنه يستحيل إنعاش النمو دون استرجاع الثقة المتبادلة· من ثمة بات فرض عين أن يدرك المستثمر المحلي -- مثله مثل المستثمر الدولي -- الأهمية التي توليها الدولة لأمنه ولأمن ممتلكاته· وعلى هذا الصعيد تنص قوانيننا على إجراءات حافزة كأشد ما يكون الحفز لفائدة أي مستثمر كان دون أدنى تمييز بين الرأسمال المحلي والرأسمال الدولي· وقد جاء قانون الاستثمار بجملة من الامتيازات الاستثنائية لفائدة المستثمر· وعلى صعيد آخر يستفيد المستثمرون من ضمانات حقيقية من مثل تلك المتعلقة بالعقار وبتحويل رأس المال المستثمر والمداخيل المترتبة عنه فضلا عن تلك المتعلقة بصرامة القانون واللجوء إلى التحكيم الدولي· كما يملك المستثمر الخيار بين عدة طرق إجرائية تعرض عليه سواء أكان شخصا طبيعيا أم اعتباريا جزائريا أو أجنبيا· إنه سيتم في القريب العاجل تطبيق خطة إنعاش خيار الجزائر كوجهة بالنسبة للسياحة الداخلية والدولية ناهيك عن السياحة العربية البينية التي أخذت تتنامى· إنكم أنتم معشر محترفي السياحة وفقتم على الدوام في تخطي الأزمات المتعاقبة الأمنية منها والمالية والبيئية وقدمتم الحلول لطمأنة الزبون وضمان استمرار هذا النشاط الاقتصادي ذي الصبغة الدولية والإنسانية أكثر من أي نشاط كان· لذلك أود أن أزجيكم الثناء متمنيا أن تكتب الديمومة لروح هذه الجلسات بأعمال ومساع تبذل على امتداد السنوات القادمة بما يجعل الجميع خدمة تطلعات الجميع ورديفا لتحقيقها· أشكركم مرة أخرى على ما أبديتم من ثقة في هذه الجلسات بحضوركم فعالياتها وعلى تمكيننا من مشاطرتكم بعد أن تعرفتم على نحو أفضل على طموحنا إلى وضع بلادنا في مصاف الوجهات الكبرى للسياحة الدولية وجعلها تستفيد من الدينامية العالمية في هذا المجال· أشكركم على كرم الإصغاء· والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"·