العنف ضد الأصول، ظاهرة مروعة في عالم الجريمة والساحة القضائية أخذت تشهد تنامي هذا النوع من القضايا التي ليست بالضرورة نتاج الإدمان على المخدرات، وفي قاعات المحاكم ثمة حقائق مثيرة عن هذا الموضوع المرفوض شرعا، قانونا وأخلاقا وآخر أرقام الدرك الوطني تشير الى إحصاء 87 قضية ضرب وجرح ضد الأصول خلال السداسي الأول من السنة الجارية، خلفت 77 ضحية معظمهم كهول وما خفي أعظم، حيث أن القضايا المعالجة من طرف العدالة لا تعكس حجم الإعتداءات الرهيبة التي تحصل ضد الأصول نظرا لاعتبارات اجتماعية· الظاهرة بأرقام الدرك الوطني عالجت مصالح الدرك الوطني 6664 قضية متعلقة بظاهرة العنف ضد الأصول، حيث تم توقيف 8340 شخصا أودع منهم 6048 شخصا الحبس الإحتياطي، أغلبهم شباب تتراوح أعمارهم ما بين 19 و28 سنة، وبخصوص الضرب والجرح العمدي ضد الأصول فقد سجلت نفس المصالح 402 قضية سنة 2006، تم إثرها توقيف 423 شخصا من بينهم21 قاصرا و66 كهلا تتجاوز أعمارهم بين 40 سنة، وهنا يمكن تصور عمر الأب أو الأم الضحية! وبالمقابل عالجت مصالح الدرك الوطني خلال السداسي الأول من العام الجاري131 قضية تورط فيها 135 شخصا أودع منهم 123 شخصا الحبس المؤقت تتراوح أعمارهم ما بين 19 و29 سنة، وتأتي جريمة الضرب والجرح العمدي ضد الأصول في مقدمة أنواع العنف الممارس ضد الاصول، حيث تم تسجيل 87 قضية أسفرت عن توقيف 92 شخصا أغلبهم شباب تتراوح أعمارهم ما بين 19 و28 سنة· وسجلت وحدات الدرك الوطني في إطار هذا النوع من الجرائم أن أكثر الولايات تسجيلا لجريمة الضرب والجرح العمدي ضد الأصول سنة 2006 هي وهران، الجزائر، ميلة وتيارت، إذ تأتي وهران في المقدمة ب50 قضية وتليها الجزائر ب22 قضية وتبعا لإحصائيات السداسي الأول من عام 2007 تبقى وهران من الولايات الأكثر تسجيلا لجريمة الضرب والجرح العمدي ضد الأصول، حيث تمت معالجة 13 قضية بها وتليها سطيف ب09 قضايا، علما أن الولايات التي لم يتم بها تسجيل هذا النوع من الإجرام تتموقع معظمها في الجنوب الجزائري· على صعيد آخر تؤكد المعطيات المستقاة من خلال فعاليات الأيام التحسيسية التي تنظمها خلية الدرك الوطني لحماية الأحداث بالتنسيق مع خلايا الإصغاء التابعة لمصالح الأمن بين فترة وأخرى على أن تعاطي المخدرات يعد من أهم الآفات التي تساهم في إفراز ظواهر تهدد التماسك الاسري ليس أقلها زنا المحارم وضرب الأصول الشرعيين، حيث تكشف ارقام مصالح الدرك الوطني عن تسجيل 65 قضية ضرب، الأصول خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، وذلك بسبب المخدرات· وفي إطار مساهمة آفة تعاطي المخدرات في انتشار ظاهرة ضرب الأصول الشرعيين تبين إحصائيات الدرك الوطني تسجيل 514 قضية ضرب الأصول سنة 2000 يوجد ضمن المتورطين فيها 16 قاصرا كما تمت معالجة 484 قضية سنة2001 و543 قضية سنة 2005 مقابل 520 قضية تعدٍ على الأصول سنة 2006، يوجد 22 قاصرا ضمن المتورطين فيها· ومن ضمن القضايا التي عالجتها مصالح الدرك الوطني قضية الشاكية (ج·ن) القاطنة بولاية تيزي وزو، والتي صرحت بأن ابنها ضربها بتاريخ 12 أوت 2007 حوالي الثالثة صباحا، حيث أخذها بسيارته الى خم للدجاج، أين ضربها ثم أركبها السيارة مرة أخرى ودفع بها نحو السد المائي، إلا أنها أوقفت السيارة بواسطة المكبح اليدوي نزلت بعدها هاربة وبتاريخ 25 أوت 2007 عند حدود الساعة الثالثة مساء قام الحفيد بضرب جدته في بيتها وسبب الخلاف هو رفضها تزويجه من إحدى الفتيات· قضية شرف! ويقر رجال القانون من جهتهم بأنهم لا حظوا تناميا ملحوظا لهذا النوع من الإجرام بإعتبار أن الإدمان على المخدرات كثيرا ما يقف وراء الاعتداء على من قال سبحانه وتعالى بشأنهم: {وبالوالدين إحسانا}، لكن تؤكد - إحدى المحاميات- هذا لا ينفي حقيقة أن تجاوزات بعض الأولياء تسهم الى حد كبير في دفع الأبناء الى استعمال العنف الجسدي، كما حدث منذ فترة، مع شاب ثار غبار الأقاويل بشأن سمعة شقيقته السيئة في الحي الذي يقطن فيه ما أدى الى احتدام شجار بينهما سيما وأن الأمر يتعلق بشرف العائلة، عندئذ تدخلت الوالدة لتمنعه من إقحام نفسه في شؤون أخته، وتحت تأثير الغضب لم يشعر الإبن بنفسه إلا وهو يضرب والدته، فما كان من هذه الأخيرة إلا أن رفعت دعوى قضائية ضده إنتهت بالصفح· قضايا متعددة وبتفاصيل متنوعة وحقائق فظيعة طرقت أبواب المحاكم في السنوات الأخيرة دوافعها وحيثياتها جاءت على لسان الأستاذ المحامي رضا هني الذي أشار بداية الى أن هذا النوع من القضايا يضعنا أمام تساؤل مفاده ألا يزال الوالد قادرا على إحكام سيطرته على أفراد أسرته أم أن وجوده أصبح جسديا؟ ضرب مبرح·· زنا محارم وقتل ويسترسل المحامي منذ فترة عالجت محكمة سيدي امحمد قضية فريدة من نوعها جرت وقائعها ببلدية بلوزداد العاصمة تتعلق ببنت قاصر أوصلت والدها الى غرفة الإنعاش، حيث قضى مدة ثلاثة أيام، ولقد كشفت التحقيقات ووقائع المحاكمة أن المذنبة فتاة منحرفة تسربت مبكرا من المدرسة، وكان البديل مخالطة شلة السوء والإدمان على المخدرات ومنه أصبحت لا تدخل البيت إلا في ساعات جد متأخرة لتنام الى حدود الساعة الواحدة زوالا، وفي إحدى المرات خرجت والدتها للتسوق وعندما عادت وجدت نفسها أمام المشهد الصدمة·· ابنتها تمارس الفعل المخل بالحياء مع أحد الشبان!·· تدخل الوالد لينهاها فكان جزاؤه تلقي ضربة عنيفة بمجسم حجري ليجد نفسه في غرفة الإنعاش، وإذا كانت الضحية قد رفعت شكوى ضد الابنة إلا أنها سرعان ما تنازلت بالصفح عن المتهمة· وتأخذ ظاهرة تعاطي المخدرات أبعادا اخطر من ذلك حيث أن الاعتداء على الأصول تحت تأثير المخدرات قد يصل الى حد زنا المحارم وإزهاق الأرواح· وبهذا الخصوص يروي الأستاذ المحامي تفاصيل قضية فظيعة تتعلق بشاب مدمن على المخدرات كان يناول والدته حبوبا مهلوسة تفقدها الوعي ما يسمح له بإرتكاب الفاحشة مع أقرب الناس إليه وذات يوم اكتشفت الوالدة المخدوعة الجريمة البشعة التي ارتكبها الابن في حقها لكن كان ذلك آخر يوم في عمرها لأن الابن المنحرف قتلها على الفور! ويكشف نفس المصدر النقاب عن قضايا أخرى جرت بسبب الإنحراف، إحداها تتعلق بشاب مدمن على شرب الخمر، الأمر الذي أدى الى قيام مناوشات بينه وبين والده في إحدى المرات، ما أسفر عن استخدام العنف اللفظي والجسدي ضد الوالد، فضلا عن استخدام السلاح الأبيض، حيث ألحق ذلك عجزا معتبرا بالوالد اكدته الشهادة الطبية· قدسية في مهب البطالة ويرى الأستاذ المحامي رضا هني بحكم خبرته المهنية أن ظاهرة العنف ضد الأصول ليست مرتبطة بالضرورة بالإنحراف وتعاطي المخدرات، وتأتي البطالة في مقدمة الأسباب التي تكرس تفاقم الظاهرة، حيث أن الضغط يولد الانفجار في العديد من الأحيان، سيما وأن الجيل الحالي لا ينظر الى الاولياء بنظرة التقديس بل بصفة مشحونة بالانتقام على أساس أن اولياءهم أساس معاناتهم وتخبطهم في البطالة· ولقد طرقت أبواب العدالة قضية يقف وراءها هاجس الانتقام، ترتبط بأسرة نشأ أطفالها علي مشاهد العنف سببها الوالدان المتصارعان، فالأب متسلط والأم فريسة تتعرض للظلم والعنف، وللفرار من بطش الوالد مكث الإبن الأكبر (27 سنة) مدة خمس سنوات في الحي الجامعي ليتخرج بعدها بشهادة مهندس من جامعة بومرداس، بعدها مباشرة زاول الدراسات العليا في بريطانيا، لكن عندما رجع وجد نفس الواقع، توترت العلاقة بين الإبن والوالد سيما بعد أن قرر هذا الأخير أن يزوجه بإبنة عمه، وفي يوم من الأيام قامت مناوشات بين الطرفين ادعى إثرها الوالد بأنه تعرض للخنق فرفع شكوى مرفوقة بصور تظهر آثار الخنق، وأثناء المحاكمة قدم الضحية أبناءه كشهود، بعد أداء اليمين وقف الشاهدان (ذكر وبنت) ضد الوالد، حيث أكدا أنهما تدخلا فعلا لفك شجار قام بين الوالد والشقيق الأكبر، إلا أنه لم يسفر عن اعتداء جسدي فقد قام بدفعه فقط تحت تأثير الغضب في الوقت الذي أثبتت فيه الشهادة الطبية تعرضه لعنف خفيف فحسب· وتطرح في الساحة القضائية أيضا قضايا من هذا النوع سببها الطمع، فهذا الأخير سمح ذات يوم لإحدى النساء بضرب والدتها المسنة بالمهراز بتحريض من الزوج بغية الاستيلاء على ممتلكاتها، هي باختصار جريمة يعجز اللسان عن التعليق عليها! نسبة كبيرة كذلك من هذه القضايا تطرح في المحاكم بسبب مشكل ضيق المسكن الذي غالبا ما يولد صراعا بين الكنة والحماة ويملأ قلب الزوج بالحقد الذي قد يتراكم ليتحول الى شرارة قابلة للاشتعال بمجرد حدوث سوء فهم بسيط والنتيجة هي ضرب الوالد أو الوالدة حفاظا على الأسرة الصغيرة، وهنا يوضح الأستاذ المحامي أن عدة أولياء يتقدمون بشكاوى من هذا القبيل، إنما الغرض منها لا يكمن في الإضرار بالابن أو تسليط العقوبة عليه من طرف العدالة، إذ يبقى الهدف متمثلا في إبعاده من المسكن العائلي رغم أن هذا ليس من إختصاص المحكمة· وختامها صفح! هذه الجنح التي تمتد مدة عقوبتها من عامين الى خمس سنوات تتحول الى جناية عندما تكون الأضرار جد بليغة أو تسفر عن موت الضحية·· ورغم وقائع هذا النوع من القضايا المبكية، المؤلمة إلا أن الملفت للإنتباه أن العديد من الأصول الضحايا يضعون حدا لسير قضية الإعتداء بالصفح عن الفروع، على هذا النحو تتحول شكوى الأصول الى ألم مكبوت تجنبا لمشهد الأبناء وهم وراء القضبان· وعلى خلاف باقي القضايا- يوضح رجل القانون- لا يعارض القانون طي ملف مثل هذه القضايا لأن هدفه يكمن في إعادة لمّ شمل الأسرة للحيلولة دون تفككها· وبالمقابل يبقى التكتم على العديد من الاعتداءات التي تمارس ضد الأصول عاملا يحول دون كشف الرقم الحقيقي المتعلق بهذه الظاهرة، التي تظل وقائعها مرشحة للتكرار بصفة دائمة في ظل استفحال ظاهرة تعاطي المخدرات والإنحراف في وسط العدد من الشباب وغياب الوازع الديني، ما يجعل ظاهرة العنف ضد الأصول بمثابة قنبلة موقوتة تهدد التماسك الأسري في المجتمع الجزائري·