نظرات تتطاير شرا، شجار فجريمة.. هو سيناريو كثيرا ما يتكرر خلال شهر رمضان، حيث يسود جو عصبي شديد في العديد من الاماكن العمومية، ليتحول بموجبها أي سوء تفاهم بسيط بين اثنين الى جرائم تسفر عن الإصابة بعاهات مستديمة أو عن لفظ الأنفاس الاخيرة!. تشكل القضايا التي تتهاطل على المحاكم - بشهادة بعض أهل القانون - بخصوص جرائم الضرب والجرح العمدي والقتل، دليلا قاطعا على أن الاندفاع صفة تسيطر على العديد من الصائمين الذين توحي سلوكاتهم بأنهم مصممون على تفجير قنابل غيظهم لأتفه الاسباب! إن الجو العام السائد خلال هذا الشهر الكريم، يعطي الانطباع بأن تعامل العديد من الناس مع بعضهم البعض عادة ما يكون على برميل بارود، إذ يمكن رصد مشهد شخصين يتبارزان بعنف كل بضعة أمتار مع تبادل كم هائل من الشتائم.. أما الاسباب فتعود الى أمور أقل ما يقال عنها أنها سخيفة، تبعا لما تكشفه المعاينة الميدانية وشهادة بعض المحامين، ذلك أن مجرد حركة أو كلمة لا يستسيغها أي شخص، يمكن أن تعتبر خطأ جسيما يستحق العقاب الجسدي في أحسن الاحوال! وقد يعطي الإيذاء الجسدي الذي يبدأ بالعنف اللفظي الضوء الأخضر لحدوث ما لم يكن في الحسبان، ليصل الأمر أحيانا الى حد اراقة الدماء في حال وجود الاسلحة البيضاء. وترى الآنسة (ريحان/ ن)، شابة موظفة، »أن واقع الناس بصفة عامة، يعلن للأسف عن سيطرة حالة عصبية شديدة في أوساطهم.. معارك تقوم بين الحين والآخر في كل مكان نقصده.. الحافلة، الاسواق ومختلف الشوارع، ففي هذا الشهر ترتفع نسبة الشجارات الى درجة غير معقولة تجعلنا نفتقر الى السلام بصفة ملحوظة«. وتقول: »ينتابني الشعور بأننا في حالة طوارئ، ولهذا السبب أخاف من الأماكن العمومية، خاصة عندما يحاول أحد المتخاصمين استعمال السلاح الابيض«. ومن جهتها تقول السيدة حسناء، أم لطفلين: »أمر مؤسف أن تصبح مشاهد العنف لصيقة برمضان، فالشجارات بدأت في النشوب منذ أول صبيحة.. والعجيب أن تكون طرقات السيارات حلبة للمعارك، وهو ما حدث بالضبط في اليوم الأول من رمضان على مستوى الطريق المؤدي الى كلية التجارة (بتافورة) حيث أوقف شخصان سيارتيهما ليتعاركا جسديا، غير مكترثين بأزمة المرور التي نجمت عن ذلك!«. وتسترسل »غالبا ما يبدأ الشجار بعبارة "رمضان يا رمضان وتزيدلي همك!"، وفي ذلك اشارة الى أن العنف الرمضاني ما هو إلا اسقاط للضغوطات التي يشعر بها البعض بسبب الصوم الذي صار بمثابة عبء ثقيل أو مجرد "مزية" للأسف الشديد!!«. وعن هذه الظاهرة، يوضح المحامي عمر أمجدان، أنه اضافة الى السرقة التي تشيع في هذا الشهر، فإن قضايا الضرب والجرح العمدي المفضي الى عاهة مستديمة أو الى الوفاة، تتصدر قائمة القضايا التي تصل اروقة العدالة، والتي كثيرا ما تكون فيها أسباب النزاع كعدم التفاهم حول السعر بين التاجر والزبون... والملاحظ عموما في هذا الصدد هو أن نسبة الشجارات في رمضان قلت نوعا ما مقارنة بالاعوام الفارطة، ذلك لأنه فيما مضى كانت الشجارات تنشب لأتفه الاسباب، أما حاليا فقد أدى انتشار الوعي الديني الى احتواء الظاهرة قليلا، لكن الجدير بالمقارنة أيضا هو أن الشجارات لم تكن تسفر عن حدوث جرائم، بل كانت تتوقف عند حدود العراك الجسدي الذي ينتهي ب"انتصار" أحد الخصمين، بينما كثيرا ما يؤدي الشجار في الوقت الراهن الى جرائم تحت تأثير الغل الذي يتسبب في احداث عاهات مستديمة أو ازهاق الارواح. ويستطرد المحامي عمر أمجدان، أن الشبان هم غالبا "أبطال" الجرائم الرمضانية، حيث أن الاندفاع يحول دون تفكيرهم في العواقب ليجنوا الندامة في وقت متأخر. وتضيف المحامية (ص. ع)، أن قضايا الشجارات التي تحدث في رمضان، والتي تتميز غالبا باستخدام الاسلحة البيضاء، كثيرا ما تنشب في الاسواق وغيرها من الاماكن العمومية، وأحيانا تكون وراءها طوابير "الزلابية" التي تعكس حقيقة أن البعض يفجرون العصبية الكامنة بداخلهم بسبب عدم تمكنهم من الصيام. هناك فئة أخرى يدفعها الصوم الى التشاجر بكثرة، ويتعلق الامر بالاشخاص المدمنين على الخمور أو المخدرات بسبب المشاكل العائلية، فالبعض منهم يرغبون في الصوم، لكنهم يجدون صعوبة كبيرة في ذلك، ومنه يكون الشجار اسقاطا لتلك المشقة التي يعانون منها. وتقول نفس المحامية أن الشجارات في رمضان لا تحصل قبل موعد الأذان فحسب، إنما تعد فترة السهر أيضا إطارا زمنيا للعنف الجسدي، الذي يخلف ضحايا في حال استخدام الاسلحة البيضاء، ومن الاسباب الكامنة وراء ذلك، أن بعض الشباب الساهر يتعرض في بعض الاحيان لاعتداء من طرف بعض العصابات، ويضاف الى ذلك رفض بعض الباعة الذين ينصبون طاولات لبيع اللحوم المشوية أو الحلويات، مزاحمة أي بائع آخر لهم، فهذه المنافسة غير الشريفة كثيرا ما تؤدي الى ما لا يحمد عقباه.