لا حديث منذ أيام في برشتينا عاصمة إقليم كوسوفو سوى حول الاستقلال والدولة المستقبلية التي سترى النور بعد مخاض عسير وولادة قيصرية عوامل كلها تقاطعت لتحدد المحيط السياسي الذي سيتم فيه إعلان الميلاد· ورغم ذلك فإن ساعة كل الكوسوفيين ضبطت على موعد الاستقلال الذي راودهم منذ قرابة عقد عندما وضعوا تحت إشراف وتسيير الأممالمتحدة، ولكن ذلك لم يمنعهم من التشبث بمطلب الاستقلال والانفصال عن دولة صربيا التي يعتبرون انتماءهم إليها غير طبيعي ولا يجب أن يستمر ولم ينتظر الكوسوفيون قرار ساستهم بإعلان الاستقلال وبدأوا منذ أيام في تحضير الأجواء لليوم الموعود بعد أن غطت الرايات الحمراء وصورة الصقر الأسود تتوسطها شعارات ضخمة في كبريات شوارع برشتينا إستعدادا ليوم الحرية والاستقلال· وأخرج هذا الحديث إقليم كوسوفو من رتابة السنوات التي أعقبت حرب منتصف تسعينيات القرن الماضي ليتفتح عهدا جديدا لشعب تيقنت المجموعة الدولية أن بقاءه تحت السيادة الصربية ماهو في واقع الحال سوى قنبلة موقوتة قد تنفجر من حين لآخر وتعيد التجربة المريرة لحرب البوسنة إلى منطقة البلقان التي لم تضمد جراحها إلى حد الآن بسبب تعقيدات الوضع في منطقة تضاربت مصالح شعوبها من النقيض إلى النقيض· ولكن الكوسوفيين لا يريدون العودة حتى بذاكرتهم إلى تلك الحقبة المريرة وأصبح همهم الوحيد كيف يحتفلون بيوم استقلالهم وسط أجواء من الفرحة والابتهاج الذي ينبئ بقرب وقوع حدث هام ولكن أيضا وسط فرحة لا توصف وخاصة وأنهم لم يكونوا يحلمون أن اليوم الذي ناضلوا من أجله دنا موعده وهم الذين كانوا إلى وقت قريب يرون فيه مجرد حلم من الصعب تحقيقه· ويعلق ألبان كوسوفو آمالا كبيرة على دولتهم الفتية لتحقيق ما حُرموا منه في ظل السيادة الصربية، حرية في المعتقد وحتى في التنقل ومنصب عمل يوفر لهم الحياة الكريمة وكل ذلك في ظل دولة هي دولتهم· ورغم الزخم الذي تركه هذا الحدث التاريخي في نفوس السكان إلاّ أن ذلك لم يمنعهم من تذكر من يرون فيه رمز الاستقلال وشهيد هذا الكفاح منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وكرّموه بصورة ضخمة وسط العاصمة برشتينا وكتبوا تحتها عبارة "لقد تحقق الحلم"· والصورة العملاقة كانت لآدم جشاري الزعيم التاريخي لجيش تحرير كوسوفو الذي حمل السلاح في وجه القوات الصربية منذ سنة 1990 إلى غاية استشهاده سنة 1998 في أوسع هجوم للشرطة الصربية على قريته في مجزرة خلفت سقوط 59 كوسوفيا ممن اقتنعوا بضرورة الانعتاق من تحت السيطرة الصربية· ولكن فرحة الانتصار هذه لم تكن ذلك الشعور الطاغي على أجواء الإقليم التواق إلى الحرية ولكنه امتزج أيضا بمخاوف من احتمالات وقوع مواجهات بين الأغلبية الألبانية والأقلية الصربية المتمركزة في شمال الإقليم وأبدت معارضة صريحة لفكرة الاستقلال ودعت بلغراد إلى رفض المسعى والتصدي له بكل الوسائل بما فيها اللجوء إلى استعمال القوة العسكرية لإفشال هذه الخطوة· ولم تفت هذه المخاوف الوزير الأول الكوسوفي هاشم تاشي الذي سيعود له شرف الإعلان عن الاستقلال في حدود الساعة الثالثة من نهار اليوم، وقال أن هذا اليوم يجب أن يكون يوما للفرحة والهدوء والتفاهم"· وجاءت دعوة تاشي رداً على وعيد الرئيس الصربي الجديد بوريس تاديش الذي توعد بعدم التخلي عن كوسوفو وهدد الدول التي تؤيد هذا الإستقلال بأن التعامل معها لن يكون مثل ما كان عليه من قبل·وتفطن الاتحاد الأوربي لما قد يحدث هذا اليوم وهو ما جعله يقرر أمس إرسال أكثر من ألفي شرطي إلى الإقليم "لمرافقة مراحل الاستقلال في كوسوفو" واستخلاف القوات الأممية التي سيرت الإقليم منذ 1999· واتخذ الاتحاد الأوروبي قراره في نفس الوقت الذي وصف فيه قائد صرب كوسوفو ميلان إيفانوفيتش القوة الأوروبية، بقوة احتلال ولا يمكن قبولها أبداً·