صادق البرلمان الكوسوفي، أمس، على استقلال الإقليم الخاضع لاشراف أممي منذ قرابة عقد كامل وأنهى بذلك كل سيادة صربية على هذه الدولة الجديدة ذات الأغلبية الألبانية المسلمة·وقرأ الوزير الأول هاشم تاشي، أمس، أمام أعضاء البرلمان نص بيان الميلاد الرسمي لهذه الدولة الجديدة وفق مضمون تقرير الموفد الأممي مارتي هتيساري· كما تعهد الوزير الأول لهذه الدولة الجديدة باحترامها لكل القوانين الدولية وحماية مصالح الأقليات المقيمة فوق أراضي دولة كوسوفو، وكذا انتهاج سياسة حسن جوار مع كل الدول التي تتقاسمها الحدود·وفي نفس الوقت الذي كان فيه هاشم تاشي يلقي أمام النواب بيان إعلان الاستقلال كان مئات آلاف الكوسوفيين يتابعون الجلسة التاريخية للبرلمان على شاشة عملاقة أمام مقر الهيئة التشريعية· وقد تعالت التصفيقات والأغاني الوطنية في شوارع العاصمة برشتينا احتفاء بهذا اليوم الموعود، رافعين راية الدولة الجديدة الحمراء برأس نسر أسود وكان الوزير الأول الكوسوفي دعا أمس نواب البرلمان لعقد جلسة طارئة للتصويت على إعلان استقلال دولة كوسوفو الصغيرة والتي أضيفت الى الخارطة الأوروبية كعضو جديد· وقال تاشي أن نواب البرلمان سيتخذون قرارا يسمح لكوسوفو أن تنضم الى قائمة الدول المستقلة في العالم·وتضمن بيان الاعلان عن ميلاد دولة كوسوفو المستقلة عن السيادة الصربية تأييد النواب في هذه الدولة الفتية لتقرير الموفد الأممي الى الاقليم مارتي أهتيساري الذي نص على استقلال تحت اشراف الأممالمتحدة في نفس الوقت الذي رحب فيه بوصول بعثة الاتحاد الأوروبي التي كلفت بمتابعة الخطوات الأولى لعملية استقلال كوسوفو· وقد حددت الساعة الثالثة من نهار أمس لتكون ساعة تحقيق الحلم الذي راود سكان الاقليم من الألبان المسلمين الذين ثاروا بداية تسعينيات القرن الماضي ضد سلطة الدولة الصربية وخاضوا ضد قواتها الأمنية حرب تحرير حقيقية اقتنع معها كل العالم وخاصة الاتحاد الأوروبي بضرورة استقلال الاقليم، بل وحتمية الاسراع في ذلك قبل أن يتحول إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر من حين لآخر وبالتالي تكرار تجربة حرب البوسنة المأساوية والتي مازالت آثارها قائمة إلى حد الآن· ووضعت قوات الحلف الأطلسي المنتشرة في كوسوفو في حالة تأهب قصوى وخاصة في مدينة كوسفسكا ميتروفيكا التي يقطنها الصرب والألبان مناصفة في شمال إقليم كوسوفو· وتخشى قيادة القوات الأطلسية في الاقليم من اندلاع مواجهات مسلحة بين الصرب وألبان كوسوفو مباشرة بعد اعلان قرار الاستقلال·وأدى سكان كوسوفو من أصل ألباني وخاصة في مدن الشمال المتاخمة للحدود الصربية معارضة صريحة لفكرة الاستقلال واتهموا الدول الأوروبية بتشجيع فكرة الانفصال· ويقطن مدينة ميتروفيكا حوالي 40 ألف صربي مقابل 80 ألف ألباني الذين يقطنون الضفة الجنوبية لنهر إيبار الذي يفصل العرقيتين المتناحرتين تاريخيا وهو ما جعل القوة الدولية تعزز تواجدها في المناطق المتاخمة لمنع وقوع مناوشات بينهما· ويتوقع أن يحظى قرار اعلان الاستقلال تأييدا دوليا واسعا من طرف الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي ضغطت منذ سنوات من أجل تجسيد فكرة استقلال ألبان كوسوفو· ولم يخف الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي حل أمس بالعاصمة التنزانية ضمن جولة افريقية تأييده لاستقلال إقليم كوسوفو ووضعه مؤقتا تحت اشراف أممي· وبرر الرئيس الأمريكي موقفه بضرورة حسم الوضع القانوني لهذا الاقليم، بهدف جعل دول منطقة البلقان تعيش في ظل الاستقرار والطمأنينة، وأضاف أن تأييد فكرة الاستقلال جاءت ايضا انطلاقا من الضمانات التي قدمتها السلطات الكوسوفية بضمان وحماية مصالح صرب كوسوفو الذين يمثلون 10% من اجمالي عدد سكان الدولة الجديدة· وقد انضمت أربع قوى أوروبية كبرى إلى قائمة الدول المؤيدة للاستقلال وهي المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا· وينتظر أن تعلن هذه الدول اليوم عن قرار اعترافها بالدولة الجديدة خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية· يذكر أن ست دول أوروبية عارضت فكرة الاستقلال ومنها اسبانيا ورومانيا واليونان والتي أبدت مخاوف من أن يكون لهذا القرار أثر لعبة أحجار الدومينو، وقد تشجع أقليات فوق أراضيها بالمطالبة بالاستقلال، وكانت السلطات الاسبانية من أكبر المعارضين لفكر الاستقلال في ظل تنامي الحس الانفصالي لدى السكان الكتالانيين وبلاد الباسك الرافضين للبقاء تحت السيادة الاسبانية· وهو الموقف الذي أبداه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكبر الرافضين لاستقلال كوسوفو تضامنا مع حليفته صربيا، وقال بوتين الذي أصبح يعد أيامه في قصر الكريملين أن كل دعم لهذا الاستقلال يعتبر قرارا غير أخلاقي وغير شرعي·يذكر أن اقليم كوسوفو تقطنه أغلبية ألبانية مسلمة يقدر عددهم بحوالي 1.8مليون نسمة من بينهم 120 ألف صربي على مساحة تقدر بحوالي 10 آلاف كلم مربع· وتعد الدولة الفتية من أفقر الدول في القارة العجوز مما أدى الى انتشار كل مظاهر التخلف والرشوة والبطالة·وينتظر أن تعقد الدول المانحة ندوة دولية بالتنسيق مع البنك العالمي شهر جوان القادم، لجمع أموال كافية لتأهيل اقتصاد كوسوفو تمهيدا لانضمامه إلى الاتحاد الأوروبي·