نادر عمران، مسرحي أردني، أسس رفقة مسرحيين آخرين فرقة ''مسرح الفوانيس''، بدأ مسيرته المسرحية بكتابة النصوص، لينتقل بعدها إلى عالم الإخراج، كما كان من مؤسسيّ »أيام عمان المسرحية«. ''المساء'' التقت السيد نادر عمران الذي يعمل حاليا مخرجا وسينوغرافيا ومدربا على التمثيل على هامش مشاركته في الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، وأجرت معه هذا الحوار. ذكرتم سابقا أن ما يهم في الفن الرابع هو تقديم عمل جيّد بغض النظر إن كان مقتبسا أم تراثيا، هل تعتقدون أننا نضيّع وقتنا في البحث عن هويتنا وأصولنا في الفن الرابع؟ كمسرحي لي رأيي الشخصي في هذه القضية، قد يخالف آراء الباحثين في هذا المجال، فأنا أريد نصوصا مسرحية تصلح للعرض على خشبة المسرح وكفى، فالعالم مليء بالنصوص المسرحية التي تناسبنا والإنسان هو نفسه في كل مكان وزمان وأحيانا أجد أن بريخت أو كاتب غير عربي يحكي عن واقعي بأصدق مما يحكي ''س'' أو ''ص'' حتى وإن كان عربيا. وفي هذا السياق، هناك كتاب عرب أصبحوا مشهورين ليس من خلال العروض المسرحية ولكن من خلال النصوص المسرحية التي كتبوها وتناولها الباحثون من دون أن يفرّقوا بين التي تصلح للتجسيد على الخشبة أو لا، مقتصرين على بلاغة وجمال الألفاظ المستعملة في هذه النصوص لا غير، بيد أن ما يهم هو همّ الناس، فالمسرح وسيلة تعبير قد لا تستخدم اللغة إطلاقا، أما إذا كنا نتحدث عن التراث، فالتراث ليس فقط الذي يكتب ويسمع بل هو أيضا موسيقى وفنون أخرى يمكن أن نستعملها في المسرح أو لا نستخدمها، يعني أنه يمكن استخدام التراث العربي في العروض المسرحية من عدمه. لقد استمعت لمجمل فعاليات الملتقى العلمي الذي حمل موضوع استعمال التراث في الفن الرابع ووصل الباحثون إلى تساؤل يقول: ''هل التاريخ تراث أو لا؟'' وأنا أرى أن هذه قضية غير مسرحية بل مكانها في العلوم الإنسانية الأخرى، فالذي يهم في المسرح هو ما يصلح للتعبير عن شيء محدد أريد أن أقوله للجمهور من دون البحث عن مصدره سواء كان تراثيا أم لا، فقد يكون من التراث أو حتى فكرة خيالية أو فنتازيا أو رؤية مستقبلية، فهناك ألف شكل للمسرح فلم نحاصر أنفسنا في التراث، هذا خلل. لماذا يكثر الحديث حول تأصيل الفنون التي تأتينا من الغرب كالرواية والمسرح، لماذا لا نأخذ منها إنسانيتها، هل لدينا عقدة تجاه الغرب؟ المجتمعات عندما تكون في الهبوط تتشبث بالعوالق، مثل الغريق الذي يتمسك بالقشة، نحن عمليا نغرق ونتمسك بالقشة، هل إذا امسكنا بالتراث نصبح أحسن؟، بالعكس، التراث يمكن أن يعود بنا إلى الوراء، نحن محتاجون أصلا إلى نظرة مستقبلية تأخذنا إلى الأمام وليس إلى نظرة تعود بنا إلى الخلف، مثلا الغرب احتفظوا بأسماء العلوم ذات الأصل العربي مثل الكيمياء والجبر، لا مشكلة في ذلك، أما نحن فلم نعمل أي شيء في الكمبيوتر ولكننا سارعنا تسميته ب''الحاسوب''، أي إعطائه اسما عربيا إلى، قمنا فقط بتغيير اسمه خوفا من أصالتنا ولكن لماذا هذا الخوف؟ اليابانيون وصلوا إلى أقصى درجة التكنولوجيا وفي نفس الوقت يعيشون في بيوتهم وفق التقاليد، صراحة نحن نعاني من عقدة نص. هل تعتقدون انه من أولوية كل بلد عربي أن يهتم بتطوير مسرحه أولا قبل التفكير في إنشاء مسرح عربي؟ لا اعتقد أن هناك شيء اسمه ''مسرح عربي''، هناك مسرح باللغة العربية أو مسرح في المنطقة العربية أو مسرح في الجزائر ولكن مسرح جزائري ومسرح عربي كلها تسميات متعلقة بالعصبية وردات فعل لا أكثر، المسرح بدأ شكله النهائي في اليونان ولكن لا نقول مسرح يوناني وعندما نقول مسرح يوناني نعني به المسرح القديم فقط. هناك من يعتقد أن المسرح عبارة عن مرآة للمجتمع وهناك من يقول أن المسرح يأخذ المجتمع إلى ما يجب أن يكون عليه أي أن له نظرة استشرافية وأنتم ماذا تقولون؟ أرى أن المسرح وسيلة تعبير نعبرّ بها عن همومنا وفرحنا وحزننا وحتى عن فسادنا ويكون ذلك أحيانا بصيغة جمالية أو سياسية أو دينية أو اجتماعية وغيرها، يعني يمكن للمسرحي أن يحكي عن الحب والموت والوجدانيات ومواضيع أخرى، ولهذا فليس بالضرورة أن يكون كل ما يأتي به المسرحي مرآة لمجتمعه، فالمسرح يمكن أن يكون أي شيء، مرآة للمجتمع أو ناقدا له أو موجّه له ويمكن أن يكون كل هذا في عمل واحد، لهذا لا يجب أن نحصر المسرح في دور المرآة، وحقيقة لا افهم هذه التشبيهات الوصفية لهذا يجب أن نكون تحليليين وليس وصفيين ونقول في الأخير أن المسرح يعبّر عن شيء ما عند الفنان يريد أن يوصله لمجموعة ما من المتلقيين، يعني أن المسرح أداة كما انه ليس كاشفا للمستقبل وإذا قلنا عكس ذلك يعني أننا نريد أن ننمط الموضوع لتسهيل الفهم على الكسول. وماذا عن مقولة أن المسرح خدوم للمدنية؟ بالتأكيد المسرح هو إفراز للمدنية مثل البرلمان الذي يحكي عن الماضي والحاضر والمستقبل ويضع قوانين وتوجيهات حول طريقة عيشنا، وأعطي مثالا عن ذلك بمسرحية ''برلمان نسائي'' التي كتبها اسطوفانيس قبل ألفي سنة وتحكي عن عالم يحكمه النساء، حيث يمكن أن نعرض هذا العمل اليوم من دون أدنى مشكل. وأؤكد أن المسرح وسيلة للتعبير، كما أن التاريخ العربي المتراكم لا يقبل بوجود الفن الرابع لأنه كاشف له، فشكسبير قال في مسرحية »هاملت«: ''خير لك أن يكتب على قبرك بالسوء من أن يذكرك بالسوء في حياتك'' ويقصد من ذلك أن ما يقال على الخشبة يكون له وقع كبير على المتلقي، بالمقابل فرغم أهمية المسرح إلا أنني لا اعتقد انه أداة تغيير ولكن له أثره وتأثيره في المجتمع. هل يعجبكم مسرح المونودراما؟ أنا لست في مجال نقدي للمونودراما ولكنني شخصيا لا أحبها ولا أؤمن بها، المسرح إرادات وعندما تكون إرادة واحدة لا يعجبني هذا الأمر رغم أننا في عصر المونودراما بحكم قلة تكاليف عروضها. و هل أنت مع تدريس المسرح من الطور الابتدائي؟ أنا مع تدريس المسرح من الحضانة، لأن المسرح أداة تعبير تعلّم وتفيد الجميع وبالأخص في موضوع التعامل مع الجسد والروح، نحن لدينا طابو الجسد، فلو يتعلم الطفل فنيات المسرح من الحضانة لذهب الطابو، وعندما يلعب الأطفال من الجنسين معا وحينما يعمل المراهقون والشباب من الجنسين أيضا معا، يزول هذا الخوف الذي يجعلنا نرى أن العلاقة ما بين الناس مبنية على الجنس، إذن يجب حل هذه العقد. وماذا عن استعمال التكنولوجيا في المسرح؟ أكيد أنا مع استعمال التكنولوجيا في المسرح، فالمسرح تقدم أضعاف الأضعاف عندما اخترع المصباح الكهربائي، لذلك فالتكنولوجيا ضرورية ولازمة في الفن الرابع وجيّد أن هناك شركات همها أن تقدم تكنولوجيا خاصة بالمسرح. وفيما يتعلق بالنقد في المسرح؟ شخصيا هذه المهمة أو المهنة قليلا ما وجدت فيها شخصا محترفا، يستطيع أن يقيّم وينقد فالمسرح شيء متحرك ويتدفق بسرعة كبيرة فكيف يسايره النقد.. لا اكترث للنقد بشكل عام. هل تعتقدون أننا يمكن أن نشاهد مسرحية بلغة لا نفهمها بما أن اللغة المسرحية هي أساس العمل؟ نعم، فأنا شاهدت مسرحية للتونسي فاضل الجعايبي لمدة أربع ساعات ونصف بدون توقف رغم أنها جاءت في مجملها باللغة الفرنسية علاوة على أنني لم أكن أفهم كثيرا اللهجة التونسية ورغم ذلك بقيت مشاهدا ومنصتا بانبهار تام. وما هو واقع المسرح في الأردن؟ المسرح في الأردن جزء من المسرح في المنطقة، لا يوجد مسرح فيه خصوصيات، ربما ما عدا المسرح التونسي الذي أراه متقدما نوعا ما مقارنة بالمسارح العربية، أي لا توجد حركة مسرحية فيها تراكم بل تضم أعمالا جيدة مرة على مرة. هل لكم معرفة بالمسرح الجزائري؟ كنت أعرف القليل عن المسرح الجزائري قبل أن آتي إلى الجزائر خلال الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، فقد سبق لي أن شاهدت عرضا مسرحيا لشريف عياد زياني كما حاولت تقديم مسرحية عن نص ''الجثة المطوقة'' لكاتب ياسين ولكنني لم افلح في ذلك وبعد زيارتي للجزائر، دعوت مسرح سيدي بلعباس إلى المشاركة في مهرجان أيام عمان السينمائية بمسرحية ''فالصو'' وأخذنا هذه السنة عرضا آخر لنفس الفرقة بمسرحية ''نون''، وفي الأخير أقول انه لدي صورة غير متكاملة عن المسرح الجزائري.