اعتبرت دائرة المسرح من بين الدوائر الأكثر نشاطا ضمن اللجنة التنفيذية لتظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، وذلك ليس باعتراف وزيرة الثقافة فقط، وإنّما بالنظر إلى البرنامج الضخم الذي حقّقته الدائرة منذ الأيام الأولى لانطلاق التظاهرة، لاسيما الطبعة العربية للمهرجان الوطني للمسرح المحترف الذي بلغ صداه الأفق· سجّل الفن الرابع حضورا قويا، بل وطاغيا خلال تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، جعلته في مقدّمة النشاطات التي أعطت التظاهرة حضورا بارزا، وشعبية جعلتها قريبة جدا من الجمهور بمختلف فئاته واهتماماته، وكذا مستوياته العمرية، دائرة المسرح قدمت بالأرقام ما يعادل 47 عملا مسرحيا عوض 45 التي كانت مبرمجة، بعد إضافة عرضين هما "أعويشة والحرّاز" لفوزية أيت الحاج و"الجزائر عروس العالم"، أنتج المسرح الوطني الجزائري من بينها 14 عملا، مقابل 10 أنتجتها المسارح الجهوية و23 من إنتاج التعاونيات والجمعيات المسرحية، وعلى خلاف المسارح الجهوية المتبقية التي شاركت بعمل واحد فقط ضمن التظاهرة، قدّم مسرح بجاية عملين مسرحيين هما "ليوناردو فيبوناتشي" ومسرحية "النهر المحوّل"، ليتعدّى عدد العروض المسرحية المقدّمة 650 عرضا موزّعة على 43 ولاية أمام أزيد من 215 ألف متفرج، جمعت أكثر من 450 فنانا و41 مخرجا و40 سينوغرافيا و42 موسيقيا· ما تميّزت به دائرة المسرح هذه السنة أيضا، توزيع نشاطاتها عبر مختلف ولايات الوطن، لاسيما ولايات الجنوب، في بادرة هي الأولى من نوعها قدمت خلالها عرضا أول لأربع مسرحيات هي "موقف إجباري"، "هيرو سترات"، "المفترسون" و"فاطمة" بالأمازيغية، وذلك بكل من ورقلة، تمنراست، أدرار وإليزي· لكن أهمّ ما ميّز نشاطات المسرح خلال هذه التظاهرة ومنحه بريقا في سماء التظاهرة، الطبعة العربية لمهرجان المسرح المحترف، التي نشّطت الساحة الثقافية ومنحتها حركية كبيرة بحضور العديد من أعمدة الخشبة العربية، يتقدّمهم الفنان المصري الكبير سعد أردش وسيدة المسرح العربي سميحة أيوب التي أعادت بالمناسبة طبع كتابها "ذكرياتي" مع دار الحكمة الجزائرية ضم جزءا من ذكرياتها في الجزائر، هذا بالإضافة إلى الفنان السوري الكبير أسعد فضة وزوجته مها الصالح، أشرف عبد الغفور، محمد سعيد، منى واصف، قاسم حداد، قاسم مطرود، منصف سويسي، فاضل خليل، محسن الرملي، نادر، ثريا جبران، حليمة داود، فؤاد الشطي، الطيب العلج، فؤاد الشطي··· ولم تكتف هذه الطبعة باستضافة أسماء عربية وتكريمها في جلسة افتتاحية، أقل ما يقال عنها حميمية وسط عرس عاصمي بهيج ضمن تركيبة "السطح والنجوم ولحروف ساهرة"، بل تعدّته لتقدّم عشرة عروض مسرحية عربية مكّنت الجمهور الجزائري وعشاق ومحترفي الفن الرابع من الاقتراب بخطى عملاقة والاطلاع على ما ينجز على الخشبة اللبنانية، العراقية، القطرية، الفلسطينية، المصرية، السورية، الإماراتية، من خلال مسرحية "قصص تحت الاحتلال" التي أبكت الحضور بتهكّمها من الوضع في فلسطين، ومسرحية "الشبكة" التي أوقفت سيدة المسرح العربي سميحة أيوب من جديد على خشبة "محي الدين بشطارزي"، ومسرحية "حظر التجوّل " من العراق، "بوابة فاطمة" لروجي عسّاف من لبنان، اللتين قدّمتا لمحترفي الفن الرابع درسا مهما في المسرح، لتعيد مسرحية "أبو حيان التوحيدي·· ورقة حب منسية " القطرية إلى أذهان الحضور العصور الذهبية للمسرح العربي، أضيفت إليه مسرحية "البقشة" من الإمارات و"ستي دليلة" التونسية، ولتأتي " قبعة المجنون " للسورية مها الصالح في درك السلم بعرض لم يرض المشاهد الجزائري ولم يعكس مستوى المسرح السوري· المسابقة الرسمية للمهرجان هذه السنة ميّزتها الأسماء المشكّلة للجنة التحكيم التي اختيرت من عمالقة الخشبة العربية تقدمتهم الفنانة سميحة أيوب ومرسي خليل من مصر، والسورية منى واصف، مجد القصص من الأردن، كريم عواد من العراق، روجي عساف من لبنان، ونضال من الجزائر، وذلك تحت رئاسة الروائي الجزائري الكبير وسيني الأعرج· هذه اللجنة التي أسقطت من حساباتها أربعة أعمال حتى لا يبقى في حلبة المنافسة غير خمسة مرشحين تقاسموا غلة الجوائز الثمانية، ظفرت فيها مسرحية "النهر المحوّل " بجائزة أحسن عرض متكامل، رغم ما أثارت من انتقادات عند عرضها، في حين استحوذ أحمد خوذي على جائزة أحسن إخراج وفازت مسرحية "غبرة لفهامة" بجائزة أحسن نص، أمّا جائزة لجنة التحكيم فمنحت لإنتاج المسرح الوطني "بيت برناردا ألبا" ···، وسعت اللجنة هذه السنة باستحداث جائزة إضافية تمثّلت في جائزة أحسن ممثل أو ممثلة واعدة، ورغم أنّ إشكالية اختيار الأعمال المشاركة في المسابقة الرسمية لم تطرح هذه السنة، بعد أن تمت التصفيات عبر المهرجانات الجهوية، إلاّ أنّ التظاهرة طرحت مشكلا آخر تمثّل في النصوص المقتبسة وأحقيتها بالجوائز· وفضلا عن العروض والمسابقة الرسمية، شهد مهرجان المسرح المحترف تنظيم ورشات تكوينية قادها كل من محسن الرملي وقاسم حداد، إلى جانب ملتقى امتدت فعالياته على مدار ثلاثة أيام تناولت راهن وتحديات المسرح العربي، شارك في تنشيطها كل من فاضل خليل، حميد علاوي، وطفاء حمادي، محسن الرملي، آمنة الربيع، نادر القنة، عمرو دوارة، عزة القصابي وآخرين··· لكن أجمل ما حقّقه المهرجان هي تلك الحركية المنقطعة النظير، التي تحدّثت عنها الكثير من المواقع الإخبارية والفضائيات العربية، وفضاء التلاقي الذي جمع طيب العلج من المغرب بمنصف السنوسي من تونس وأشرف عبد الغفور من مصر، بامحمد بن قطاف وفتيحة بربار··· بعد سنوات طويلة من الغياب تحت قبة مسرح الجزائر من جديد· كما استحدثت دائرة المسرح هذه السنة أيضا جائزة "مصطفى كاتب" للدراسات المسرحية، التي سيشرع في تقديمها ابتداء من هذه السنة مختارة "الثورة الجزائرية في المسرح العربي" كأول موضوع للدراسة· المسرح الوطني خصّ في إطار التظاهرة أيضا، شهر المرأة ببرنامج متميز جمع إبداعاتها في مختلف المجالات، فقدّم أربعة عروض مسرحية هي "لغة الأمهات"، "السطح والنجوم ولحروف ساهرة"، "بيت برناردا ألبا" و"المغارة المتفجرة"، ومعارض للفن التشكيلي وقراءات شعرية ومسرحية، وكذا سهرات فنية موسيقية من النوع الشعبي والحوزي والأندلسي، اشتركت في كونها من إنتاج نساء مبدعات· أمّا عن أبرز الأعمال التي قدّمها المسرح خلال السنة، فتمثلت في مسرحية "الحكواتي الأخير"، التي كانت فاتحة السنة جمع في سابقة ُتشهد للمسرح الجزائري بين الدول المغاربية الثلاث تونس، المغرب والجزائر، من خلال نص المغربي عبد الكريم برشيد وإخراج التونسي المنجي بن براهيم، وتمثيل طلبة المعهد العالي لفنون العرض ومهن السمعي البصري في عمل ضخم ومتميّز، هذا إلى جانب تجربة المخرج العراقي قاسم محمد التي بدأت بورشة تكوينية لطلبة معهد فنون العرض بالجزائر، لتنتهي بمسرحية شخوص وأحداث من مجالس التراث بمشاركة 60 فنانا·