مطلب التعويض بين ضعف دور المجتمع المدني وتجاهل الجانب الفرنسي لاتزال المساعي والجهود القضائية للجنة الوطنية لمناهضة الفكر الاستعماري متواصلة لمطالبة فرنسا بتحمل كافة مسؤولياتها تجاه الجرائم الإنسانية التي اقترفتها في حق الجزائريين في صحراء رقان، عين أكر، الحمودية... وغيرها، وإجبارها على الاعتراف بها وتقديم التعويض المادي والمعنوي للمتضرين من 57 تجربة نووية باطنية مصرح بها و35 أخرى إضافية. وجددت الناطقة باسم لجنة مناهضة الفكر الاستعماري المحامية فاطمة الزهراء بن براهم أمس خلال يوم إعلامي حول مدى تقدم الملف المتعلق بالتجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر بمنتدى ''المجاهد''، بمناسبة الذكرى ال48 لعيد الاستقلال 5 جويلية 1962 دعوتها لإنشاء محاكم دولية وإقليمية خاصة لمحاكمة الجرائم الاستعمارية الفرنسية المقترفة في مختلف ربوع صحراء ''رقان'' والمناطق المجاورة لها، والتي لاتزال تفرز إشعاعات سرطانية سامّة تهدد حياة سكان المنطقة. موضحة أن الوقت قد حان لإدانة كافة أشكال الاستعمار الذي يعد جريمة ضد الإنسانية بحكم مضامين النصوص القانونية التي أقرتها اتفاقية روما. وقالت المحامية بن براهم في الندوة التي حضرها معنيون بهذا الملف كالباحث في الشؤون النووية الدكتور عمار منصوري وجمعية 13 فيفري 1960 وجمعية ''مشعل الشهيد''، إضافة لأساتذة جامعيين، وبعض عائلات ضحايا هذه التجارب، أن الهدف من هذه المحاكم هو السعي لكسب أكبر حشد من الدول الأوربية وحتى الإفريقية لتأييد مطلب متابعة فرنسا بهذه الجرائم التي لم تسلم منها حتى الكائنات الحية والنبات وأكثر من ذلك تعزيز موقف الضغط على المجتمع الدولي والمؤسسات والهيئات الدولية من أجل التحرك العاجل للنظر في هذا الملف الذي قارب عمره 50 سنة. وتطرقت الناطقة باسم لجنة مناهضة الفكر الاستعماري إلى مجمل التقارير الفرنسية السرية التي دونت فيها حقائق رهيبة للأجواء والظروف التي سبقت التجارب النووية برقان، لاسيما الخاصة منها بالجانب الديموغرافي، بالإضافة إلى الأكاذيب التي لفقتها حول خلو المنطقة من أي إشارة تدل على الحياة، مشيرة بمقابل ذلك إلى الاضطرابات التي يعيشها الجانب النووي الفرنسي من تسريب هذه التقارير واكتشاف معركة ربح الوقت التي تلعب عليها فرنسا، رغم تقديمها ل17 اقتراحا قانونيا حول هذه التجارب النووية لا يحمل أي اعتراف بالضحايا الجزائريين. وفي إطار القراءة الأولية لهذه النصوص، قالت المحامية بن براهم ''إن الجزائريين مستثنون تماما من هذه القوانين كقانون 5 جانفي 2010 الذي جاء لتعويض العسكريين الفرنسيين والمدنيين الموجودين آنذاك مع تحديد المنطقة التي استهدفتها التجارب''. مشيرة إلى التجاهل الفرنسي الكبير لقائمة واسعة من الأمراض المسرطنة الخطيرة التي تستهدف الجهاز التناسلي عند الرجال، إلى جانب سرطان الثدي لدى النساء الذي عرف ارتفاعا ب7 مرات بالصحراء مقارنة ببعض الدول الأوربية جراء الإشعاعات النووية. كما أشارت إلى تقرير سري آخر من 256 صفحة الذي يصف التجارب بصريح العبارة بالتفجيرات الاستراتيجية الشاملة والذي يضاف الى الجريمة الفرنسية مع سبق الإصرار والترصد ضد كل ما هو جزائري. إضافة لاعترافات صريحة بالجرائم من طرف العسكري الفرنسي ''فينيكس غايار'' الذي أكد أن المنطقة كانت آهلة بحوالي 40 ألف شخص إضافة للواحات، واعترافات أخرى تؤكد تجريب حوالي 29 طفلا من تلاميذ المدارس في هذه التفجيرات. ومن جهته، أكد الباحث في الشؤون النووية وعضو لجنة مناهضة الفكر الاستعماري الدكتور عمار منصوري القانون السالف الذكر والمرسوم 03 جوان 2009 الصادر في 13 جوان 2010 واللذين لقيا رفضا كبيرا لدى الشارع الفرنسي كونهما لايتضمنان أي مصطلح أو عبارة عن الجزائريين، موضحا أنه اكتفى فقط بالاعتراف بالمدة الزمنية التي جرت فيها التجارب والمساحة التي شملتها إضافة إلى الضحايا الفرنسيين والمدنيين. ودعا الدكتور منصوري في هذا الإطار كافة منظمات وجمعيات المجتمع المدني إلى المشاركة الفعالة في متابعة ملف التجارب النووية، مركزا على حتمية الشروع لاحقا بالتنسيق مع جمعية 13 فيفري 1960 في عملية إحصاء كافة المنشآت والتجهيزات والمنازل... وغيرها التي كانت في تلك الفترة، قصد التحكم الأفضل في إعداد ملفات متابعة فرنسا ودفعها لتعويض الضحايا كما دعا بدوره رئيس جمعية 13 فيفري السيد عمر هامل إلى التشبث بالمطالب الإنسانية الخاصة بالاعتراف وتعويض ضحايا التجارب ودعوة أصحاب الضمائر الحية لوضع بصمة ايجابية للإنسانية بمنطقة رقان التي لاتزال تحصد الإصابات السرطانية جراء البلاتينيوم المشع الذي يستمر ل25 ألف سنة. وللإشارة، فقد تم عرض حصة إخبارية بإحدى القنوات التلفزيوينة الأجنبية حول التجارب النووية برقان والتي أجمع المشاركون فيها على بشاعة هذه التجارب وضرورة حمل فرنسا على الاعتراف بها. كما تم تكريم كل من المحامية فاطمة الزهراء بن براهم والدكتور عمار منصوري ورئيس جمعية 13 فيفري السيد عمر هامل نظير جهودهم في المرافعة من أجل افتكاك الاعتراف الفرنسي بالتجارب والتعويض المادي والمعنوي للضحايا.