وضع الرئيس الأمريكي والوزير الأول الإسرائيلي على اثر قمتهما في البيت الأبيض الرئيس الفلسطيني أمام أمر واقع جديد بعد أن اتفقا دون علمه باستئناف المفاوضات المباشرة خلال أسابيع.واتفق باراك اوباما وبنيامين نتانياهو خلال القمة التي جمعتهما ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء بمقر الرئاسة الأمريكية على فكرة تسريع الدخول في المفاوضات المباشرة لعملية السلام في وقت لم تحقق فيه المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت بداية شهر ماي الماضي أي تقدم يذكر رغم أن الرئيس الأمريكي أصر عليها لتكون محطة لإنهاء حالة انعدام الثقة بين طرفي مسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي. ويكون الرئيس الفلسطيني قد استشعر مثل هذا التواطؤ الأمريكي الإسرائيلي وهو ما جعله وكل المسؤولين الفلسطينيين المكلفين بملف المفاوضات يؤكدون في كل مرة أن قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات المباشرة يبقى مرهونا بمدى التقدم المتوصل إليه في المفاوضات غير المباشرة. وانحاز الرئيس الأمريكي إلى جانب الموقف الإسرائيلي الذي رغم تأكيدات موفد السلام الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بتعثر المفاوضات غير المباشرة وهو ما يؤكد أن قمة البيت الأبيض لم تكن لإرغام إسرائيل على وقف الاستيطان أو منعها من طرد سكان القدس وترحيلهم القسري ولكن لإعطاء شرعية لوجهة النظر الإسرائيلية ورغبتها في تفريغ عملية السلام من محتواها. ودخلت السلطة الفلسطينية المفاوضات غير المباشرة في محاولة منها لاستقراء الموقف الإسرائيلي من قضايا الوضع النهائي وخاصة مسألة حدود الدولة الفلسطينية والمسائل الأمنية ولكنها تأكدت بعد زيارات مكوكية للموفد الأمريكي أنها تلهث وراء سراب وجعلها في النهاية تشترط تحقيق تقدم في هذه المفاوضات قبل الانتقال إلى المفاوضات المباشرة لإدراكها المسبق أنها ستكون مجرد غطاء لإعطاء الشرعية للأمر الواقع الإسرائيلي. ولكنها فوجئت أمس بقرار أمريكي إسرائيلي بالبدء في هذه المفاوضات خلال أسابيع وسط عمليات استيطان وتجريف وهدم لمنازل وأراضي الفلسطينيين في القدس الشريف ورفض لكل ما يبث لعملية السلام بصلة. والمفارقة أنه حتى المفاوضات المباشرة تريدها إسرائيل على مقاسها وتصب دائما في ''تدعيم امن ومصالح الحيوية لإسرائيل'' وهي القناعة التي خلص إليها ايهود باراك وزير الدفاع في الكيان الإسرائيلي المحتل أمس عندما كان يعلق على النتائج الايجابية للقاء الرئيس الأمريكي مع الوزير الأول الإسرائيلي. ويكون نتانياهو قد حقق من خلال لقائه بالرئيس اوباما مكسبين استراتيجيين فقد تمكن من إزالة الضبابية التي طبعت علاقة كيانه بواشنطن ونجح أيضا في تمرير موقفه من عملية السلام وجعله يؤكد انه خرج مسرورا من لقائه بدليل أن الرجلين عقدا ندوة صحفية مشتركة أمام مقر البيت الأبيض. وكيف لنتانياهو أن لا يخرج مبتهجا وفرحا من البيت الأبيض وقد وجد رئيسا أمريكيا يتجاهل عمدا مسألة الاستيطان حتى لا يثير سخط نتانياهو وجعل صحيفة ''هآرتس'' اليسارية في إسرائيل تكتب تحت عنوان حمل كل دلالات الانحياز الأمريكي إلى جانب إسرائيل: '' قمة اوباما نتانياهو: رسائل شخصية وباقات ورد ولا كلمة حول المستوطنات''. ويتأكد من يوم لآخر أن الرئيس الأمريكي يتحرك في تعاطيه مع ملف الشرق الأوسط دون اطر محددة وبقي يتخبط في مواقف تارة منصفة للفلسطينيين على الاقل من حيث وقف الاستيطان اليهودي وأحيانا اخرى انحياز غير مفهوم إلى جانب الطروحات الإسرائيلية وإقرار بالأمر الواقع الذي تفرضه هذه الأخيرة. وهي مواقف متذبذبة تدفع إلى طرح السؤال حول قدرة الرئيس الأمريكي في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي والأكثر من ذلك هل يملك أوراق تجسيد خطته لإنهاء هذا النزاع والتي يبدو انه بدا يفقدها واحدة تلوى الأخرى لصالح إسرائيل التي تمكنت من فرض منطقها عليه. ولولا ذلك لما قال اوباما مفاخرا أن الوزير الأول الإسرائيلي رجل يريد السلام وأنه مستعد لاتخاذ قرارات جريئة من اجل تحقيقه ''ولسنا ندري عن أي سلام كان يتحدث ولا طبيعة السلام الذي يريده نتانياهو اللهم إلا إذا كانا متيقنين أن السلام الذي يريدانه يبقى تجريد الفلسطينيين من أراضيهم وإرغام المئات منهم على الهجرة القسرية وتهويد ما تبقى من مدينة القدس الشريف وإقرار الأمر الواقع الاستيطاني الذي فرضته إسرائيل بتزكية ممن يدعون البحث عن السلام.