تعهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بعد أكثر من ساعتين من المحادثات الثنائية بمكتب وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على عقد لقاءات ثنائية مرة كل أسبوعين للوقوف على درجة تقدم مفاوضات السلام بينهما. وكان مثل هذا الاتفاق كافيا لجعل الرئيس اوباما ووزيرته للخارجية ومبعوثه الخاص إلى منطقة الشرق الأوسط يتفاءلون بمستقبل هذه الجولة الجديدة من المفاوضات التي تعقد لأول مرة منذ عشرين شهرا. وينتظر أن يلتقي الرئيس عباس ونتانياهو منتصف الشهر الجاري بمنتجع شرم الشيخ المصري بحضور وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في رسالة تأكيد على الدور الذي تريد إدارة الرئيس اوباما القيام به من أجل حلحلة مسار السلام المتوقف منذ سنوات. ولم يفوت لا الرئيس أوباما ولا وزيرته للخارجية تثمين شجاعة نتانياهو وعباس اللذين قبلا أخيرا العودة إلى طاولة المفاوضات واعتبرا ذلك بمثابة قفزة نوعية يجب استغلالها من أجل إنهاء النزاع. ووفق ما تم التوصل إليه بعد ساعتين من المحادثات الثنائية وجلسة أخرى ثلاثية من ثلاثين دقيقة رفقة كلينتون فقد اتفق الرجلان على أن تصبح لقاءاتهما دورية بمعدل اجتماع كل أسبوعين يتم خلالها العمل من أجل التوصل إلى اتفاق إطار يمهد لبحث حيثيات مختلف المسائل المطروحة على الطاولة والتي تندرج في إطار قضايا الوضع النهائي وقال جورج ميتشل أنها تهدف ''إلى التوصل إلى اتفاقات ضرورية تمهيدا لإقامة سلام دائم ونهائي في أجل لن يتعدى العام الواحد. ويبدو من خلال قراءة أولى لما تم الاتفاق بشأنه أن ذلك يعد خطوة كبيرة على طريق السلام المفقود إذا أخذنا بتصريح الوزير الأول الإسرائيلي الذي كان يعد صقرا متشددا ضد الفلسطينيين وأصبح بقدرة قادر حمامة ورجل سلام بأن الجانبين مطالبان بتقديم تنازلات مؤلمة لكليهما. وإذا كان نتانياهو لم يحدد طبيعة هذه التنازلات ومن يتحمل وزرها فرن المؤكد أن الطرف الفلسطيني سيكون أكثر المتضررين إذا أخذنا فقط بمضمون كلمة نتانياهو الذي أعاد التأكيد على مسامع اوباما ومبارك والملك عبد الله والرئيس عباس أن الاستيطان لن يتوقف وأن السلطة الفلسطينية مطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية. وهي رسالة أراد نتايناهو أن يسمعها الجميع وعليهم أن يضعوا في حسبانهم أن حكومته اليمينية تريد طي صفحة اللاجئين واللائحة الأممية 194 التي أكدت على حقهم في العودة دون الحديث عن مستقبل القدس والاستيطان وماهية الدولة الفلسطينية وهي كلها فعلا قضايا مؤلمة للجانب الفلسطيني. وهي مواقف تعجيزية ستضع الدور الأمريكي على المحك وتفاؤله أمام امتحان عسير سيقف عليه الكل يوم 26 سبتمبر الجاري ليتأكدوا ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية ستوافق على تمديد العمل بمهلة تجميد الاستيطان على الأقل في جانبه الظاهري أم أنها ستخضع لضغوط لوبي المستوطنين الذين قرروا أول أمس استئناف الاستيطان حتى قبل هذا التاريخ متذرعين بعملية الخليل الفدائية. وهو ما يجعل الأنظار كلها تصوب باتجاه الإدارة الأمريكية التي أقنعت العالم أنها جادة هذه المرة في إنهاء ما أصبح يعرف بنزاع القرن ولكن هل تستطيع الإيفاء بمثل هذا التعهد الكبير جدا في وقت عجزت في تحقيقه كل الإدارات التي سبقتها منذ بدء مفاوضات السلام في مسار برشلونة. وهو سؤال منطقي جدا إذا راعينا ضمن هذه المقاربة الوضع السياسي الهش بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي تجمع كل عمليات سبر الآراء تراجع شعبيته وتنامي دوائر الضغط المناهضة لسياسته الداخلية والأكثر من ذلك أن لقاء واشنطن جاء شهرين فقط قبل انتخابات جزئية داخل الكونغرس والتي يمكن أن تنعكس سلبا على مكانة حزبه في أهم هيئة تشريعية في الولاياتالمتحدة لصالح خصومه الجمهوريين. والتحدي الإسرائيلي بقدر ما هو امتحان للإدارة الأمريكية الراعية لعلمية السلام فإنه امتحان عسير بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي ستجد نفسها أمام جدار صد قوي بعد تأكيد الرئيس عباس أول أمس أنه سينسحب من المفاوضات إذا لم يتوقف الاستيطان. وهو امتحان لقدرة السلطة الفلسطينية مقاطعة المفاوضات وقد قبلت خوضها ولم تضمن حتى موقفا أمريكيا ضامنا على ذلك وكان عليها أن لا تضع نفسها في مثل هذه الضائقة من خلال اشتراط وقف الاستيطان قبل المفاوضات.