رمضان فرصة لا تتكرر إلا مرة في السنة، ولا يخفى على أحد أن قراءة القرآن من أعظم العبادات في هذا الشهر الفضيل، وبهذا الخصوص يلفت انتباهنا حرص الكثيرين على ختم القرآن الكريم في رمضان، حيث يضعون لذلك برنامجا صارما يساعدهم على ختمه مرة على الأقل، ويبدأ إثر ذلك التنافس مع الأفراد المحيطين، لكن سرعان ما تختفي هذه الأجواء مع نهاية شهر رمضان المبارك، ويبقى الاستفهام: هل التسابق نحو ختم القرآن في رمضان شحذ للطاقة الإيمانية أم هو مجرد سلوك مظهري يبرز في رمضان ليلج في طي النسيان في سائر الأيام الأخرى؟ يقول المولى عز وجل: ''شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ'' (البقرة الآية 185). شهر رمضان شهر القرآن، وشهر فيه شأن في إصلاح القلوب والهداية للتي هي أقوم لمن تلاه وتدبره وسأل الله به، ويحرص كثيرون في هذا الشهر الكريم على ختم القرآن لما في ذلك من فضل عظيم وأجر كبير، والجو العام يظهر ذلك بكل وضوح، حتى أن البعض يستغلون وقت الرحلة التي يقضونها في وسائل النقل لقراءة أكبر قدر ممكن من الآيات القرآنية، ويكثر طرح الأسئلة التالية بين عامة الناس: كم جزءًا ختمت؟.. وكم مرة ختمت القرآن؟ كم تنوي بإذن الله أن تختم القرآن في هذا الشهر؟ رمضان يشحن بطارية الإيمان تقر الآنسة ''صابرينة. ك''، حقوقية، أنها تشحذ في كل رمضان طاقتها لختم القرآن الكريم مرة أو مرتين رغبة منها في إعطاء هذا الشهر حقه من العبادة، ومن باب التسابق إلى الخير والسعي في ختم القرآن الكريم في شهر الغفران... لكن هل تواضب صابرينة على ذلك في أشهر السنة الأخرى؟ تجيب: ''إن انشغالات الحياة اليومية والضغط الناجم عنها لا يسمح لي بختمه مرة أو أكثر في باقي أشهر السنة، إنما أكتفي بقراءة صفحة أو صفحتين يوميا فقط. ومن جهتها تقول الآنسة ''نعمة. ل'' وهي شابة عاملة: ''ختم القرآن في شهر رمضان أمر مقدس بالنسبة لي، ولو أني في الحقيقة لا أواضب على ترتيله في سائر الأيام الأخرى بحكم مشكل التركيز الذي أعاني منه، غير أني أبذل كل ما في وسعي ليزيد رصيد حسناتي في شهر القرآن، لاسيما وأن الجو العام المحموم بالتسابق في المنزل والوسط المهني يشجع كثيرا على ذلك. وبرأي السيد ''عبد الكريم. ط'' فإن التنافس على ختم القرآن في رمضان سنّة حسنة، حتى وإن كان بعض الناس لا يقبلون على ذلك في سائر الأيام الأخرى، لأن هذه المنافسة والتجربة في قراءة الذكر الحكيم قد تتحول بمرور الأيام إلى تقليد يشكل جزءا أساسيا في برنامج الحياة اليومية. التفاعل بعيدا عن الرياء وجاء على لسان السيدة ''نعيمة.ج''، حائزة على شهادة ماجستير في علوم الاعلام والاتصال: ''غالبا ما يلزم كثيرون أنفسهم بختم القرآن مع حلول رمضان مرة أو مرتين، كثيرون يفعلون ذلك بحسن نية طبعا من منطلق أن رمضان شهر تتضاعف فيه الحسنات، لكن ما الفائدة من ختمه بهذا الإلزام وبهذه الطريقة التي تخلو من التمعن، ثم الانقطاع عنه في سائر الأيام الأخرى؟ أنا أرى أن هناك ما هو أولى، وهو تدبر القرآن والتفاعل مع تعاليمه، فقراءة الشخص لجزء واحد أو مجموعة محدودة من السور بتأن وتفاعل، كل حسب طاقته، أفضل من أن يدخل الفرد في سباق محموم قد لا يكون الهدف منه سوى المباهاة والرياء. وتشاطرها الرأي الآنسة سعيدة، موظفة بمؤسسة عمومية، والتي تصرح: ''أنا أرى أن هذا السلوك يحمل في طياته تسابقا لختم القرآن، مجرد ختمه فقط، ما يجعله بمثابة الظاهرة ''الموضة'' في رمضان، فحتى وإن كانت النية حسنة، فالله تعالى أمرنا بتلاوته والتدبر فيه للحصول على أجره الكبير، وليس بتكرار التلاوة والختم بسرعة قياسية. لماذا نحول القرآن إلى مدرسة ظرفية؟ وحسب وجهة نظر الشاب ''وسيم. و''، فإن الإشكالية المطروحة ليست في المواضبة على ترتيل القرآن فيما بعد رمضان، إنما هل نطبق ما قرأناه وتعلمناه من كتاب الذكر الحكيم في رمضان ليتحول إلى ممارسة يومية على مدار أيام السنة؟ السؤال المطروح أيضا هو: هل يهذب القرآن آلاف الأشخاص الذين لا يتوانون عن حمل المصاحف في هذا الشهر المبارك؟ لأن الظاهر العام يوحي بأن ما يحدث من تلاوة وختم في رمضان لا يتجاوز الشفتين بالنسبة للكثيرين ممن يلزمون أنفسهم بالسباق نحو ختم القرآن الكريم مرة ومرتين وثلاثا دون ربط حياتهم به وتأسيس نظرتهم للكون على هداه.. أسمع كثيرين يصرحون بأنهم ختموه مرتين وثلاثا ويتنافسون.. فالبعض يفعلون ذلك من باب المباهاة والرياء والبعض الآخر من باب الجهل.. كما أن البعض وإن كان لديهم مقصد حسن، إلا أنهم يحولون العبادات الرمضانية إلى سلوكات تدخل ضمن سلوكيات شكلية كثيرة وظرفية كالالتزام بالإفطار على التمر وقيام الليل في رمضان فقط. ويستطرد نفس المتحدث ليوضح: ''إن ختم القرآن قراءة بسرعة بلا تدبر في اعتقادي سلوك خاطئ وإن كانت النية حسنة، فالمفروض هو أن القرآن الكريم مدرسة وليس من المنطقي أن نفتح أبوابها في رمضان ونغلقها في سائر الأيام الأخرى بتجاهل ما تعلمناه منها. التدبر أولى ولدى إجابته على سؤال ''المساء'' أوضح السيد زين الدين العربي، إمام بمسجد ابن فارس بالقصبة، أن الحرص على ختم القرآن في رمضان عادة حسنة تدخل ضمن عادات المجتمع الجزائري العريقة الذي دأب أفراده منذ زمن بعيد على ختم القرآن الكريم في ليلة السابع والعشرين من شهر الصيام، ولو أن هذه العادة الحسنة بدأت تعرف طريقها نحو التلاشي منذ السنوات الأخيرة بسبب الغزو الفكري. ويضيف المصدر أنه من المفيد أن نحرص على إحياء عادة ختم القرآن المباركة في هذا الشهر المقدس الذي تتضاعف فيه الحسنات، اقتداء بالسنّة، حيث كان جبريل عليه السلام يختم القرآن الكريم مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من ليالي رمضان كما ورد في الصحيحين. لكن ينبغي الانتباه إلى أن العبرة ليست في الحرص على ختم القرآن في رمضان فحسب، إذ أن هذه العادة الحسنة لا تكتمل إلا بالحرص على تدبر معاني الآيات والاجتهاد في تطبيقها.