أجمع مجاهدون وباحثون ومؤرخون أمس على ضرورة نقل المكانة التاريخية للمجاهد المرحوم فرحات عباس ورمزيته إلى الأجيال الصاعدة، مؤكدين اعتدال فكره وحرصه على وحدة صف الثورة الجزائرية، واصفين حياته بصفحة مخلدة من صفحات تاريخ الثورة الجزائرية المظفرة. وأشار وزير المجاهدين السيد محمد شريف عباس خلال الندوة الوطنية التي نظمت بالنادي الوطني للجيش حول ''المرحوم فرحات عباس أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية''، بمناسبة إحياء الذكرى ال52 لتأسيس هذه الأخيرة في 19 سبتمبر ,1958 إلى أن المجاهد الراحل استطاع أن يتخطى كل المتاريس التي وضعتها الإدارة الاستعمارية أمامه، موضحا بأن هذا المجاهد المثقف لم يكن متشددا، وكان يتفاعل مع كل الأحداث ويتغير بحسب التطورات التي عرفتها القضية الجزائرية، انطلاقا من السؤال الرئيسي الذي كان دوما يطرحه على نفسه وهو ''كيف الخروج من هذا الحال؟''. وأضاف الوزير أن التحاق المجاهد الراحل فرحات عباس بالثورة التحريرية كان بمثابة الضربة القاسية للدبلوماسية الفرنسية التي كانت تراهن على نخبة من المثقفين الجزائريين الذين تكونوا بمدارسها لفرض منطقها الاستعماري، فيما كان تعيينه على رأس أول حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية، بمثابة ''التقدير الجليل لهذا الرجل الذي وظف كل خبرته وحنكته السياسية في خدمة الثورة التحريرية، ثم بعد ذلك في مهمة إعادة بناء الدولة الجزائرية بعد الاستقلال''. ليخلص الوزير إلى انه مهما قيل عن هذا الرجل المجاهد فإنه يبقى يشكل وحده مرحلة من مراحل الثورة المجيدة على غرار باقي الرجال الذين صنعهم تاريخ الجزائر الخالد. من جهته تطرق الأستاذ بجامعة الجزائر الدكتور علي تابليت إلى مسيرة فرحات عباس الذي ولد في 24 أكتوبر 1899 بالطاهير بجيجل، وزاول دراساته إلى أن نال شهادة عليا في الصيدلة وفتح صيدلية بسطيف في ,1932 ''وذلك في وقت لم يكن في الجزائر حينها سوى 22 صيدليا و41 طبيبا و9 أطباء أسنان''، مشيرا إلى أن المجاهد الراحل كون نفسه بنفسه في المجال السياسي، حيث أسس تشكيلاته السياسية المعروفة وأصدر ثلاث صحف هي ''الوئام''، ''المساواة'' والجمهورية الجزائرية'' عكست التطور التدريجي لأفكاره ورؤاه حول القضية الوطنية، حيث أصبحت مطالبه أقوى وخاصة بعد انهزام فرنسا في الحرب العالمية الثانية. وأوضح الدكتور تابليت بأن أولى اتصالات فرحات عباس بقيادة جبهة التحرير الوطني جرت في سنة ,1955 ليلتحق إثرها بصفوف الثورة التحريرية، حيث أصبح ممثلا للجزائر في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي الأممالمتحدة وأوروبا إلى أن عين على رأس أول حكومة مؤقتة في 19 سبتمبر ,1958 ثم ترأس المجلس التأسيسي بعد استقلال الجزائر واستقال منه في 13 أوت ,1963 مذكرا في سياق متصل بأن المجاهد المرحوم الذي توفي في 25 أكتوبر ,1985 والذي تم حبسه بعد أن استقال من المجلس التأسيسي وذلك بسبب آرائه ومواقفه السياسية، ترك العديد من المؤلفات من بينها ''ليل الاستعمار''، ''الشاب الجزائري'' و''تشريح حرب''. بدوره أكد المجاهد وعضو الحكومة المؤقتة عبد الحميد مهري بأنه بالرغم من اختلافاته في الرؤى السياسية مع فرحات عباس إلا أن هذا الأخير وعلى غرار باقي قادة الحركة الوطنية كمصالي الحاج وبن يوسف بن خدة لهم مكانتهم في التاريخ ورمزيتهم يجب أن تنقل إلى الأجيال الصاعدة، مشيرا إلى أن المجاهد الراحل انخرط في الثورة التحريرية بإخلاص وعن قناعة، وكان حريصا على وحدة صف الثورة التحريرية ونجاحها. كما أوضح السيد مهري الذي كان وزيرا لشؤون شمال إفريقيا بأن العمل مع رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس، كشف له بعد ذلك تطور أفكار هذا الأخير، ولا سيما فيما يتعلق بموقفه من قدرة الدول العربية على دعم القضية الجزائرية. وخلص السيد مهري إلى أن تعيين لجنة التنسيق والتنفيذ لهذا الرجل على رأس الحكومة المؤقتة، يبرره الرأي المعتدل الذي يتحلى به هذا الأخير، والذي أكسب الثورة والقضية الجزائرية مزيدا من الدعم على المستوى الدولي، علاوة على كونه كان شديد الحرص على وحدة الصف لنجاح الثورة المظفرة. على صعيد آخر دعا السيد مهري لدى تطرقه إلى ظروف تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، إلى ضرورة تصحيح تاريخ إعادة بناء الدولة الجزائرية، اعتبارا من تاريخ تأسيس هذه الحكومة في 19 سبتمبر ,1958 بدلا من اعتماد تاريخ الاستقلال، موضحا بأن الخطأ الذي أدى إلى اعتماد هذا الأخير، مرده الأزمة التي حصلت في سنة 1962 . من جهته دعا المجاهد لمين خان إلى عدم نكران فضل الأشقاء العرب في نجاح الثورة الجزائرية، مؤكدا أن وطنية كل من مصالي الحاج وفرحات عباس لا تشوبها شائبة بالرغم من اختلافهما في الرؤى مع باقي تشكيلات الحركة الوطنية.وعرفت الندوة التي حضرتها عدة شخصيات سياسية وتاريخية على غرار الرئيس الأسبق علي كافي والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الأسبق بوعلام بن حمودة وعدد كبير من المجاهدين والمجاهدات، عرض شريط وثائقي أبرز ظروف تأسيس الحكومة المؤقتة ودورها في قيادة مفاوضات إيفيان التي انتهت بوقف إطلاق النار وإعلان استقلال الجزائر. وبالمناسبة أبرز الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السيد السعيد عبادو الذي افتتح أشغال الندوة أهمية الاستمرار في كتابة التاريخ الوطني الذي تعرض عبر العصور إلى حملات تزييف وتشويه، مؤكدا بأن هذا المسعى يفرض اعتماد المناهج العلمية الحديثة وتكييفها مع الواقع والمعطيات الوطنية.