يصل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد غدا الأربعاء إلى لبنان في زيارة تكتسي طابعا خاصا لحساسية الموقف اللبناني وأيضا بسبب العلاقات المتينة التي تربط هذه الدولة بحزب الله أحد أشرس تنظيمات المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي ولكن أيضا بسبب الموقف الغربي من إيران وشكوكها في كل تحرك تقوم به. وتخضع هذه الزيارة التي حملت صفة ''التاريخية'' كونها أول زيارة للرئيس نجاد إلى لبنان منذ انتخابه سنة 2005 لحالة من الترقب خاصة في الدول الغربية ساسة وإعلاميين لترصد ومعرفة كل تحرك أو تصريح يدلي به الرئيس الإيراني لقراءته وتأويل ما جاء فيه وفق الحسابات المضبوطة لكل طرف. ولكن الاهتمام سيكون أكبر في إسرائيل التي تبقى إيران العدو اللدود لها والذي ما انفك الرئيس نجاد يؤكد بشأنها بأن بلاده لن تتوانى في ردمها في البحر. وهي معطيات اجتمعت كلها لجعل هذه الزيارة تكتسي أهمية خاصة لعدة اعتبارات وحسابات إقليمية وداخلية بالنسبة للدولة اللبنانية أولا قبل تداعياتها الإقليمية. فإيران حليفة لسوريا وحليفة لحزب الله وشكل الثلاثة محورا تعتبره الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة أحد أهم معرقلي تنفيذ سياساتها في المنطقة العربية. وينتظر أن تكون هذه الزيارة الأولى للرئيس الإيراني إلى لبنان عادية من وجهة نظر رسمية بدليل لقاءاته المبرمجة مع الرئيس اللبناني ميشال سليمان ووزيره الأول سعد الحريري ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وما كان لها أن تحظى بهذا الاهتمام الزائد عندما خرجت عن هذا الإطار في نظر المتتبعين الغربيين لا لسبب إلا لكون الرئيس الإيراني وضع ضمن برنامج زيارته توجهه إلى مناطق الجنوب اللبناني المعقل الرئيس لعناصر المقاومة اللبنانية وحزب الله. وهو ما فتح الباب أمام كل التأويلات والحسابات الإقليمية والدولية خاصة وأن السياق الزمني لهذه الزيارة جاء وأزمة سياسية حادة داخلية بلغت تداعياتها إلى الجارة سوريا على خلفية التحقيقات والتسريبات الخاصة بعملية اغتيال الوزير الأول اللبناني السابق رفيق الحريري. وستكون الصورة التذكارية التي ستؤخذ للرئيس الإيراني رفقة حسن نصر الله أمين حزب الله في جنوب البلاد اللقطة الأبرز في هذه الزيارة وسيجد فيها المعلقون الغربيون والإسرائيليون مادة دسمة لوضع كل القراءات والاحتمالات لنتائج هذه الزيارة التي سوف لن تخرج عن تأكيد التغلغل الإيراني في عمق الوطن العربي ضمن ما أصبح في اللغة الإعلامية الغربية بالهلال الشيعي في المنطقة العربية. والمؤكد أن الرئيس الإيراني سيحظى باستقبال شعبي غير مسبوق بعد النداء الذي وجهه نصر الله إلى مؤيديه للخروج إلى الشارع لاستقبال ''الأخ'' نجاد الذي تعهد مباشرة بعد العدوان الإسرائيلي على مدن الجنوب اللبناني بإعادة بنائها. وإذا كان أنصار حزب الله سيستقبلونه بالترحاب الذي يليق ب''حليف استراتيجي'' فإن الأحزاب اللبنانية الموالية للحكومة رأت في زيارته بادرة لتصعيد الموقف الداخلي المتأجج أصلا في لبنان على خلفية حيثيات قضية اغتيال رفيق الحريري قبل خمس سنوات. وقد أعطت أحزاب المولاة في لبنان بعدا استراتيجيا لهذه الزيارة جعلت قياديين فيها يؤكدون أن إيران تمكنت من خلال هذه الزيارة وتوقف الرئيس نجاد في عدة محطات ميدانية في جنوب البلاد تأكيدا على دورها المحوري في المنطقة وأنها رقم لا يمكن القفز عليه في أية ترتيبات غربية هناك وما توقفه في جنوب لبنان إلا رسالة واضحة المعالم في هذا الشأن. وهو السياق الذي ربط فيه علي أكبر جافان فكر أحد مستشاري الرئيس نجاد عندما أكد أن هذه الزيارة التاريخية ستحدث تأثيرا، مؤكدا على معطيات الواقع الإقليمي وقد تم برمجتها ضمن الأبعاد الإستراتيجية للسياسة الخارجية الإيرانية. وهو المعطى الذي لا تريد إسرائيل ولا الولاياتالمتحدة وحتى الدول الإقليمية أن تسكت عليه لأنها تدرك مدى أهمية هذه الزيارة إن هي خرجت عن إطار زيارة دولة إلى دولة أخرى تربطهما علاقات دبلوماسية ومصالح اقتصادية وسياسية مشتركة.