بومزراق وراء فكرة إنشاء فريق جبهة التحرير الوطني وليس فدرالية فرنسا لا يزال محمد معوش، عضو فريق جبهة التحرير الوطني، يحتفظ بذاكرة قوية تسمح له بالحديث عن تفاصيل الملحمة الرياضية التي أنجزها زملاؤه أيام الثورة التحريرية، حيث اتصلت به ''المساء'' وطرحت عليه أسئلة تخص هروب اللاعبين الجزائريين من فرنسا سنة 1958 والتحاقهم بتونس... مرت 52 سنة على مغامرتكم الخالدة، ماذا تقولون عندما تعود بكم الذاكرة إلى الوراء؟ أشعر بكثير من الافتخار لأننا أدينا الواجب الوطني شأن ما فعله الشعب الجزائري، بل نحن مستعدون للقيام بتضحية أخرى من أجل الوطن. ما هي أصعب مراحل عاشها أعضاء فريق جبهة التحرير الوطني؟ الصعوبات التي عشناها لا تضاهي الآلام التي كان يمر بها الشعب الجزائري في الفترة الاستعمارية، كان الجميع في مواجهة عدو ظاهر وتنوعت وسائل الكفاح في تحقيق الانتصار. كيف كانت ظروف هروب زملائك من فرنسا للالتحاق بتونس؟ هروب المجموعة الأولى من اللاعبين كانت نوعا ما سهلة، لأن الشرطة الفرنسية لم تكن في البداية تعرف أي شيء عن نوايا اللاعبين المحترفين الجزائريين، لكن الأمور تعقدت بعد أن تناول الإعلام الفرنسي القضية، لأن المحترفين الجزائريين كانوا من أبرز اللاعبين في الأندية الفرنسية وأن غيابهم كان يشكل لا محالة تساؤل الجمهور الرياضي الفرنسي، حيث بدأت الشرطة الفرنسية تراقب تحركاتنا وكان لا بد علينا من تحضير الهربة الموالية في سرية تامة، بالنسبة لي، وقعت في قبضة الأمن الفرنسي بسبب سوء تفاهم غير مقصود وقع بيني وبين المجموعة من اللاعبين، حيث أن أمورا قاهرة جعلت زملائي يتأخرون عن الالتحاق بي بمحطة لوزان بسويسرا وكنت أجهل مصيرهم ولم يكن بوسعي التوجه الى إيطاليا بدونهم، حيث قضيت الليلة بعين المكان وعدت أدراجي في الصباح إلى فرنسا من أجل الاستفسار عن ما لحق بزملائي، فتم القبض علي بعد أن صدرت صورتي في صفحات الجرائد، وضعيني تعقدت لأني كنت في مرحلة تأدية الخدمة العسكرية وكنت مهددا بالمثول أمام المحكمة العسكرية، قضيت بعض الوقت في السجن وخرجت منه بعد تدخل حازم من مسيري نادي رانس الذي كنت ألعب ضمنه، شعرت بكثير من الحزن حتى أنني مرضت بسبب فشل التحاقي بتونس، وخشيت بشكل خاص من أن يفكر زملائي أنني تعمدت العودة إلى فرنسا، لكني لم أتلق أي لوم فيما بعد، واشتدت المراقبة علي، لكن تلقيت في 1959 اتصالا من المحامي الجزائري بن عبد الله الذي أمرني بإعادة الاتصال بمجموعة من اللاعبين للالتحاق بتونس، وكانت زوجتي تعمل لدى ذات المحامي ومناضلة في جبهة التحرير الوطني، حيث قمنا الإثنين بالاتصال باللاعبين الذين شكلوا آخر فوج التحق بتونس في 2 نوفمير 1960 وهم : الأخوان بوشاش حسين والشريف، عمارة السعيد، بوريشة، واليكان والمتحدث، مع العلم أنني اتصلت قبل إقلاعنا نحو تونس بكل من اللاعبين المحترفين جبايلي وماحي والمدرب قادر فيرود. بعد شهور من وصولنا إلى تونس، سجل فريق جبهة التحرير الوطني تدعيما آخر من اللاعبين : ستات، إبرير، حداد وشابري الذي هرب من السجن الذي كان يقبع فيه بالجزائر. على ذكر ستات، لم يظهر له أي أثر منذ الاستقلال؟ ستات يعيش حاليا بالمغرب، فهو من أب جزائري وأم مغربية وانقطع معه الاتصال منذ عدة سنوات، حاولت الاتصال به لما تنقلت إلى المغرب في الثمانينيات لكنه لم يأت الى الموعد الذي ضربته له.. أتذكر أن ستات كان إنسانا مهذبا وذا اخلاق كبيرة انصهر ضمن فريق جبهة التحرير الوطني بسهولة تامة، بعد الاستقلال أصبح مدربا وقاد المنتخب الوطني المغربي في الستينيات. لنرجع إلى الوراء، كيف جاءت فكرة إنشاء فريق جبهة التحرير الوطني؟ البعض يعتقد أن فدرالية فرنسا هي التي كانت وراء هذه الفكرة، بينما الحقيقية أن المرحوم بومزراق هو من تبلورت لديه الفكرة بعد رجوعه من مهرجان الرياضة العالمي الذي أقيم في فارصوفيا سنة 1957 وجسدها في الميدان، بومزراق لعب دورا أساسيا في الاتصال باللاعبين المحترفين، وكذا في تنظيم التحاقهم بتونس، فضلا عن أنه كان المدرب الأول للفريق. لنتحدث عن وضعيتكم الحالية، لاعبو فريق جبهة التحرير لم يعد لهم وجود في الميدان، فما هو السبب؟ كما تعرفون، لقد تقدمنا كثيرا في السن ولم يعد بمقدورنا النزول إلى الميدان من أجل العمل في الجانب الفني، وأكثر من ذلك تفادينا التدخل في شؤون الكرة الجزائرية التي خدمناها لسنوات طويلة وساهمنا بقسط كبير في تطويرها. وما هي أحوال لاعبي فريق جبهة التحرير الوطني اليوم؟ نحن بخير والحمد لله، ونشكر الدولة التي لم تتخل عنا. لا شك أنكم تتحسرون لما آل إليه مستوى هذه اللعبة في الجزائر؟ لا أريد العودة إلى الأسباب التي أدت إلى تراجع مستواها لأن الجميع يعرفها، لكن حان الوقت للنهوض بها وأظن أن الدولة تعمل جاهدة في هذا المجال وبينته بشكل واضح أثناء تصفيات كأس العالم الأخيرة، حيث دعمت الفريق الوطني بكل الوسائل الضرورية، بل وقفت معه خلال الظروف الصعبة التي لقيها أثناء تنقله إلى القاهرة والسودان. كيف ترى تطبيق الاحتراف في الجزائر؟ كان لا بد أن نصل إلى هذا الخيار الحتمي وأظن أن هناك إرادة سياسية لإنجاح هذا النوع من التسيير، لكن يتعين على السلطات العمومية مرافقة الأندية في الوصول الى الاحتراف الحقيقي من خلال دعمها ماديا وتوفير المنشآت الرياضية. ولا بد من أن تتغير الذهنيات ونستعين بمسيرين أكفاء لهم دراية كبيرة بعالم كرة القدم. ما هو تقييمكم لمشاركتنا في كأس العالم؟ كأس العالم لم تكن إيجابية لكرتنا، كنت أفضل أن يكون الفريق الوطني مشكلا من لاعبين محترفين ومحليين، وللأسف أن نفس الأخطاء تعود في هذا المجال، صحيح أننا مرتبطون بضرورة استدعاء اللاعبين المحترفين لكن لا بد من وضع الثقة في العناصر المحلية ولو أن عددها قليل جدا مقارنة بما كان عليه الحال في الثمانينيات حيث لعبت دورا كبيرا في تأهلنا الى كأس العالم ,82 وحتى اللاعبين المحترفين في تلك الفترة كانوا يتحلون بوطنية كبيرة، وأتذكر بشكل خاص مواقف دحلب ومنصوري عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الألوان الوطنية.