من المقرر أن يتم قبيل نهاية السنة الجارية القيام بخامس عملية زرع كبد بمركز بيار وماري كوري لمكافحة السرطان بالعاصمة، في الوقت الذي شهدت فيه السنة الماضية إجراء عملية زرع كبد واحدة، وبهذا يصل عدد الذين استفادوا من عملية زرع كبد منذ الشروع في مثل هذه العمليات قبيل 7 سنوات إلى 32 حالة بحسب ما كشفه البروفسور عبد العزيز غرابا رئيس مصلحة الجراحة بالمركز ورئيس اللجنة الوطنية لزرع الأعضاء. شهدت عملية زراعة الكبد في الجزائر تأخرا كبيرا بالنظر إلى المعدات الكبيرة والعتاد الطبي الجراحي اللازم توفره لإجرائها، ففي الوقت الذي بدأ فيه هذا النوع من العمليات في عام 1989 بالبرازيل بعد أن تبرعت أم بجزء من كبدها لولدها، فإن الجزائر لم تشهد إجراء مثل هذه العملية إلا في ,2003 ومن سنتها لم تسجل مصلحة الجراحة بمركز مكافحة السرطان بالعاصمة سوى 32 حالة زرع كبد، وتبقى إشكالية التبرع من الموتى تطرح في كل مناسبة طبية مماثلة، بحيث أن كل العمليات أجريت من متبرعين أحياء تربطهم علاقة قرابة مع المريض من الدرجة الأولى أو الثانية، وبالتفصيل فإن التبرعات من الأقرباء جاءت من 15 رجلا و17 امرأة يتراوح سنهم ما بين 18 و58 سنة، من الأقرباء من الدرجة الأولى هناك 9 أخوات، 8 بنات، 6 إخوة، 3 أبناء ومن والدين اثنين، أما المتبرعين الأقرباء من الدرجة الثانية فتم إحصاء تبرعين من حفيدين، وتبرع من خالة وتبرع آخر من ابن عم. وتتراوح مدة الاستشفاء بالنسبة للمتبرع بالكبد من 11 إلى 30 يوما يبقى خلالها تحت المراقبة الطبية، في حين أن المرضى يبقون في المستشفى لمدة تتراوح بين 18 و73 يوما مع المراقبة الطبية المتواصلة، إذ تظهر الملاحظات أن 16 حالة ما يعني 50 من حالات الزرع كانت لديهم تعقيدات في حالتهم الصحية بعد إجراء العملية، مع الإشارة الى وفاة اثنين من المستقبلين لكبد بعد 6 أشهر من إجراء عملية الزرع لهم ولا يعرف إن كان ذلك راجع لإجراء العملية أم لا. التبرع من الموتى.. ما يزال بعيد المنال وتحدث البروفسور غرابا في مداخلته أيضا عن إشكالية التبرع بالأعضاء من الموتى التي لم تجد بعد صداها في مجتمعنا بحيث أن المعضلة الأساسية التي تواجه زراعة الكبد في الجزائر هي عدم وجود المتبرعين وعدم وجود مبادرات للتبرع من الأشخاص الأحياء أو التبرع بأعضاء الأشخاص المتوفين وتقبل الأجسام للكبد المزروع، بحيث يجب على كل مريض يقصد مصلحة الجراحة لإجراء عملية زرع كبد أن يحضر معه متبرعا، وإلا فإن الموت في انتظاره! ولهذا فإنه ''لابد من مراجعة القوانين في هذا الصدد والأهم تقديم الدعم المالي لإجراء مثل هذه العمليات''، يقول البروفسور. وحذر المتحدث من السمنة التي تتسبب بالدهنيات على كبد الأشخاص مما يزيد من مخاطر التشمع مشيرا إلى أن نسبة نجاح عمليات زراعة الكبد تصل الى 75 مع الملاحظة أن أغلب المرضى إذا لم يجروا عمليات الزراعة قد يتعرضون للوفاة بينما حافظ جميع المتبرعين على صحة سليمة. وتستمر عملية الزراعة 327 دقيقة وهي نفس الفترة التي يبقى فيها الكبد قابلا للنقل من شخص لآخر، وتحتاج عملية التبرع من شخص إلى آخر تطابق زمرة الدم فقط وعادة ما يكون التبرع بين الأقارب، وبين الجراح بأنه يتم أخذ من 60 إلى 65 من كبد المتبرع لزراعته في جسم المريض كون الكبد من الأعضاء التي تنمو بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة. ونظرا لوجود نقص شديد لتغطية احتياج المرضى للأعضاء وطول قائمة الانتظار فإن مركز بيار وماري كوري لمكافحة السرطان يشجع تبرع الأحياء للمرضى سواء الأقارب أو غيرهم، إذ يمكن على سبيل المثال زرع جزء من كبد متبرع حي لمريض بفشل أو تليف الكبد أو حتى سرطان الكبد، حيث ينمو ما تبقى من كبد المتبرع بعد الجراحة ليعود إلى حجمه الطبيعي في خلال أسابيع بعد العملية، كما ينمو الجزء المتبرع به للمريض ليصل إلى الحجم الطبيعي في الجسم. مثل هذه العملية الجراحية المعقدة والحساسة تحتاج لتجنيد فريق طبي يتكون على الأقل من 35 عضوا من أطباء أخصائيين في الجراحة والتخدير والإنعاش وأعوان شبه الطبي، وتتطلب على الأقل 15 ساعة، يوضح البروفسور عثمان بن حديد رئيس مصلحة الجراحة العامة بمستشفى مصطفى الجامعي في حديث مع ''المساء'' ويشير إلى أن عمليات زرع الأعضاء في مجملها تحتاج للدعم المتواصل من الوزارة الوصية بالنظر إلى أن المعدات الطبية والعتاد اللازم لإجرائها باهظ الثمن وما ما يجعل عمليات الزرع هذه تكلف الخزينة العمومية ملايير الدينارات، كونها تجرى من متبرعين أحياء لأن التبرع من الموتى ما يزال يراوح مكانه منذ عدة سنوات، كون المجتمع الجزائري ما يزال غير واع بأهمية هذه الخطوة في إنقاذ أرواح بشرية. ولتفعيل هذا البرنامج ''لابد من خلق وكالة وطنية لزراعة الأعضاء يجند لها المجتمع برمته بتأطير من مؤسساته الفاعلة، والعمل أكثر في الجانب التحسيسي لإقناع المواطنين بفكرة التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، بل لابد أن تحمل بطاقة التعريف الوطنية لكل متبرع إشارة تدل على أنه متبرع بالأعضاء، تماما مثلما هو معمول به في البلدان المتقدمة''، يقول البروفسور بن حديد. يضاف لهذا كله نقاط يعتبرها محدث ''المساء'' أساسية تتمثل في معرفة الحاجة على المستوى الوطني فيما يخص زراعة الكبد بالتنسيق مع كل المستشفيات والقطاعات الاستشفائية المتخصصة في المجال وكذا وضع قائمة وطنية للمتبرعين الأحياء. وتكشف الأرقام أن زراعة الكلى تأتي في المرتبة الأولى، حيث تم إجراء ستة آلاف عملية، وحاليا هناك ألف حالة على قائمة الانتظار، وفي المرتبة الثانية زراعة القرنيات، حيث تم إجراء 80 حالة زرع خلال 2008 و,2009 أما في الترتيب الثالث تأتي زراعة الكبد التي يحتاج إليها 100مصاب في السنة، في حين لم تتم منها إلا 32 زراعة منذ سبع سنوات، لما تتطلبه هذه العملية من وسائل وعتاد ضخم ودقيق، أما زراعة خلايا الدم بالنسبة للمصابين بسرطان الدم، فقد تم إجراء 400 زراعة، تليها زراعة المعدة، التي يجري الطلب عليها سنويا بين 20 إلى 50 طلبا في الجزائر، متبوعة بالبنكرياس مطلوبة بين مئة إلى مائتي طلب، إلا أنها لم تجر مطلقا في بلادنا، ناهيك عن زراعة القلب التي تطلب سنويا بمعدل 50 حالة، إلا أن نقص المختصين في أمراض القلب وجراحة القلب يرهن وجودها عندنا. زراعة الكبد.. خيار علاجي فاعل للكثير من المرضى من جهته كان الدكتور ''كاستان'' من مستشفى ''بول بروس'' بفرنسا المشرف على التكوين الوطني 18 للجراحة في المؤتمر قد قدم في مداخلتيه نتائج دراسة حالات متقدمين في العمر اجريت لهم عمليات زراعة الكبد، مشيرا إلى أنه بإمكان الأطباء والمرضى عدم اعتبار التقدم في العمر حائلاً دون اللجوء إليها كخيار علاجي فاعل في إنقاذ حياة كثير من المرضى. والواقع أن الطب يعتمد اليوم بشكل أكبر على التقييم الوظيفي والحيوي للجسم قبل إجراء العمليات الجراحية من دون الاعتماد على مجرد أرقام تُمثل العمر الزمني الافتراضي لحياة الإنسان، خاصة مع تفاوت الناس اليوم في اهتمامهم بصحتهم وفي اتباع السلوكيات الصحية في نمط معيشتهم، بحيث كثيرا ما نجد أن بعضاً من المراهقين أو الشباب لا يأبهون به، في حين يهتم به بعناية شديدة بعضا من المتقدمين في العمر، كما لا يمكن إجراء عملية الزرع لأي كان وإنما للذين يمكنهم الحصول على الادوية الخاصة التي تقلل من رفض العضو المزروع وتناولها مدى الحياة.وشهدت فرنسا اجراء ما يقارب 1600 عملية زرع كبد ما بين 2000 و2009 منها 5 عمليات لأطفال أقل من 17 سنة. وعملية زراعة الكبد إحدى العمليات الكبيرة وفق التصنيف الجراحي لأنواع العمليات. وهي تتطلب أن يتناول المريض أدوية لخفض مناعة الجسم، لبقية حياته بعد إجرائها، لتجنب حصول حالة رفض الجسم للعضو المزروع. ويُساعد الكبد في مكافحة الجسم للميكروبات وتنظيف الدم من السموم وبقايا الأدوية وغيرها من المواد الكيميائية، كما أنه يُسهم في عملية الهضم وتخزين الطاقة من الأطعمة المتناولة. وهو أحد الأعضاء المهمة في الجسم، والتي لا يُمكن للمرء الحياة دون عمله بشكل كاف. ويلجأ الأطباء إلى زراعة الكبد كحل علاجي لفشله عن أداء وظائفه في حال عدم تمكن وسائل العلاج الأخرى من مساندته في تحقيق ذلك. ويُعتبر تليف أو تشمع الكبد أحد الاسباب الشائعة لإجراء زراعة كبد جديد للبالغين. في حين أن انسداد أوعية سائل المرارة في الكبد، أهمها في حال الأطفال المحتاجين إلى زراعة. اتباع التعليمات الطبية وقاية أساسية أشار الدكتور ''كاستان'' الى مسألة رفض الجسم للعضو المزروع، حينما تقوم أنظمة أجهزة مناعة الجسم الطبيعية بمهاجمة أنسجة وخلايا الكبد المزروع، ما يُؤدي إلى تلفه، وفشله بالتالي عن أداء ما هو مطلوب منه بعد عملية الزرع، وبما أن جهاز المناعة مُكلف بمهاجمة أي أنسجة أو أجسام غريبة تدخل إلى جسم الإنسان، فالكبد المزروع هنا يصبح دخيلا بالنسبة لجهاز المناعة وكأنه بكتيريا أو فيروسات أو غيرها، ولمنع الجسم وأجهزة مناعته من إتلاف هذا الكبد المزروع، فإن على الأطباء أن يعطوا مرضاهم آنذاك أدوية تحبط جهود جهاز المناعة. وهي أدوية مثبطة للمناعة ومُضعفة لها ومنها مثلا الستيرويد أو غيره، والتطورات التي يشهدها الطب من عام الى اخر تصب في جانب متابعة حالات زراعة الكبد وإنتاج أدوية فاعلة جداً من دون التسبب بآثار جانبية أو تفاعلات عكسية سيئة جداً على الجسم وبالتالي فشل عملية الزرع التي هي في الأصل معقدة جدا. ويجب أن يعلم المريض أنه عليه تناول أدويته بانتظام دون أي نوع من أنواع الإهمال، ومتابعة ذلك مع الأطباء، وتشمل علامات رفض الجسم للكبد المزروع ارتفاع نسبة أنزيمات الكبد عند تحليل الدم لها، أو الشعور بالغثيان أو الألم في منطقة زراعة الكبد أو ارتفاع حرارة الجسم أو ظهور حالة الصفار في بياض العينين وجلد الجسم.