عاشت الجزائر منذ بداية القرن الحالي ثورة تكنولوجية كبيرة، ميزها فتح قطاع الاتصالات اللاسلكية والذي سمح بتعميم استعمال تكنولوجيا الهاتف النقال، الذي أصبح الوسيلة الأكثر تداولا بين الأفراد بشكل وصل حد الإدمان لدى الملايين من الجزائريين، بالنظر الى المزايا العديدة التي توفرها هذه التكنولوجيا والتي بلغت حدودا خيالية، لكن مقابل هذا لا يجب إغفال الجوانب السلبية والتأكيد عليها بغية حماية المستهلك ومنه المجتمع ككل· سجل قطاع الهاتف النقال بالجزائر منذ 2003 قفزة هامة من حيث عدد المشتركين، الذي يشارف عتبة ال30 مليون مشترك، رقم يعكس مدى التطور التكنولوجي الحاصل بالجزائر، ويتداول هذا العدد الهائل من المشتركين جميع أشكال الاتصال سواء المباشر أو عبر ال"أس· أم· أس" أو ال"أم· أم· أس" والانترنت··· وكم كانت فرحة الجزائريين كبيرة بدخول هذه الوسيلة الحضارية الجديدة الى بيوتهم لتشكل جزءا من تعاملاتهم اليومية في جميع المجالات ودون استثناء، غير أنه وبمرور الوقت بدأت تتضح ملامح الاستعمالات السيئة لهذه الوسيلة، التي ورغم "براءتها" إلا أنها انحرفت في استعمالاتها عن دورها، لتستغل لأغراض ذات صلة بالانحراف والجريمة والنصب والاحتيال· وبالموازاة مع "الكوارث" الاجتماعية التي حلت بالعديد من الأسر نتيجة الاستعمال السلبي والشاذ لتكنولوجيا الاتصال الحديثة، بدأت تظهر أيضا تأثيرات استعمال الهاتف النقال على العادات والتقاليد المعروفة بالتواصل وصلة الرحم وتعزيز الروابط الأسرية، وجميع الصفات الحميدة التي صنعت الشخصية الجزائرية الذائع صيتها بين البلدان· وإن كنا لا ننكر فضل تكنولوجيا الهاتف النقال في صناعة الاتصال بين الأفراد والجماعات، وتسيير عديد القضايا المستعجلة والشؤون العملية للشركات وصناع القرار، من خلال الاتصال المباشر أو الرسائل القصيرة الى جانب الاستعمال السهل للأنترنت· النقال والتقارب الأسري كم صنعت عبارات ال"أس· أم· أس" الفرحة على وجوه العديد ممن تلقوها، لكنها كذلك صنعت تعاسة الآخرين أمثال الحاجة وردية التي لا تغنيها آلاف الرسائل عن رؤية وجه ابنها البكر (محمد)، الذي تقول عنه "كنت أظن أن زوجته أخذته مني لكن اتضح أن البورطابل أيضا فرق بيننا"··· وفهمنا من حسرة الحاجة وردية، أن إبنها محمد كان بعد زواجه نادرا ما يزورها، لكن سرعان ما اختفت زياراته وأصبح يكتفي بإسماعها صوته عبر الهاتف النقال وحتى عباراته مختصرة وسريعة ومربوطة بقيمة الرصيد أو "الكريدي"· دعوات وخطبات عبر ال"أس· أم· أس" لقد أصبح ال"أس· أم· أس" لعنة العائلات الجزائرية، بعد أن حل محل أبسط الأبجديات والبروتوكولات المعمول بها في دعوات الأعراس والحفلات، حيث أن الدعوات الموجهة عبر رسائل ال"أس· أم· أس" كثيرا ما تقلل من قيمة المدعو كما يشير إليه السيد "سليمان· م" الذي منع زوجته من حضور حفل زفاف أحد أقربائه بمجرد أنه تلقى الدعوة عبر الهاتف· مضيفا أنه على أصحاب العرس أن يكلفوا أنفسهم على الأقل عناء التنقل الى بيوت العائلات تماما كما كان معمولا به في السابق، حيث كان المدعو يستقبل بالسكر أو البيض كل حسب عاداته وتقاليده· وإن غابت أبجديات الدعوات لدى الكثير من العائلات فإنها كذلك بالنسبة لمراسيم الخطبة التي أصبحت تتم عبر الهاتف، لتغيب عن بيوتنا طقوس الأفراح التي أصبحت تتم في صمت بعيدا عن زغاريد النسوة وعيون الفضوليين· من جانب آخر، فإن أحزان ومآسي الناس كذلك لم تعد تثير شفقة أحد، حيث يكتفي الجزائري ببعث رسالة قصيرة عن طريق الهاتف أو يقدم تعازيه عبر برقية تضم بضع كلمات جوفاء وعديمة الإحساس·
ملايين الرسائل القصيرة بمناسبة العيد لم يعد لفرحة وعيد المسلمين معنى بعد أن استحوذت الرسائل القصيرة على أسلوب التهاني، حيث يكتفي الفرد منا بإرسال كلمات باستعمال تقنية ال"أس· أم· أس" ليبارك ويهنئ أحباءه وخلانه بالعيد (عيدي الفطر والأضحى)، بل وهناك من يرسل نفس العبارات والكلمات لعدة أشخاص في وقت واحد ليحل الخطاب الخطي محل الاتصال اللفظي· وحسب المعطيات والأرقام التي استقيناها لدى متعاملي الهاتف النقال في بلادنا، فإن معدل التداول بالرسائل الخطية أصبح الأكثر إقبالا ويصل ذروته خلال الأعياد والمناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى، المولد النبوي، عاشوراء···· حيث يصل الى حدود الثلاثة ملايين رسالة في كل مناسبة، فيما يتجاوز هذا الرقم حدود الستة ملايين رسالة خلال أعياد نهاية السنة وقد يتجاوز هذا العدد بكثير ويصل ذروته عند حدود العشرة ملايين رسالة بالنسبة للمتعامل الريادي، في حين يسجل العالم كله ما يقارب 32 مليار رسالة حسب دراسة بريطانية أجريت العام الماضي·