سوق النقال بالجزائر تستقطب الشباب الجزائري/ تصوير : علاء الدين.ب لا يختلف عاقلان على أن قرار الحكومة بإنهاء سيطرتها على قطاع الاتصالات بالجزائر سنة 2000 وتحريره أمام المتعاملين الخواص كان فاتحة خير على البلاد على أصعدة عديدة، فأصبح اقتناء شريحة النقال بسعر بسيط وأسهل من شراء البطاطا بعد أن كان يتطلب الحصول على خط تدخل سلسلة من أصحاب النفوذ وبسعر خيالي، وقفز عدد المشتركين إلى حوالي 27 مليون مشترك بعد أن كان لا يتجاوز 54 ألف في 2002.. * * * 190 ألف لدى المتعاملين الثلاثة و56 ألف في بيع الهواتف النقالة ومستلزماتها * * وانتعشت الخزينة العمومية بفضل عائدات القطاع التي بلغت4.1 ملايير دولار. وفوق هذا وذاك، فقد ساهم فتح قطاع الاتصالات في تخفيف شبح البطالة عن شبابنا الذي توظف منهم أكثر من 300 ألف في منصب شغل مباشر وغير مباشر، ما يناهز 70 بالمائة منهم جامعيون. * * * 2000... بداية الحكاية * بداية حكاية الاتصالات الجزائرية كانت في 5 أوت 2000 عندما أصدرت الحكومة الجزائرية قانونا يتضمن أجندة إصلاحات تهدف إلى تفعيل المنافسة في سوق الاتصالات وتنظيم القطاع عبر هيئة مستقلة، فكان من بين ما قامت به إنشاء سلطة الضبط والبريد والمواصلات السلكية والسلكية لتنظيم هذه المنافسة ومؤسسة الجزائر للاتصالات موبيل التي أصبحت »موبيليس«. * وفي ظل السياسة الجديدة الموجهة لتحرير القطاع، قررت الحكومة الجزائرية تقديم تراخيص خاصة للمستثمرين من جميع أنحاء العالم، فكان الترخيص الثاني للهاتف النقال من نصيب أوراسكوم تيليكوم الجزائر تحت علامة »جازي« في 11 جويلية 2001. ولما كانت سوق الاتصالات الجزائرية واعدة وفاتحة ذراعيها للمزيد من المتعاملين، أُعلن عن رخصة ثالثة كانت من حظ الشركة الكويتية »الوطنية للاتصالات« في 2 ديسمبر 2003 والتي بتفعيل نشاطها رسميا في جانفي 2004 عرفت الاتصالات في البلاد منعرجا حاسما نتيجة حدة التنافس، فانخفضت أسعار الشرائح وتسعيرة المكالمات بشكل كبير، وتسارعت وتيرة العروض الترويجية، وما كاد ينتهي عام 2005 حتى بيع 7 ملايين خط نقال، ليتضاعف العدد حوالي 3 مرات في 2007، حيث قفز عدد المشتركين لدى المتعاملين الثلاثة إلى أكثر من 20 مليون مشترك ثم إلى 29 مليون مشترك في 2008 قبل أن يستقر في حدود 27 مليون بعد عملية تنقيح الخطوط مجهولة الهوية. * * 300 ألف جزائري يشتغلون في قطاع الاتصالات * تشير إحصاءات إلى أن فتح قطاع الاتصالات سنة 2000 جنّد 45 ألف شخص ثم ارتفع إلى 120 ألف شخص في 2006 ليصل في الوقت الراهن إلى أكثر من 300 ألف شخص، أغلبهم لدى المتعاملين الثلاثة الذين لهم الفضل في توظيف الحصة الكبرى من مجموع اليد العاملة في هذا المجال، حيث وفرّ ثلاثتهم حوالي 190 ألف منصب شغل، منها 8900 منصب مباشر و172 ألف منصب غير مباشر. * وحسب آخر حصيلة للمركز الوطني للسجل التجاري، فهناك 22513 سجل تجاري في بيع الهواتف النقالة بالجملة والتجزئة، يشتغل من خلالها 56 ألف شخص في بيع الجوالات ولواحقها. * بالإضافة إلى مناصب شغل غير مدونة رسميا لدى المتعاملين الثلاثة ولدى الهيئات الرسمية والتي قدرتها مصادر مطلعة بحوالي 50 ألف شخص ينشطون في مجال الاتصالات بطريقة غير رسمية وغير مشروعة. * إن فتح قطاع الاتصالات بالجزائر جعل شبابنا يستبشر بها خيرا، خاصة الجامعيون والإطارات وذوو الشهادات العليا الذين وجدوا ضالتهم في العمل في إحداها وإفراغ طاقاتهم وإبراز قدراتهم العلمية والمعرفية في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية سواء في الجانب التقني أو الإداري أو التسييري، فكان مجمل نصيبهم من هذا التشغيل قرابة 70 بالمائة، علما أنهم يشكلون كجزائريين ما نسبته 95 إلى 99 بالمائة من إجمالي موظفي الشركات الثلاث. ونذكّر في هذا المقال باعتراف كل من المدير العام السابق لجازي، حسان قباني، والمدير العام الحالي لنجمة، جوزيف جاد، بوجود كفاءات محلية كبيرة كان لها الفضل في إنجاح مسار الشركتين ووصولهما إلى ما هما عليه الآن. * الشباب استبشروا خيرا أيضا بالتنافس على استقطاب الكفاءات والإطارات الذي أفرز زيادة معتبرة في قيمة الأجور، حيث يتراوح معدلها بين 30 ألف إلى 70 ألف دينار وقد يتجاوز حدود ال100 إلى 200 ألف دج بالنسبة إلى الإطارات الفاعلة، وهو ما يُعتبر دفعا كبيرا للطاقات الجزائرية ومكافأة لما تبذله من مجهودات. * ولا يفوتنا، في هذا المقام، أن نسرد تجربة الشابة مريم، التي تحصلت، خلال مدة زمنية متقاربة، على شهادتي ليسانس، واحدة في التسيير والثانية في الإعلام الآلي، لكن لما كانت الآفاق ضيقة في بداية هذه العشرية خاصة في مجالي تخصصها أجبرتها البطالة على المكوث بالبيت لفترة ليست بالقصيرة قبل أن يخبرها أحد أقاربها بوجود منصب لها في إحدى شركات النقال، ولما تقدمت للترشح قُبلت وهي الآن ضمن إطارات المؤسسة. * (ن)، شاب في الثلاثينات، تغيرت حياته بعد ان افتكّ منصب شغل في مؤسسة للاتصالات، حيث أصيب في بداية مشواره المهني بإحباط كبير وكآبة شديدة بعد أن وجد نفسه أسير الشوارع يتجول فيها ليل نهار دون أن يجد شغلا في مجال اختصاصه وهو الذي كان يُضرب به المثل في الذكاء والعبقرية في الحساب والرياضيات إلى حد أنه كاد يصاب بالجنون، »إلى أن اتصل بي أحد أساتذتي في الجامعة وأخبرني أن شركة نقال تبحث عن موظفين أكفاء في مصلحة المحاسبة. وما إن سمعت بالخبر حتى رُدّت لي روحي وأحسست بأمل ينتابني ويعيد لي شبابي، وأنا الآن إطار هام ومرتبي محترم جدا« يروي المتحدث. * * موبيليس... و«24 ألف شاب موظف بمصالحه» * * المتعامل الجزائري الأول في سوق النقال هو أول من فتح باب التوظيف الذي استقبل إلى حد اليوم ما يضاهي 3600 موظف مباشر وأكثر من 20 ألف غير مباشر من خلال أكشاك ونقاط البيع المعتمدة. * يشكل الجامعيون ما نسبته 70 بالمائة من مجمل الوظائف المباشرة، والذين يشغلون وظائف عليا 4 بالمائة، والعنصر النسوي 40 بالمائة. * وبالنظر إلى معدل سن الموظفين الذي يتراوح بين 25 إلى 30 سنة، يتبيّن أن المؤسسة شابة جدا وتعطي فرصة أكبر للشباب النشيط. * وعن استراتيجيتها في التوظيف، أكدت موبيليس أن هذا الأخير يكون، بحسب متطلبات السوق ومختلف إدارات المؤسسة، وبالنظر أيضا إلى التطور الذي تفرزه التكنولوجيات الحديثة. * * «جازي»... و«3700 موظف مباشر و100 ألف غير مباشر يعيش la vie» * أعطى ولوج فرع الشركة المصرية أوراسكوم تيليكوم إلى عالم الاتصالات في الجزائر، دفعا قويا لانطلاق التنافس مع المتعامل التاريخي على توظيف أحسن الكفاءات وفتح مناصب شغل جديدة؛ مناصب شغل وصل عددها حاليا إلى 3700 في شقها المباشر، بالإضافة إلى حوالي 100 ألف منصب غير مباشر تتوزع خصوصا في مراكز الخدمات التابعة للمتعامل والبالغ عددها 70 مركزا وكذا نقاط البيع التي تُعد بالآلاف. * وتقدر نسبة الجامعيين عند أوراسكوم تيليكوم الجزائر ب58 بالمائة، والنساء ب36 بالمائة. وفي إطار سياسة التشغيل التي تعتمدها منذ نشأتها، تحرص الشركة على تكوين الموظفين كل في إطار تخصصه، حيث تبلغ نسبة الموظفين الذين خضعوا للتكوين 70 بالمائة، أغلب هذه التكوينات تكون بالخارج. * وفي هذا الإطار، أكدت لنا مصادر من الشركة أن هناك العديد من الإطارات الجزائرية التي تعمل الآن في الخارج وبالضبط في فروع الشركة الأم في إطار سياسة التحويلات التكنولوجية. * * »نجمة«... تضيء حياة 1600 موظف مباشر و52 ألف غير مباشر * رغم أنها كانت المتعامل الثالث الذي دخل سوق الاتصالات الجزائرية بعد أن سيطر عليه جازي وأثر فيه موبيليس، فقد استطاعت نجمة أن تستدرك هذا التأخر وتفرض نفسها كمنافس قوي وعنيد وتفتك حصة من تلك السوق المقدرة حاليا ب22 بالمائة، يعني حوالي 5 ملايين مشترك، من خلال عروضها الترويجية التنافسية خاصة في مجال التكنولوجيات متعددة الوسائط الذي احتكرته بقوة. * كما أنها ساهمت في تحريك عجلة الاقتصاد الجزائري وإنعاش التشغيل بخلق 1600 منصب عمل مباشر، يشغل فيه الجامعيون حوالي 1400 منصب، أي بنسبة تناهز ال87 بالمائة. * معدل عمر هؤلاء الموظفين هو 30 سنة، مما يعني أنها شركة شابة، والعنصر النسوي حاضر بقوة حيث تشكل النساء نصف العدد الإجمالي، أي أن نجمة تضم حاليا 800 موظفة. * أما بالنسبة للوظائف غير المباشرة، فقد كان لنجمة الفضل في خلق 52 ألف منصب ترتكز خاصة على شبكة التوزيع، حيث تحصي 45 ألف شخص يعملون في نقاط البيع البالغ عددها 30 ألف و5 آلاف آخرين كتجار الجملة لمنتجات نجمة، بالإضافة إلى 155 شخص في الأكشاك وحوالي 400 آخرين لدى موزعي نجمة الرسميين. * * 56 ألف جزائري في بيع الهواتف النقالة ولواحقها * حسب آخر حصيلة أفادنا بها المركز الوطني للسجل التجاري، فإن الجزائر تحصي 1259 محل لبيع الهواتف النقالة ولواحقها بالجملة، 660 منها يملكها أشخاص ماديون و599 تملكها مؤسسات، بالإضافة إلى 21254 محل تجاري للهواتف النقالة بالتجزئة، 20485 يملكها أشخاص ماديون و769 تملكها مؤسسات. * وحسب الحصيلة ذاتها، فهناك 21145 محل تجاري يملكه أشخاص ماديون يشغّلون على الأقل شخصين في كل محل، و1368 سجل تملكه مؤسسات تشغل كمعدل أدنى 5 إلى 10 أشخاص. * وبحساب بسيط، نجد أن مجال بيع الهواتف النقالة ولواحقها في الجزائر يشغل أكثر من 56 ألف شخص، ناهيك عن مئات الشباب الذي يبيع الجوالات واكسسواراتها بطريقة غير شرعية. * * 6.4 ملايير دولار قيمة استثمارات الاتصالات في الجزائر * بالنظر إلى التحول الكبير الذي يشهده قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في ظل الاستثمارات المحلية والأجنبية الضخمة، والتي تم توجيهها نحو تشييد البنية التحتية للاتصالات، فإن سوق الاتصالات في الجزائر يقدر حاليا بنحو 6.4 ملايير دولار أمريكي، بحسب آخر تقرير أعده بيت الاستثمار العالمي »جلوبل« في ديسمبر الفارط. * وهو الرقم الذي تفصله مساهمات المتعاملين الثلاثة على النحو التالي: موبيليس بنحو 2.1 مليار دولار، وجازي 3 ملايير دولار، ونجمة 1.3 مليار دولار. * وفي السياق ذاته، تتوقع مجموعة المرشدين العرب أن تتجاوز عائدات اتصالات الهاتف الجوال في الجزائر 4.7 ملايير دولار عام 2011 مقارنة بحوالي 4.1 ملايير دولار عام 2007. * ويساهم هذا القطاع في إنعاش كبير للاقتصاد الجزائري بفضل ما يضخه في الخزينة العمومية تحت بند الضرائب التي قدرت في 2008 بأكثر من 1411 مليار سنتيم، وتقدر حصة موبيليس ب5 ملايير دينار، أي 500 مليار سنتيم، وحصة جازي ب6.11 ملايير دينار، أي 611 مليار سنتيم، أما نجمة فتزود الخزينة العمومية ب3 ملايير دينار، أي 300 مليار سنتيم. * هذا ناهيك عما يدفعه الجزائريون مقابل شرائهم للهواتف النقالة، حيث كشفت إحصاءات للجمارك الجزائرية بأن واردات الجزائر من الهواتف النقالة قفزت من 623 ألف و507 جهاز هاتف نقال سنة 2003 بتكلفة 98 مليون دولار، أي ما يعادل 70 مليار سنتيم، إلى 3.5 ملايير نقال سنة 2007 كلفت الجزائر بالعملة الصعبة أكثر من 167 مليون دولار أمريكي، أي أكثر من 1300 مليار سنتيم دفعها الجزائريون لاقتناء أجهزة الهاتف النقال، مقابل 163 مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 1223 مليار سنتيم قيمة فاتورة استيراد هذه الأجهزة في 2008.