أكد المجاهد والمؤرخ الدكتور جمال قنان في شهادة أدلى بها مساء أول أمس بقصر »رؤساء البحر« بمناسبة احياء الذكرى السادسة والخمسين لاندلاع ثورة التحرير المباركة أن الشهيد سعيد عبد الحي الذي أسندت له مهمة إقامة قاعدة لجيش التحرير الوطني بتونس وهو الرجل الذي لم تقدر قيمته خصوصا وأن الذين واكبوا المرحلة معظمهم عند ربهم »وشهادتي« هي نفض غبار على مسار رجل التحق بصفوف جيش التحرير منذ الأيام الأولى وأقام قاعدة بتونس. قال الدكتور جمال قنان في محاضرته التي جاءت تحت عنوان »شهادات حول الثورة التحريرية« التي ألقاها في إطار النشاطات الثقافية لمركز »الفنون والثقافة« بقصر رؤساء البحر« وفي الجمعية الوطنية الثقافية »محمد الأمين العمودي« أنه مع بداية شهر جوان 1955 وفد سعيد عبد الحي الى تونس من أجل تنفيذ مهمة انشاء قاعدة لجيش التحرير الوطني وأن الظروف حينها كانت ظروف احتلال بالنسبة لتونس، والاستقلال الذاتي الذي يبقى تحت وصاية الإحتلال لمدة عشرين سنة فرضت على الشهيد سعيد عبد الحي أن تكون تحركاته سرية، حيث النشاطات كانت تتم بسرية مطلقة لتأطير الجالية الجزائرية لنصرة الثورة. وقال الدكتور قنان اختيار تونس لانشاء قاعدة لجيش التحرير الوطني لشراء السلاح هو انها (تونس) كانت ظهيرا استراتيجيا للثورة ومن خلفها المشرق العربي. ويضيف قنان أن بعض الناس يكتبون بأن رجال الثورة غير مثقفين وهذا كلام لايستحق الوقوف عنده لأن بيان أول نوفمبر بين وبشكل عميق الوعي عند هذه النخبة، فكانت المهمة الأولى تعبئة الجالية الجزائريةبتونس التي كانت كبيرة جدا خصوصا في منطقة المناجم، أما الثانية فهو تجنيد الشباب الجزائري الراغب في الإلتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني وتتمثل الثالثة - يضيف المجاهد جمال قنان- في اقتناء السلاح عن طريق الشراء وعن طريق استقدام الأسلحة من ليبيا حيث كان موضوع التسليح موضوعا مقلقا ولهذا تم التفكير في انشاء قاعدة للجيش لتسهيل المهمة، كما أن هناك سببا آخر وهو التصدي لأي محاولة او مخطط يهدف للمساس بالثورة أو النيل من وحدتها، كما أن هناك يقول قنان »مهمة تندرج في اطار خلق علاقات تعاون متضامن مع تونس وبالأخص الحزب الدستوري الحر وأمينه العام السيد صالح بن يوسف، فهذه هي المهام التي تم تكليفنا بها لإنشاء القاعدة وكانت تتم بسرية مطلقة«. كما استعرض السيد قنان ظروف تواجده في عمق هذه الاحداث حيث أشار أنه كان طالبا في قسنطينة سنة 1955 وعمل على الاتصال بجيش التحرير إلا أنه لم يجد سبيلا لذلك، رغم بحثه عن المجاهدين، ثم انتقل الى تونس وعن طريق الصدفة التقى في أحد المطاعم بأخ جزائري سأله عن الجزائر وعندما علم أنه جزائري أخبره عن ضالته فعرفه بالأخ عبد الحي وحينها كان لا يتم قبول أحد في صفوف الثورة إلا إذا قام بعملية فدائية، ويضيف السيد قنان أنه قام بعملية وقد تمت بنجاح. ويؤكد الأستاذ قنان أن تعبئة الجالية الجزائرية التي كان لها دور في الحركة الوطنية، كانت من خلال هيئة تسمى بالودادية الوطنية بتونس فيها بعض العناصر منهم محمد بن عبد القادر، مسعود مقراني وكانا يعرفان أين تتواجد الجالية الجزائرية. كما كان هناك طبيب جزائري صاحب عيادة كان يساعد جبهة التحرير وهو الدكتور زواوي وكان يداوي الجرحى الجزائريين وكان من الاطباء الذين عالجوا بعض الجرحى في معركة »الجرف« كما كان هناك صيدلي وهو السيد أحمد بلويز يقوم من جهته بتوفير الدواء، وكان التجنيد- يضيف السيد قنان- يتم عن طريق جمعية الطلبة الزيتونيين الجزائريين وبتوجيهات من السيد عبد الحي رحمه الله، وقد تم تجنيد الطلبة ابتداء من أول أكتوبر 1955 وتم ارسالهم الى المشرق للتدريب العسكري، كما تم انشاء كتيبة لإدخال الأسلحة ودورية من 150 مجاهدا وتم شراء الأسلحة ألمانية وإيطالية، كما اقمنا علاقة مع القوى الوطنية التونسية. ويضيف الدكتور قنان أن سعيد عبد الحي أكمل مهمته على أحسن وجه وقد قامت معارك في تونس في ربيع 1956 وتم ايقاف عبد الحي وعباس لغرور، وفي معركة »الجرف« قاد كمينا قتل فيه 233 عسكريا فرنسيا أعلنت عنهم اذاعة لندن. واعترف المحاضر أن هناك تطورات حدثت لا يعرف تفاصيلها كاغتيال عبد الحي وعلي شكيري الذي كان ممثلا لحركة الانتصار في العراق وفي سنة 1956 دخل الى تونس وأصبح كاتبا لعبد الحي وكانت هناك وثائق مع عبد الحي تم الاستيلاء عليها وربما سلمت الى الفرنسيين وأدعو من موقعي هذا لاسترجاع هذه الوثائق. كما ألقى الأستاذ محمد مهري محاضرة تحت عنوان »خصائص الثورة التحريرية« استعرض خلالها الأسباب التي أدت الى فشل الثورات السابقة والمقاومات كالأمير والمقراني والشيخ الحداد وبوعمامة، ثم استعرض سبب نجاح ثورة أول نوفمبر الخالدة وذكر الدوافع التي ساعدت على التحرير والعناصر الأساسية التي كانت عماد ثورة أول نوفمبر المظفرة.