جرت أمس في مصر الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي تبقى شكلية في ظل ضمان الحزب الوطني الحاكم فرض سيطرته على البرلمان الجديد. ووجد الحزب الوطني الحاكم الذي يقوده الرئيس حسني مبارك في مواجهة نفسه بعدما خاض الدور الثاني من هذه الانتخابات وحيدا بسبب سحاب أحزاب المعارضة المشاركة في هذه الانتخابات احتجاجا على عمليات التزوير الواسعة والخروقات التي شهدها الدور الأول بداية الأسبوع الماضي والتي صبت كلها في صالح الحزب الحاكم. وكان حزب الوفد وجماعة الإخوان قررا الانسحاب بصفة نهائية من الجولة الثانية لانتخابات مجلس الشعب احتجاجا على ''التزوير الواسع'' إلا أن اللجنة العليا للانتخابات قررت إدراج أسماء مرشحي الحزبين في قوائم المرشحين. وفاز الحزب الوطني الحاكم خلال الدور الأول ب95 بالمئة من المقاعد التي كانت محل المنافسة بحصوله على 209 مقاعد في انتظار حصده لباقي المقاعد المتبقية ليفرض بذلك سيطرته المطلقة على البرلمان الجديد قبل أقل من عام من إجراء الانتخابات الرئاسية. وهو ما جعل قانونيين يحذرون من فقدان البرلمان الجديد شرعيته الدستورية خاصة في ظل انسحاب المعارضة وصدور أحكام قضائية ببطلان الانتخابات في الكثير من الدوائر. وكانت المحكمة الإدارية العليا أصدرت أول أمس قرارا بتأييد بطلان الانتخابات في جميع الدوائر التي صدرت فيها أحكام بالبطلان وعددها أكثر من 30 دائرة انتخابية. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم أنه يخوض انتخابات الإعادة ''بنفس قوة الدفع ونفس التصميم والجدية'' متطلعا إلى مشاركة أكبر للناخبين واصلت قيادات القوى المنسحبة تأييدها لقرار الانسحاب مؤكدة أن ''شرعية المجلس القادم باطلة''. وفي هذا السياق ذكرت جريدة الوفد في استفتاء لأحزاب المعارضة أن القرار ''رد فعل طبيعي لمهزلة التزوير'' وأكدت على ضرورة ''أن تعاد الانتخابات برقابة دولية لتحسين صورة مصر أمام العالم''. كما اعتبرت عدة منظمات حقوقية انسحاب المعارضة سيتسبب في''أزمة تشريعية'' و''مأزق'' سياسي للحزب الحاكم محذرة من ''بطلان'' المجلس المقبل وعدم دستوريته. ويكون هذا الإشكال هو الذي دفع بالوزير الأول أحمد نظيف إلى القول أنه كان يفضل أن لا ينسحب مرشحو حزب الوفد الليبرالي من المنافسة حتى تكون كل أطياف الشعب المصري ممثلة في البرلمان الجديد. ولكن نظيف لم يشر إلى المعارضة الإسلامية التي يقودها الإخوان المسلمون الذين خاضوا الدور الأول بمرشحين مستقلين. وفي محاولة لإقناع الجميع بأن البرلمان الجديد شرعي ذهب وزير الزراعة أمين عباسة إلى الحديث عن معارضة داخل الحزب الحاكم نفسه. ولأنه لا ينتظر أن يحمل الدور الثاني من هذه الانتخابات أي جديد يذكر في ظل استمرار سيطرة الحزب الحاكم فإنه تميز بمشاركة ضعيفة بحيث لوحظت قلة فقط من الناخبين تتوجه إلى مكاتب الاقتراع. وكان ملاحظون مصريون مستقلون أكدوا أن نسبة المشاركة خلال الدور الأول تراوحت ما بين 15 و20 بالمئة في تأكيد على فقد الناخب المصري ثقته في سير عملية الاقتراع بسبب الخروقات التي صاحبت إجراءها من تزوير وشراء للأصوات وحتى استخدام القوة من قبل رجال الأمن لمنع المراقبين وممثلي المرشحين من مراقبة سير العملية. وتظاهر عشرات الناشطين والمرشحين المنسحبين في وسط القاهرة احتجاجا على حالات الانتهاكات والتزوير التي رافقت الجولة الأولى من الانتخابات. وعلى الرغم من انسحاب قوى المعارضة الرئيسية حذر المراقبون من جولة عنف دام في الانتخابات بسبب اشتداد الصراع بين المرشحين الذين يخوضون الإعادة تحت راية الحزب الوطني الحاكم. وقد نشرت السلطات الأمنية منذ صباح أمس المئات من السيارات المصفحة وناقلات الشرطة لتأمين جولة الإعادة، وتركزت هذه التعزيزات الأمنية خاصة في الدوائر التي تحكمها العصبيات القبلية.