بدأت أنامل عمي محمد باكدي تعانق الخشب وسنه لم يتجاوز 16 سنة، حيث تعامل مع كل أنواع الخشب، وصنع منها مختلف الأثاث المنزلي إلى أن تقاعد عند سن 61 سنة، ولأن مهنة الخشب أبت أن تفارقه فقد قرر أن يحول هذه المهنة الى حرفة يشغل بها وقت فراغه بعد تقاعده فكانت الطبيعة خير ملهم له إذ كان يستغل ما تلقي به الطبيعة من جذور أشجار وأخشاب عديمة الفائدة ويحولها الى تحف فنية لكل واحدة منها حكاية. حدثنا عمي محمد باكدي القاطن بولاية بومرداس والذي التقته ''المساء'' مؤخرا بالصالون الوطني الأول للدمى، حيث عرض مجموعة من التحف الفنية الفريدة من نوعها والتي استغل الزوار وجودها لالتقاط الصور أمامها على اعتبار انها لم تعرض للبيع وإنما للفرجة والتأمل، وعن هذه الحرفة قال ''ربما لشدة ارتباطي بالخشب كان يسيرا علي صنع مثل هذه التحف، وقد اخترت لها اسما خاصا بحكم أني أمارسها لملء الفراغ (وهو حراس الطبيعة)، إذ أقوم بتحويل ما تطرحه الطبيعة من أخشاب وجذور أشجار عديمة الفائدة إلى عمل فني يروي حكاية معينة للناظر إليها''، وأضاف ''لا أختار الوقت ولا المكان لأقوم بإعداد هذه الحرفة، وإنما أبدأ عملي عندما أجد قطعة الخشب التي يكون البحر قد ألقى بها على الشاطئ، كوني من محبي التجول على شاطئ دلس أو عندما أجد بعض جذور الأشجار التي توحي لي بمجرد النظر إليها بأنه يمكن لها أن تتحول إلى شيء ذي فائدة، وينتابني شعور عند النظر إليها أني أستطيع أن استنطقها وأعرف حكايتها من خلال الشكل الخارجي لها، والذي أقوم بنحته ليتحول إلى شكل يشبه بعض الحيوانات وأشكال أخرى متنوعة، مثل الأشجار أو المنازل أو مناظر طبيعية، فلا يخفى عليكم أن حجم القطعة الخشبية وشكلها الأولي يلعبان دورا كبيرا في تحديد ملامح الشيء المراد نحته''. ولكل عمل فني أو تحفة ينجزها عمي باكدي حكاية، إذ يقول إن بعض هذه الحكايات يستلهمها من الشكل عندما ينتهي منه، وبعضها يعتقد أنه يستنطقها من الجذع أو قطع الخشب التي طرحتها الطبيعة. هي مجموعة من القصص والحكم التي رواها لنا السيد باكدي عن كل قطعة فنية كانت معروضة، حيث قال ''هي حكايات أعتقد أنها تتطابق مع الشكل الذي قمت بإعداده، ولكني اترك المجال مفتوحا لكل شخص يتفرج على هذه الأعمال اذ قد يفهمها الناظر بصورة أخرى ويلبسها حكاية أخرى، ولعل هذا هو السر في أعمالي، إذ أنها تمنح للمتفرج القدرة على محاكاتها والتمعن فيها''. ولعل ذلك هو السبب الذي جعل هذا الحرفي المبدع يرفض بيع هذه الأعمال الفنية التي يجد فيها متعة كبيرة إذ أضاف قائلا ''لشدة ارتباطي بهذه الأعمال كونت متحفي الخاص بداخل منزلي، وجعلت أبوابه مفتوحة لكل من يرغب في الجلوس للحظات مع نفسه للتأمل ولكل متذوق لهذا الفن''. واستطرد في الحديث معلقا ''لا أستطيع أن أقوم بصناعة تحفتين متشابهتين، لأني اعتبر ان لكل تحفة حالتها الخاصة وحكايتها التي تميزها عن غيرها، لذا تأتي هذه القطع مختلفة عن بعضها البعض وفريدة من نوعها ولا يجد المتفرج عليها أي قطعة تشابه الأخرى''. من جهة أخرى أسر لنا عن بعض أسرار هذه الحرفة لمن أراد أن يتقنها قائلا ''هي حرفة تحب ان يمارسها شخص مبدع لديه الكثير من الصبر والخيال الفني والحسي، بحيث يرتبط ارتباطا عاطفيا بما تعده أنامله، وينبغي ايضا ان يكون محبا للطبيعة حتى يتمكن من استغلال ما تمنحه من بقايا يعتقد الكثير من الناس أنها عديمة الفائدة''