ارتبطت قاعة متحف السينما (السيمناتيك)، لسنوات طويلة بمجد السينما الجزائرية، حيث شتهدت زخما في العروض ومر بها مشاهير الفن السابع من الجزائر والعالم، إلا أن القاعة بقيت متواضعة ومحرومة من تجديد هياكلها، إلى أن استفادت من عملية ترميم وإعادة هيكلة واسعة أعادتها لشكلها المشرف للجمهور. ظلّت القاعة التي تتوسط شارع العربي بن مهيدي، مغلوقة لفترة طويلة، حرمت الجمهور من العروض السينمائية وكل ما يدور في فلك الفن السابع لغاية إعادة الترميم، وتم الإفتتاح بتاريخ 21 ديسمبر الماضي بعرض فيلم رشيد بوشارب »الخارجون عن القانون«. الافتتاح حضرته السيدة خليدة تومي، التي أشرف قطاعها على عملية الترميم والتجهيز وكذا العديد من الشخصيات الفنية السينمائية، خاصة من جيل القدامى الذين ابتهجوا لهذه العودة التي ستكون انطلاقة أخرى نحو دفع النشاط السينمائي عندنا، وبالتالي فتحت بالمناسبة نقاشات موسعة عن الصناعة السينمائية وآفاق تطويرها. في اليوم الموالي من الافتتاح، باشرت القاعة في عرض فيلم »خارجون عن القانون« للجمهور بمعدل حصتين يوميا (الواحدة ظهرا والرابعة زوالا)، علما أن الإقبال كان معتبرا وعادت معه تقاليد القاعة مع الجمهور، فكثيرا ما يتوقف المارة للسؤال عن البرنامج السينمائي، بعدما حرموا من هذه القاعة لفترة طويلة. وبالمناسبة، التقت »المساء« بالسيد شابي سفيان المسؤول عن القاعات والنشاط بالسينماتيك، الذي أشار إلى أن برنامجا خاصا سينطلق ابتداء من 15 جانفي لم تحدد بعد فترة دوامه، سيخصص لعرض الأفلام السينمائية الجزائرية منذ الاستقلال وحتى الآن، والتي غالبا ما يطلبها الجمهور على الرغم من مشاهدتها عدة مرات كما يؤكد السيد شابي أن السينماتيك هي في المقام الأول متحف للسينما، وملزمة بإعادة بث هذا التراث الفني، إذ أن الأولوية تبقى في بعث هذه الأفلام وليس التفكير في جني الأرباح أو الجري وراء متطلبات السوق، فالسينماتيك ليست قاعة سينما عادية. إضافة إلى العروض السينمائية المختلفة، برمج السينماتيك سلسلة من المحاضرات واللقاءات والندوات، التي غالبا ما يحضرها الجمهور العادي وكانت الإنطلاقة منذ أيام باستضافة مخرجي فيلم »قزاتروف«، حيث قدما محاضرة قيمة تحدثا فيها عن ظروف إنتاج الفيلم هذا الأخير الذي تم عرضه بالمناسبة. السينماتيك التي شهدت ترميما كليا وتجهيزا بأحدث التجهيزات البصرية والسمعية، تضم قاعة صغيرة تتسع ل 40 مقعدا وقاعة كبرى ب 241 مقعدا، هذه الأخيرة التي تحتضن عروض مختلف الأفلام، أما الصغرى فتخصص للمحاضرات والعروض السينمائية الخاصة وكذا لنشاط نادي السينما. كما أكد السيد شابي أن السينما لا تزال بخير في الجزائر، والجمهور عندنا لا يزال متعطشا لها، حيث أن هذا الأخير لا يقتصر على سكان الجزائر الوسطى، بل يأتي من مختلف المناطق وأحيانا من بعض الولايات (خاصة المجاورة). يبقى هدف السينماتيك حسب ما وضّحه المتحدث، هو إرجاع الجمهور إلى قاعات السينما والعمل على تميز السينماتيك في الجانب البيداغوجي عوض التجاري، وكذا التعريف بالافلام (خاصة القديمة منها) وبتاريخ السينما في الجزائر وفي العالم. للإشارة، يضم السينماتيك أيضا معرضا دائما يشمل ملصقات الأفلام القديمة، وكذا آلات التصوير والتسجيل والبث، وصورا فوتوغرافية لوجوه سينمائية جزائرية. كما تأخذ الملصقات حيزا كبيرا من المعرض ابتداء من المدخل، حيث علقت ملصقة بلاستيكية ضخمة لفيلم معركة الجزائر الشهير، والجوائز التي تحصل عليها في المحافل السينمائية الدولية، كما تتوالى الملصقات لأشهر الأفلام منها »دورية نحو الشرق« لعمار العسكري، »العرق الأسود« لسيد علي مازيف، »امرأة لابني« لنور الدين بوتلة، »ليلي وأخواتها« لمازيف، »تحيا ياديدو« لمحمد زينات، »الفحام« لمحمد عماري وغيرها من الملصقات التي تعود معظمها إلى الفترة الذهبية للسينما الجزائرية، مع إبراز الجانب الفني لتصميمها، الذي بدا راقيا ومعبرا تماما عن موضوع الفيلم. عرضت أيضا الآلات القديمة منها آلة عرض الأفلام (8 ملم - سيلما)، وأخرى ب 16 ملم، وباكورة أفلام ب 16 ملم، وآلات عرض سينمائي محمولة ب 16 ملم وغيرها من الأجهزة الكثيرة التي استعانت بها السينما الجزائرية في عصرها الذهبي، خاصة في سنوات الستينيات والسبعينيات. تم أيضا عرض صور فوتوغرافية لبعض الفنانين والسينمائيين الكبار، منها صورة للراحل جمال شندولي مع المخرج بيار كليمون، وبورتريه للصغير رضوان، وهو الطفل الذي شارك في فيلم »تحيا يا ديدو«، وصورة ل »روني فوتييي«، يحمل كاميرته أثناء الثورة التحريرية، وصورة للفنانة الكبيرة فطومة أوصليحة ولعماري وحيد المختص في موسيقى الأفلام وغيرها من الصور. أثناء جولتها بالسينماتيك، وقفت »المساء« على أهم الترميمات خاصة بالقاعة الكبرى التي جهزت بأحدث الوسائل سواء الكراسي (أرائك)، أو أجهزة البث والصوت والأرضية والستائر لتكتسي حلة حمراء جذابة. إضافة إلى القاعة الصغرى التي جددت تماما ليصبح ديكورها راقيا، وفخما وتزينها هي الأخرى لوحات إشهارية ضخمة لأبرز الأفلام الجزائرية، منها »أبواب الصمت« لعمار العسكري، و»الطاحونة« لأحمد راشدي، و»رجل ونوافذ« لمرزاق علواش. بالمناسبة، أكد السيد سفيان شابي أن الطاقم الفني والإداري للسينماتيك سيسهران على حماية هذا المكتسب الثقافي الهام.