كشف مدير المركز الجزائري للسينماتوغرافيا (سينيماتيك) السيد أحمد بن كاملة، أنّ وزارة الثقافة تستعد لإنجاز مشروع "مدينة السينما" الذي سيكون بضواحي العاصمة.. مؤكّدا في تصريح خصّ به "المساء"، أنّ قرار إنشاء المشروع والدراسة الخاصة به والميزانية التي سيكلفها جاهزة. بن كاملة أكّد أنّ مشروع "مدينة السينما" سيحلّ كلّ مشاكل القطاع، بضمّه للعديد من الفضاءات بما فيها استوديوهات للإنتاج والتصوير، مخابر التحميض، وورشات التكوين، بالإضافة إلى فضاءات إدارية لتسيير القطاع، وكذا مقر المركز الجزائري للسينماتوغرافيا (سينيماتيك) والمركز الوطني للسينما.. موضّحا أنّ القاعدة الأساسية للعمل جاهزة وتمّ اختيار موقع انجاز المشروع والميزانية المخصّصة له. وأوضح بن كاملة أنّ أوّل ما سعى إلى تحقيقه فور تعيينه على رأس المركز الجزائري للسينماتوغرافيا قبل أشهر، هو الاهتمام بالأرشيف نظرا للأهمية القصوى التي يمثّلها والحالة المزرية التي كان عليها، باعتبار أنّ المهمة الأساسية للمركز والسبب الرئيسي لوجوده، هي الحفاظ على هذا التراث وحمايته. مشيرا في سياق متصل، إلى أنّ الجهات التي كانت مسؤولة عن متحف السينما في السابق سعت إلى جمع التراث الفيلمي، لكنّها لم تبذل جهدا لتوفير الشروط الضرورية للحفاظ عليه، وأكّد أنّه ليس بصدد محاكمة أي كان، لأنّ ما حدث كان نتاج واقع فرضته ظروف وأحداث ميّزت فترات مختلفة من تاريخ السينما الجزائرية.. لكن اليوم يقول مدير سينيماتيك الجزائر تغيّر الوضع لوجود وعي بضرورة إصلاح الوضع ورغبة في انقاد التراث الفيلمي الذي يمثّل جزءا من تاريخ هذه الأمة، ومن ثمّة، يقول بن كاملة، حصلت "السينيماتيك" على موافقة وزارة الثقافة للحصول على موقعين جديدين يتم فيهما جمع شتات التراث الفيلمي الموزّع عبر عدّة مقرات على غرار مقر باب الوادي، الجزائر الوسط (قرب ولاية الجزائر)، البليدة، بجاية، مقر "ديبوسي"، وهذان الموقعان يقول بن كاملة هما فضاء موجود ب6 شارع العربي بن مهيدي والذي كان في الأصل ملكا للمركز الجزائري للفن والصناعة السينماتوغرافية "الكاييك" وكان يستعمله لتخزين الأفلام المستوردة، وبعد حل هذه الهيئة مع نهاية التسعينيات أغلق المقر وظل مجمّدا، أمّا الموقع الثاني فيوجد بمقر المكتبة الوطنية سابقا ب"فرانس فانون" حيث سيتمّ تخصيص مساحة 200 متر مربّع لصالح السينماتيك تجمع فيها الأفلام. موضّحا في سياق متصل أنّ هذين الموقعين يحتاجان إلى بعض الترميم والإصلاح وكذا التجهيز بالتقنيات الضرورية التي توفّر الشروط الأساسية لحماية الأفلام قبل أن تنقل إليها، وذلك كحلّ مؤقّت - يقول المتحدث - في انتظار أن يكتمل المشروع الضخم الخاص بمدينة السينما، والتي ستشتمل على مخازن خاصة ومجهّزة لتخزين وحماية الأفلام. وسيصاحب نقل هذا الأرشيف إلى مقره الجديد - يقول بن كاملة - عملية جرد وإحصاء كلّ الأعمال بتحديد (اسم الفيلم، اسم المخرج، سنة الإنتاج، البلد وموضوع الفيلم) وذلك بطريقة الكترونية يتم في وقت لاحق إدراجها ضمن موقع خاص بالمركز يتم انجازه فور الانتهاء من العملية، مشيرا في هذا الإطار، إلى أنّه سعى فور توليه زمام أمور بالمركز إلى إجراء إحصاء لمجمل ما يضمّه المتحف من عناوين "الشيء الذي لم يتم منذ الاستقلال". مشيرا إلى أنّ "متحف السينما" يضمّ ما يقدّر بأكثر من 10 آلاف فيلم بين أفلام طويلة، قصيرة ووثائقية، جزائرية وأجنبية، بداية بمقر "ديبوسي" الذي يشكّل أكبر المواقع ويضم بين 5 آلاف إلى 6 آلاف فيلم. موضّحا أنّ المسؤولين عن المتحف في السابق وجدوا أنفسهم مجبرين على إيجاد حلول مستعجلة من أجل تخزين التراث الفيلمي الذي ضمّ أفلام جزائرية وأجنبية فاختاروا موقع "ديبوسي" الذي كان كافيا في البداية لكن مع مرور الوقت وتضاعف عدد الأفلام أضحى هذا الموقع الذي يتربع على 300 متر مربّع غير كاف، فاستدعت الضرورة إيجاد مواقع أخرى، وبالتالي وجد موقع باب الوادي الذي يضمّ حوالي ألفي عنوان، ثمّ الموقع الواقع قرب الولاية الذي يضم 1500 فيلما، ثم البليدة الذي يشتمل من 3 آلاف إلى 3500 فيلم. وفي سؤال عما إذا خضعت هذه الأفلام التي ظلّت مهملة لسنوات طويلة في المواقع المذكورة دون أدنى حماية لمعاينة من طرف المختصين من أجل تحديد مدى تلفها قبل نقلها إلى المقرات الجديد لتتمكّن من ترميمها قبل تصنيفها، أشار بن كاملة إلى أنّ هذا الأمر يحتاج إلى مختصين في هذا النوع من الترميم الشيء الذي تفتقر إليه الجزائر. مشيرا إلى أنّ المركز بشكل عام يعاني من نقص الموارد البشرية. مضيفا بالمقابل أنّه من الحلول التي يراها مناسبة من أجل حلّ هذه المشكلة، دعوة أساتذة مختصين في هذا المجال لتكوين طلبة بالتعاون مع معهد برج الكيفان، وهذا سينهي مشكلة نقص الاختصاص في هذا المجال. إلى جانب الاهتمام بالأرشيف، تسعى "السينماتيك" حسب مديرها، إلى توسيع حظيرة قاعاتها التي تبلغ اليوم 17 قاعة في مختلف ولايات الوطن، منها ما استحدث ومنها ما رمّم، وفي مقدمة هذه القاعات قاعة "سينماتيك" العاصمة، وفي هذا الإطار أشار المتحدث إلى أنّه بادر باتّخاذ قرار غلق القاعة مباشرة بعد توليه مهامه ومعاينته للوضع الذي كانت عليه من أجل ترميمها وإعادة تأهيلها، وهو ما بدأ فعليا منذ مارس الفارط وقد تمّ الانتهاء من الدراسة ودفتر الشروط الذي ينتظر الموافقة عليه من أجل الانطلاق في العملية. وقد سمحت الفرصة ل"المساء" بالاطلاع على مخطّط المشروع والوجه الذي ستكون عليه القاعة بعد انتهاء الأشغال بها والذي يقوم أساسا على إعادة ترميم وتجهيز القاعة بشكل كلي لقاعة العرض التي ستشهد تجديدا كليا، وكذا مدخل القاعة، كما سيتم التخلي عن قاعة العرض الصغيرة الموجودة في الطابق العلوي وتحويلها إلى فضاء مفتوح يستغل في تنظيم معارض فنية أو تنشيط ندوات صحفية... وهذا ما سيخرج القاعة من طابع العروض الكلاسيكية. أمّا بالنسبة للقاعات الموزّعة عبر مختلف ولايات الوطن - يقول المتحدث - فقد تمّ الانتهاء من تهيئة قاعة سيدي بلعباس التي أعيد بناؤها وتجهيزها بشكل كلي وانطلقت في مهامها منذ شهر ماي الفارط، وقاعة قسنطينة التي انتهت بها أعمال الترميم وتنتظر التجهيز، وفتحت قاعة عنابة للجمهور في بداية سبتمبر الجاري بعد انتهاء الأشغال بها.. أما قاعة بجاية هي الأخرى فسيتم ترميمها وإعادة تجهيزها كليا لتكون جاهزة مع نهاية 2009، بينما لا تزال قاعتا سعيدة وبشار تحت الترميم، وهناك قاعات أخرى رمّمت أو في مرحلة الترميم والتجهيز على غرار قاعات وهران، تيارت، مستغانم، باتنة، بسكرة، خنشلة، البيض، سطيف وتيزي وزو، بالإضافة إلى تبسة ومعسكر التي ستنتهي بهما الأشغال قريبا. وفي هذا الإطار، أشار بن كاملة إلى أنّ أهمّ مشكل يقف في وجه إعادة تأهيل وترميم هذه القاعات، هي ملكيتها.. مشيرا إلى أنّ أغلب هذه القاعات تابعة للبلديات والوزارة لا تستطيع أن تبدأ الأشغال بها إذا لم تبادر البلديات بمنح هذه القاعات إلى الوزارة بشكل نهائي وليس مجرد وضعها تحت إشرافها ومن ثمّ بإمكانها استرجاعها متى أرادت، كما هو الحال بالنسبة لقاعة البليدة. مشيرا إلى أنّ العديد من البلديات تملك قاعات سينما لكنّها تفضّل الإبقاء عليها مغلقة أو تغيير نشاطها، في الوقت الذي يضطر فيه المخرجون إلى توقيع اتفاقيات مع دور الثقافة و"السينماتيك" لعرض أفلامهم، في حين أنّ هذا ليس من مهامهم باعتبارهم ليسوا مؤسسات تجارية لذلك فإنّ الأعمال تعرض مجانا أو بأسعار رمزية (50 دج بالنسبة لقاعات السينماتيك)، ويبقى الهدف المستقبلي هو إنشاء قاعة "سينيماتيك" في كلّ ولاية لكن هذا يحتاج إلى تعاون من طرف البلديات. أمّا بالنسبة لتنشيط وبرمجة العروض، فقد أكّد بن كاملة أنّه يسعى إلى اعتماد مقياس محدّد لعرض الأفلام سواء على أساس المدارس السينمائية أو اسم مخرج معين أو على أساس الموضوع وليس بطريقة عشوائية، وذلك من أجل المساهمة في تكوين ثقافة سينمائية لدى المشاهد على غرار ما كانت عليه "السينماتيك" في الماضي، حيث كانت تعدّ المدرسة التي تخرّج منها العديد من المخرجين الذين يشكّلون اليوم أعمدة السينما الجزائرية. إلى جانب الأرشيف الفيلمي، تضمّ "السينيماتيك" أرشيفا سينمائيا مكتوبا وإيكونوغرافيا هاما جدّا، يضم 843 كتابا، 242 سيناريوها، و 542 كتالوغا وكراسة، 46 ملفا صحفيا، إلى جانب المجلات السينمائية المتخصّصة التي تعدّ بالآلاف والملصقات وصور الأفلام... مشيرا إلى أنّ هذه الإحصاءات تبقى أولية لأنّ عملية الجرد ما تزال متواصلة. يذكر أنّ المركز الجزائري للسينماتوغرافيا "كاك" المعروف ب"السينيماتيك" أو "متحف السينما"، كان يعدّ من بين أهم متاحف السينما على المستوى العربي والإفريقي، يملك رصيدا ضخما من الأفلام العربية الإفريقية والأجنبية، بالإضافة إلى الأفلام الجزائرية التي تمثّل نسبة 10 فقط مما يضمّه المتحف، واستقطب اهتمام العديد من المخرجين العالميين وشهد حضورهم وعرض أفلامهم وقد تداول على رأسه العديد من الأسماء كأحمد حسين، بوجمعة كاريش، حسان الحاج، ليبقى لسنوات طويلة دون مدير قبل أن يتم تعيين أحمد بن كاملة على رأسه قبل أشهر فقط.