أدى الفشل المعلن لجهود الوساطة القطرية- التركية لحل الأزمة اللبنانية إلى ازدياد درجة الاحتقان السياسي بين فرقائها بعد أن تشدد كل فريق في مواقفه الرافضة للآخر وسط مؤشرات حقيقية للدفع بهذا البلد باتجاه الغد الغامض.ولم يخرج الوضع السياسي العام في لبنان من دائرة سوداوية الأفق بعد أن تمسكت الأغلبية النيابية بسعد الحريري كمرشح لقيادة الحكومة القادمة وإصرار فريق المعارضة على رفضه. ولم تكن تصريحات الحريري بحقه في قيادة الجهاز التنفيذي القادم إلا نذيرا بقبضة جديدة مع حزب الله وأحزاب المعارضة الأخرى التي تسعى بكل الوسائل إلى منعه من مواصلة قيادة السفينة اللبنانية وطالبت من فريق 14 آذار أن يختار شخصية أخرى من غيره للاضطلاع بهذه المهمة. وكان لهذه القبضة اثر مباشر على مساعي الدوحة وأنقرة من اجل البحث على أرضية توافقية بين أضداد هذه الأزمة التي تخفت حينا ولكنها لا تلبث أن تتوهج أحيانا أخرى. ويبدو أن فشل المبادرة القطرية-التركية راجع بالأساس إلى توقيتها الذي تزامن مع تزايد الجدل السياسي في لبنان حول إقرار الاتهام الذي أصدرته المحكمة الدولية المكلفة بكشف خيوط حقيقة عملية اغتيال الوزير الأول اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وفي وقت أصر حزب الله القوة الفاعلة في جناح المعارضة على رفض نتائج هذا التحقيق وإصرار قوى الأغلبية على التمسك به إلى بمبرر إحقاق الحقيقة في هذه الأزمة. ولم يخل هذا الموقف من قراءات وانتقادات دفعت ببعض المتتبعين إلى القول أما كان لسعد الحريري نجل الوزير الأول المغتال أن يغمض عينيه على عملية الاغتيال وذريعة إحقاق الحق ليس رغبة في عدم الكشف عن الحقيقة ولكن من اجل تجنيب لبنان أفظع من أثار تلك العملية وتبعات الحرب الأهلية اللبنانية مازالت في الأذهان. ويبدو من خلال آخر التطورات أن كل سبل التسوية قد سدت وفتحت بدلا عنه باب الفتنة على مصراعيه. والخروج منها لن يكون بالسهولة التي دخلتها. ولم يكن قرار السلطات اللبنانية الأخير بإخراج الجيش إلى شوارع بيروت ومنع التلاميذ من الالتحاق بمدارسهم إلا دليلا على درجة انسداد الأفق السياسي وسيره المتسارع باتجاه المجهول بعد أن افتقد الفرقاء للحكمة التي يجب أن تطغى على وضع أصبح مقلقا حد الخطورة. وبلغت درجة الخوف أن سكان بيروت فزعوا لرسائل نصية على هواتفهم المحمولة تدعوهم إلى مغادرتها فرارا قبل الجحيم القادم.ولكن ماذا لو انحاز الزعيم الدرزي ورئيس الحزب الاشتراكي التقدمي وليد جنبلاط الورقة الباقية لحل المعادلة اللبنانية إلى جانب تيار المعارضة وهو الذي كان يرجح الكفة لصالح جناح الأغلبية قبل انفراط عقد الحكومة السابقة؟. سؤال يطرح خاصة وان الحزب الاشتراكي التقدمي الذي يحوز على 11 مقعدا نيابيا بإمكانه في حال حدوث هذه الفرضية فقط أن يكون مفتاح الحل لأزمة كانت تبدو مستعصية وميله باتجاه حزب الله يعني أن هذا الأخير سيكون باستطاعته تعيين شخصية سنية لقيادة الحكومة الجديدة وهو الطرح الذي لم يستبعده مقربون من زعيمه حسن نصر الله وقالوا انه يريد الاستثمار في شخصية سنية تحظى بالإجماع من اجل تشكيل الحكومة اللبنانية القادمة. ويريد نصر الله من وراء ذلك سحب البساط من تحت الأغلبية الحالية وأيضا من تحقيق المحكمة الدولية في خيار مفروض سوف لن يكون الخوض في سياقه سهلا بل انه سيدخل لبنان أيضا في متاهة التعامل الدولي مع حكومة بقيادة سنية ولكن بتأثير شيعي وبحزب تدرجه الدول الغربية في قائمة التنظيمات الإرهابية.