انزاح الكابوس المرعب الذي جثم على نفوس اللبنانيين طيلة اسبوعين كاملين امس بعد ان تمكن فرقاء الازمة اللبنانية من تغليب منطق التعقل على حساباتهم الساسية وتوصلوا بفضلها الى اتفاق انهى فتيل ازمة سياسية كادت تنزلق باتجاه حرب أهلية.فبعد ستة ايام من مفاوضات عسيرة ومضنية تمكن وفد الوساطة العربية برئاسة رئيس الوزراء القطري من قطع خطوة يمكن وصفها ب "العملاقة" على طريق انهاء الازمة السياسية اللبنانية بعد ان تمكن من اقناع اطرافها بضرورة القفز على خلافاتهم الضيقة وجعل المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار . وبصبر وأناة وحنكة دبلوماسية ايضا تخللتها اتصالات في الكواليس واخرى في العلن اقتنع الفرقاء بحتمية التوصل الى صيغة توافقية لانهاء الازمة بينهم بعد ان تمكنوا من الاتفاق على صيغة لانتخاب قائد الجيش اللبناني العميد ميشال سليمان رئيسا للبلاد ووضع حد لحالة الفراغ السياسي الذي عاشه لبنان منذ بداية شهر نوفمبر الاخير تاريخ انتهاء عهدة الرئيس ايميل لحود. ولكن التقدير يعود ايضا الى اطراف الازمة انفسهم الذين تمكنوا رغم حدة خلافاتهم والتي بدت وكأنها مستعصية الحل في بداية الازمة من القفز على هوتها ورأب الصدع بينهم وبعد ان اقتنعوا ان لا مخرج من متاهة الاقتتال الاخوي الا بحوار جدي ولا شيئ غيره. وقالت مصادر بالعاصمة القطرية ان جلسة البرلمان لانتخاب رئيس جديد للبلاد ستكون يوم الاحد القادم ليقطع اللبنانيون بذلك اهم خطوة باتجاه ايجاد مخرج سلمي للازمة السياسية التي كادت طيلة عام ونصف من الاحتقان والاختمار ان تتحول الى حرب اهلية مدمرة على بلد لم يتمكن بعد من محو الآثار المدمرة التي خلفتها الحرب الاهلية الاخيرة (1975 -1988). وحتى وان كان الاتفاق مبدئيا ولم يحسم في كل القضايا الخلافية بين الطرفين المتصارعين الا انه يعد طفرة على طريق التسوية النهائية وبما يعيد لبنان الى الحياة الدستورية الطبيعية من خلال مؤسسات شرعية تحظى بموافقة كل اطراف وتركيبة المجتمع اللبناني بطوائفه واقلياته الدينية والمذهبية. وقد وضع اتفاق الدوحة الاساس لتشكيل حكومة وحدة وطنية تأخذ بمطلب الموالاة بالحصول على الاغلبية ب 16 حقيبة وزارية من اصل 30 حقيبة بينما تحصل المعارضة على الثلث المعرقل الذي اصرت عليه منذ بداية الازمة واعترضت عليه احزاب الموالاة. بالاضافة الى اتفاق اخر حول قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر الانتخابية والذي شكل الى غاية اول امس اهم عقبة على طريق انهاء الاحتقان السياسي بعد ان تمسك كل طرف بمواقفه رافضا التراجع عنها حتى وصل الامر الى طريق مسدود وادى الى انفجار الوضع. وكان لابد من سقوط قتلى وعودة مظاهر الحرب الاهلية ومخاطرها الى الساحة اللبنانية ليدرك الفرقاء اللبنانيون ان لعبة الشد والجذب التي دخلوا فيها منذ قرابة العامين ومنطق المغالبة ومعادلة الرابح والخاسر سوف لن تؤدي الا الى كارثة محتومة يكون الرابح فيها خاسرا وحينها يصعب على أي طرف حسم الصراع لصالحه ويكون الشعب اللبناني هو الذي سيدفع الثمن غاليا لحسابات ضيفة. وقد ادرك اللبنانيون بمختلف شرائحهم واطيافهم ومذاهبهم هذه الحقيقة ولخصوا موقفهم في مظاهرات شعبية تزامنا مع انطلاق جلسات الحوار الوطني بالعاصمة القطرية باتجاه ساستهم سيبقى راسخا في الذاكرة الجماعية اللبنانية "اذا لم تتفقوا فلا تعودوا الينا" في رسالة حملت الكثير من درجة الوعي لدى عامة اللبنانيين وكذا ضجرهم من استمرار الوضع على تلك الحالة. م/ مرشدي