جمال طبيعة الجزائر ليس محل شك من الصديق والعدو، فطالما نظم الشعراء قصائد عنها وعبرّ الكاتب عن هذا الحسن الخلاب في أعمالهم الروائية والقصصية، ولم يتوان الفنانون التشكيليون في اتباع نفس السيرة فرسموا الجزائر بمناظرها الطبيعة وأزقتها وموانئها وسكانها أيضا، مثلما عليه الأمر بالنسبة لفارس حمانة الذي اختار العاصمة وبالضبط ساحلها لكي يجسد روعة المنطقة بريشته الساحرة. وفي هذا السياق، نظم فارس حمانة معرضا تشكيليا في رواق فندق الجزائر تختتم فعالياته غدا، ويضم خمسة عشر لوحة عن مناطق من العاصمة يجمعها قاسم واحد هو البحر الذي قال عنه فارس أنه عبارة عن كنز حقيقي يجذب إليه الجميع بزرقته البهية وهدوئه الذي يريح البال وينسي الهموم ولو إلى حين. ويضيف محدثنا أنه يفضل رسم البحر الهادئ ولا يبتغي رسمه في حال هيجانه وثوارنه، لأنه لا يحب العنف ولا الكوابيس النهارية منها والليلية، أما اليّم الساكن فهو الذي يبعث الارتياح في النفوس والطمأنينة في القلوب. واختار فارس المدرسة الواقعية للتعبير عن حسه الفني، ويقول في ذلك: ''أهدف من خلال هذا الفن الى جذب الجمهور بجميع أطيافه وبمختلف مستوياته التعليمية، وهذا لا يحدث إذا اعتمدت على الأسلوب التجريدي الذي لا يحبذه ويفهمه الكثيرون، بالإضافة الى عشقي للفن الواقعي الذي بواسطته اعبر بشكل أفضل وأدق عن كل الجمال الذي يحيط بي''. وعن انجذابه للجمال، تحدث فارس وقال أن رسم الجمال لمتعة حقيقة، وبالاخص ذلك المتعلق بالمناطق التي عاش فيها وكبر في أحضانها مثل ''لابوانت وبوفريزي والقبة، فرسم لوحات عديدة عن الكورنيش بكل دقة، وفي هذا السياق يقول ''أحب رسم التفاصيل في كل موضوع اختاره فالتفاصيل بالنسبة لي مهمة جدا، إذ أننا نعيش من خلالها ونرحل عبرها إلى عوالم عديدة''. ورسم فارس الكورنيش بكل تفاصيله من بحر وصخور ومنازل متناثرة هنا وهناك، علاوة على الاخضرار الذي يلوّن هذه الطبيعة الساحرة، فأعطى لهذا المنظر مسحة من الحياة، تجعلك تتخيل أنه واقع أمامك، بل يبتلعك إليه وبرضاك التام.ورسم الفنان أيضا منطقة بوفريزي ببصمته الخاصة، حيث رسمها كما هي في مخيّلته أكثر مما هي في الواقع، إذ حذف العيد من المنازل التي تشوّه المكان ورسم في مكانها اخضرار الطبيعة. أما حديقة التجارب بالحامة فقد نالت هي أيضا نصيبها من التعديل فجاءت في حلة أجمل مما عليه في الحقيقة. ولم يتوان الفنان في رسم معالم من التراث الجزائري، فرسم القصبة بشكل بهيّ، وكذا واجهة من قصر الداي الذي يقع في مستشفى لمين دباغين (مايو) بباب الوادي. بالمقابل، رسم الفنان الواجهة التي يطل منها القصر ''المسكون'' والذي يقع في منطقة الطاحونتين (لا بوانت)، والشرفة التي تقع في ''سان رفايال'' (الأبيار) وتطل على العاصمة كلها، بالإضافة الى منطقة ''لو فيفيي'' التي تقع ببولوغين مسقط رأسه، وكذا ميناء العاصمة. وجاءت رسومات فارس تنبض بالحياة، فكأن البحر تحرّكه رياح خفيفة والحشائش مبللة بقطرات الندى والسحب منتشرة في سماء زرقاء صافية، أما عن المنازل فمتناثرة فوق أراض خضراء، عنوان آخر لطبيعة غناء وإثبات إضافي لجمال بلدنا الجزائر. للإشارة، فارس حمانة من مواليد 1959 ببجاية، درس ثلاث سنوات بمدرسة الفنون الجميلة، تحصل على شهادة التخرج من جمعية الفنون الجميلة بغرمول العاصمة، وحاليا يدرّس بهذه الجمعية، شارك في العديد من المعارض الجماعية، كما سيعمل قريبا على مشروع تنظيم معرض حول تراث تلمسان بمناسبة احتضان الجزائر لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة .2011