الشعر يعود ليملأ رئة الصحراء ليس بخنساء باكية، بل ببلبلة شادية اسمها آمنة حامدي، الكثير ممن يهتمون بالشعر جسوا فيها هذا النبض المتميز الذي يخفق بالشعر ويشكل الرمل تشكيلا لغويا ناغما تتنفسه الكثبان وتتراقص على إيقاعاته قامات النخيل، صدرت المجموعة الشعرية الأولى لآمنة حامدي تحت عنوان »تفاصيل وجدي« عن مقامات للنشر والتوزيع والإشهار. ميلاد شاعرة تجيد الشعر وتتدفقه رقراقا حارا يفجر المكنونات بصفاء وانسياب، المجموعة الشعرية وصفها الدكتور علي ملاحي في دراسة جاءت في صدر المجموعة تحت عنوان »اكتشاف شعري« قائلا : »تجربة متوثبة الموهبة، في أدائها الشعري. ذكية في تعاملها مع اللغة ومع الإيقاع العروضي، وفي رؤيتها وحتى في نسجها للصورة الشعرية وصياغتها للجملة الشعرية، وهي رغم طراوة عودها وحداثة سنها، وقصر تجربتها، إلا أنها استطاعت - وتلك حكمة - أن تدخل حقل الشعر بأدوات كفؤة كاملة متكاملة، وبعيدا عن المبالغة نرى فيها اكتشافا شعريا ينبئ عن نبوغ كامن في أنوثة خلاف المألوف، من دون جعجعة ولا مساحيق لفظية أو دلالية.. زائدة«. ويضيف الدكتور علي ملاحي في ختام دراسته لنصوص آمنة حامدي الشعرية قوله: ».. أجدني في غاية الانبساط لأنني اكتشفت في أدرار شاعرة على درجة من التفوق... أدهشتني حين استمعت إليها بدار الثقافة بأدرار«. أما مدير دار الثقافة السيد ينينة عبد الكريم فقد سطر في هذه المجموعة نصا قائلا عن الشاعرة آمنة حامدي : » بكل فخر واعتزاز تتقدم دار الثقافة بأدرار بنشر إبداع وأشعار واحدة من مبدعات الولاية، محققة بذلك إبراز موهبة من مواهب أدرار إلى الوجود الأدبي وتشجيعها على الاستمرار في العطاء والانخراط ضمن الحظيرة الأدبية الوطنية«. الشعر فيض وجداننا، ندلى بدلائنا إلى أعماقنا لنخرج منها المشاعر والأحاسيس بكل ألوانها وعطورها وعذوبتها وعذاباتها، هو الشعر هكذا بلون قلوبنا وبصداحاتها يشكلنا كلمات يفزعها الصمت فتطير كالعصافير تنقط الفضاءات المفتوحة وترشها ماء وضوءا. البداية هي التكوين، بل الرباط السري بيننا وبين أمنا الأرض، بل ذاك الوطن الذي تبنانا في الغيب ووهبنا أبوته وشكلنا بقاماته التاريخية والجغرافية وجعلنا في قائمة جرد ممتلكاته كما هي جباله وصحاريه ووديانه وسهوله، فالوطن عند آمنة موطن أبطال أعطوه الدم والعرق إضاءة، ثم الوطن هو الجمال الذي نطارده بخيول مخيلاتنا السريعة لعلنا نلمس سرا من أسراره ولونا من ألوانه، ففي قصيدة تتألف من21 بيتا تكتب آمنة الوطن تحت عنوان »درة البلدان« ومما جاء فيها : '' أيا موطنا تبدي وترفع عزة معالمه المثلى كذاك قوافله شغفنا به حبا ونشدو بحبه وتغمرنا خيراته وفضائله ويا منبعا للحب والسلم والصفا تفيض على الورّاد منك جداوله« إلى أن تقول في آخر بيت من هذه القصيدة: » ستحيا بلادي حرة وأبية ويبقى الندى حيا وإن مات فاعله« في هذه القصيدة نلمس تحويمات بشار وحكم المتنبي من متانة وقوة اللغة وخصب الخيال. القصيدة الثانية تنسجها آمنة في »ذكرى الرسول« صلى الله عليه وسلم واخترنا منها هذه الأبيات : » دار الزمان فدرنا حول أنفسنا لا تعجبن فلن يفنى لنا العجب دار الزمان ولا تعجب له فلقد ولّى وفيه تساوى الصدق والكذب أن الرسول سمت في الكون دعوته جهرا وتنسخ من أقواله الخطب والله ما افتقدت أجيالنا رجلا مثل الرسول ولم يخلد أخ وأب« آمنة شاعرة متمكنة وحين نقرأ لها وكأننا نقرأ لها وكأننا نقرأ شاعرا ضرب في الشعر طولا وعرضا، كتبت للأم، للحب، للأحلام، للبعد، للوطن، لمكنونات النفس ومنابع المشاعر حيث تصب الروح. وفي قصيدة ''همس الخوف'' تقول أمنة: » قال الذي ضم أحلام الهوى شغفا لا تحزني إن جفاك الخل وانصرفا لا تحزني إن غدا في الذكر سابقة أورام ظلمك بالهجران واعترفا لا تحزني من تصاريف الحياة على من عاش تحت غطاء الغدر وانكشفا« وللرمل في شعر آمنة التهاب، بل ثقل كاتم للأنفاس، بل هو إبحار وارتحال وخارطة متجددة لتشكيل الآمال والعشق والشعر فتقول: » الرمل يكتم أنفاس الهوى حُرُقا ويكتسي من شذا أحلامي العبقا الرمل يبحر بي والصمت يغرقني والدر في لجة الأوهام قد غرقا الرمل خارطة الآمال شكلها نبض طوى صفحة الأشجان وانطلقا الرمل بوح القوافي سيدي بدمي إذا اعترى أحرفي صمت الجوى نطقا الرمل در الصحارى من يعادله حسنا وللدر في نأي الحبيب شقا الرمل والشعر بدء الوجد في خلدي ومنتهى الوصل - يا صاح - إذا افترقا الشعر موال أحلامي يقاسمني قذى الدنا وصروف الدهر والحنقا أهيم بالشعر حبا في مرابعه وأعشق الحبر والأقلام والورقا فيقرأ العشق في نبضي وقافيتي من ضمه الوجد إيلاما ومن عشقا في أحرفي الدمع فياض وفي لغتي مواجع جرعتني في الدجى أرقا« هي ذي آمنة تنسكب شعرا لتسقي به الكثبان العطشى، تنبت القصائد الجميلة، بل تعيدك إلى مواسم الشعراء وهم يستنطقون الصمت، ويحفرون الحلم والضوء، وينحتون الصخر، ويحملون البحر في أكفهم ويرحلون، 14 قصيدة تطوف بك القلب والوطن، تلفك بالرمل والحب، تغطيك بالحلم والرجاء، تعري قلبك الدامي ليكشف عن وجع عشق، تتعبك وتريحك، تعذبك وتفرحك. هي ذي المجموعة الأولى الشعرية لشاعرة الصحراء آمنة حامدي تنشر شراعها للروح زوبعة رمل تقبب السماء، وتمضي بين حلم النخل وامتداد الرمل قصيدة تبحث عن مخاض جملة أخرى. المجموعة من القطع المتوسط صدرت عن: ''مقامات للنشر والتوزيع والإشهار'' وهي جديرة بالقراءة والاهتمام من قبل الدارسين ورعاة الثقافة والأدب.