صعد المعتصمون في ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية من وتيرة احتجاجهم في اليوم السادس عشر من ''ثورة الغضب'' ضد الرئيس حسني مبارك ونظامه بمحاصرتهم لمقري البرلمان والحكومة ومنعوا النواب والوزراء من الدخول في خطوة هي الأولى من أجل شل كل الهيئات والمؤسسات الرسمية المصرية. وبينما عاد نواب الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم من حيث أتوا اضطر رئيس الوزراء أحمد شفيق إلى نقل اجتماع طاقم حكومته إلى مكان آخر في نفس الوقت الذي أعطيت فيه تعليمات لموظفي الهيئتين بمغادرة مكان عملهم وعدم الالتحاق إلى وقت لاحق. وعرف اليوم السادس عشر من الاعتصامات الاحتجاجية مقتل ثلاثة متظاهرين وإصابة أكثر من مائة شخص في مواجهات وقعت بين الشرطة ومتظاهرين في واحة الخارجة في منطقة الوادي الجديد على بعد 400 كلم جنوب العاصمة المصرية. وذكرت مصادر أمنية مصرية أن قوات الشرطة أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين مما دفع بهم إلى إضرام النار في سبع مقرات حكومية ومقرين للشرطة ومحكمة ومقر الحزب الحاكم. وتعد هذه المرة الأولى منذ أكثر من أسبوع يسقط فيها قتلى وهي المرة الأولى أيضا منذ بدء الموجة الاحتجاجية يقوم فيها المحتجون بمحاصرة مقري الحكومة والبرلمان مانعين العاملين فيهما والوزراء بمن فيهم رئيس الوزراء احمد شفيق من الوصول إلى مكتبه. ورفع أكثر من ثلاثة آلاف متظاهر لافتة على المدخل الرئيسي لمقر البرلمان كتب عليها ''مغلق حتى إسقاط النظام'' بينما رفعوا لافتة ثانية على بوابة مجلس الوزراء كتب عليها ''الشعب أسقط النظام''. وهي تطورات جاءت عشية ''جمعة غضب'' أخرى ينتظر أن يشهدها ميدان التحرير للمطالبة برحيل الرئيس مبارك ولكن بتعداد اكبر من المحتجين بعد أن استقطب المعتصمون فئات أخرى من العمال والصحافيين والمحامين والقضاة وعمال قطاعي الصحة وموظفي البريد. ويصر هؤلاء الذين يواصلون أسبوع الغضب الثالث منذ 25 جانفي الماضي تاريخ اندلاع ثورة شباب مصر على رفض كل حوار مع السلطات المصرية ما لم يرضخ الرئيس مبارك لمطالبهم بالرحيل وترك السلطة واعتبروا أن المفاوضات التي أجراها مدير المخابرات المصرية ونائب الرئيس المصري عمر سليمان فاقدة لكل مشروعية بقناعة أن من يريد التفاوض عليه أن يأتي إلى ساحة التحرير، حيث يوجد ممثلو الحركة الاحتجاجية الشعبية وليس قيادات أحزاب موالية للنظام. ويأتي هذا التصعيد بعد يوم ثلاثاء ساخن شهده ميدان التحرير الذي تدفق عليه أكثر من مليوني شخص في اكبر تجمع شعبي تشهده العاصمة المصرية منذ بدء الأحداث بعد أن هدد المعتصمون بشن عصيان مدني وشل كل مظاهر الحياة إلى غاية رحيل الرئيس ورموز نظامه الذين اتهموهم بنهب ثروات الشعب المصري. ويصر المحتجون على مطلبهم برحيل الرئيس مبارك رغم إقدامه على إجراءات تهدئة في محاولة لإحداث شرخ في صفوفهم وخاصة عندما أعلن عن تشكيل لجنة خبراء أوكلت لها مهمة إدخال التعديلات اللازمة على نص الدستوري المصري الحالي بكيفية تزيل منه كل العقبات التي تحول دون إقامة الديمقراطية في البلاد. ويسعى نائب الرئيس عمر سليمان منذ توليه هذا المنصب في الأسبوع الأول من المسيرات الاحتجاجية إلى تحضير الأرضية السياسية القادرة على لضمان انتقال سلمي للسلطة، مؤكدا في كل مرة أن الرئيس مبارك مع فكرة نقل السلطة ولكن دون إحداث الشرخ السياسي الذي قد يؤدي إلى فوضى شاملة في اشارة إلى تمكين الرئيس مبارك من إتمام عهدته إلى نهايتها خريف العام الجاري. ولكن مقترحاته وجدت آذانا صماء من طرف المتظاهرين الذين يصرون على رحيل الرئيس حسني مبارك كرسي الرئاسة اليوم قبل الغد إذا كان يريد فعلا إنهاء الأزمة السياسية المحتدمة في البلاد. ومهما كانت مواقف السلطة المصرية والمعارضة فإن المؤكد أن استمرار حالة الاحتقان المتواصلة للأسبوع الثالث على التوالي والشلل الذي أصاب البلد سيؤدي حتما إلى انهيار الاقتصاد المصري الذي ضرب في الصميم بعد الشلل الذي ضرب قطاع السياحة الذي شل عن آخره وكلف إلى حد الآن أكثر من مليار دولار خسائر مباشرة بعد أن هجر السياح الأوروبيون مصر وعادوا على جناح السرعة إلى بلدانهم.