طالب الكاتب والمختص في المخطوطات، سعيد بوطرفة، بتدريس التراث والثقافة الجزائرّيين في الطور الابتدائي. مضيفا أن قلة أو انعدام الاهتمام بهذا الأمر يّولد جيلا غير واع لا يحترم التراث ولا يقدّر الثقافة. وأضاف بوطرفة في إطار المحاضرة التي ألقاها أول أمس بمكتبة ديدوش مراد حول كتابه''إهليل ولهجات القورارة''، أن الثقافة هي دعامة البلد وان التطور المراد تحقيقه لا يتم إلا من خلالها. معتبرا أن الثقافة والتراث ينتجان أيضا موارد مالية ولو على المدى البعيد وبالأخص في مجال السياحة. وحثّ الأستاذ وهو أيضا منتج ومخرج في القناة الثالثة للإذاعة، على تدريس التراث في المدارس، باعتبار أن التراث استثمار حقيقي يجب أن تغرس جذوره في فئة الأطفال لنتمكن من ضمان إنشاء جيل قوي وواع وإلا وجدنا جيلا ضائعا وهائما في البلد. وتحدث بوطرفة في نشاط ''أربعاء الكلمة'' الذي تنظمه مؤسسة فنون وثقافة، عن أهليل القورارة الذي تناوله في إصداره الأخير، عن دار نشر ''كولورسي''، فقال انه تعرّف على هذا التراث الأصيل حينما استضاف في برنامجه الإذاعي، الأستاذ مولود معمري الذي اهتم كثيرا بهذا التراث واصدر كتابا عنه، كما أن هذا الأخير وجد مخطوطات عن أهليل تعود إلى القرن الرابع عشر، ومن ثم تم فيما بعد وعن طريق موسيقار فرنسي تسجيل اسطوانة عن هذا الفن الأصيل. وفي هذا السياق، أعجب المتحدث كثيرا بهذا التراث حينما سمع هذه الاسطوانة، فقرر برمجة حصة إذاعية بتيميمون للتعريف بهذا التراث وهناك وفي قلب الحدث، اغرم سعيد بأهليل وترجم عشقه هذا بتأليفه لكتاب عنه متناولا في هذا الصدد كل ما له علاقة بهذا التراث من أغاني، وشعر ومدح وعادات وأثراه بالصور التي تعتبر دليلا مقنعا لجمال هذا الفن. وأكد بوطرفة أن أهليل يتضمن قصائد تحكي عن عادات وتقاليد المنطقة ليكون بذلك مرآة اجتماعية وحتى اقتصادية للمنطقة. مستطردا، أنه في بداية فن أهليل الذي كان يسمى في بدايته ''إزلوان''، تناول شعراؤه جمال الطبيعة والمرأة وغيرها من هذه المواضيع، بعدها أعطيت لهذا الفن صبغة دينية وتحوّل اسمه إلى أهليل وشعره إلى مدح لله ولرسوله الكريم وللصحابة أيضا. ويبدأ حفل أهليل القورارة بمدح الله ورسوله ويقوم القائد ''أبشنيو'' بإلقاء القصائد ويرد عليه أعضاء الفرقة الذين قد يتجاوز عددهم، المائة والخمسين، كما أن هناك أهليل للنساء يقدمنه في الأعراس بصفة عامة، أما الرجال فيقدمون هذا العرض الذي يجرى في الهواء الطلق وتحت سماء مرّصعة بالنجوم، في المناسبات الكبيرة مثل المولد النبوي الشريف وكذا في زيارة الأولياء الصالحين والأعراس أيضا. واعتبر بوطرفة أنه يمكن تصنيف أهليل كفن صوفي باعتباره يهتم بالمدائح كما انه يقدم في منطقة تكثر فيها الزوايا وفي مقدمتها زاوية القادرية ومن ثم التيجانية والشاذلية. مستأنفا قوله أن أهليل القورارة هو بمثابة علاج روحاني إذ أن سامعه يشعر بالراحة والانشراح. ودعا سعيد إلى حماية تراث الأهليل الذي وإن كان يلقى اهتماما معينا من السلطات، وكذا من اليونسكو التي صنفته تراثا غير مادي، إلا أن هناك خوفا من تضاؤله بفعل كون غالبيته تراثا شفويا، علاوة على انه ينطق باللهجة الزناتية التي لم يعد يتحدث بها إلا القلة من مواطني المنطقة. عودة إلى موضوع أهمية التراث والثقافة في تطوير البلد، حيث طالب بوطرفة بضرورة العودة إلى بعض التقاليد التي تفيدنا مثل الاهتمام بالقيّم الاجتماعية والتي تؤدي إلى تحقيق الانسجام بين أطراف المجتمع، بالإضافة إلى حماية التراث المادي مثل القصور التي تعرضت 80 بالمائة منها للخراب، يضيف المتحدث. وفي هذا السياق، قال بوطرفة وهو المنسق للمشروع الأورومتوسطي على مستوى المغرب العربي، أننا تخلينا بعد الاستقلال عن الكثير من تقاليدنا واهتممنا بالعصرنة من دون نتيجة ايجابية تذكر، وحان الوقت - يضيف سعيد - لكي نمزج هذه العصرنة بتقاليدنا، وكذا إقصاء نزعة احتقار هذه التقاليد التي ينادي بها البعض. وتناول الأستاذ الذي يعمل أيضا في مجال التصوير، واقع المخطوطات في الجزائر، باعتباره خبيرا في هذا المجال، فقال أن أكثر مخطوطاتنا يوجد في حال يرثى له. مضيفا أن المشكل الثاني الذي يّمس مخطوطاتنا يتمثل في عدم وجود فهرس في اغلب الخزانات التي تضم هذه المخطوطات، ممّا يصعب عملية البحث، وكذا التعرّف على فحواها. واعتبر المتحدث أن الكثير من الغربيين وبالأخص الألمان والأمريكان والإنكليز، يهتمون بالمخطوطات الجزائرية للتعرف على تاريخ المنطقة الذي كتب الكثير منه بأقلام غير محلية، ويرجع اهتمامهم أيضا بالخزانات إلى محاولة منهم لإيجاد إجابات عن الفراغ الثقافي والروحي الذي يعيشونه. وأطلق بوطرفة صرخة عن حال مخطوطاتنا قائلا : ''لدينا أكثر من ثلاثة ملايين مخطوطة ولكنها كالكنز المدفون لا نعلم خفاياه ولا ندرك متى سنكتشفها''.