يندرج كتاب ''العقد الماسي في رحلة حج ابن الساسي''، ضمن أدب الرحلات، إذ حاول مؤلفه إبراهيم بن ساسي، أن يجعل من رحلة حجه تحفة أدبية وفضاء إيمانيا يعيش معه القارئ لحظات أنس وشوق. حرص المؤلف على وصف المشاعر والمآثر، إضافة الى ذكر المدن والأمصار وأخبار الأعلام الأخيار، ليكون مسك ختامه شذرات مختصرة لرحلات الأفذاذ ممن وقفوا لتدوين رحلات حجهم، وهو ما يستهوي القارئ ويشده الى هذه الجواهر فيزداد شوقا لهذه المناسك والشعائر. يشير المؤلف إلى أن سبب اهتمامه بهذه الرحلة، كونها تعكس زيارة مقدسة، لذلك عمد الى تسجيل بعض المشاهدات والملاحظات والوقائع، خاصة بعد أن طلب منه أصدقاؤه ممن قرأوا كتبه السابقة، أن يوقع هذه الرحلة بكتاب خاص، علما أن أدب الرحلات وفن تسجيلها كان قد تعاطى معه المؤلف منذ بداية التسعينيات حين دون رحلته الى سجن الزاوية في ولاية إيليزي، وقد عنون الرحلة ب ''الجوهر النفيس في وصف زيارة معتقل برج عمر إدريس''. للإشارة، فإن تسجيلات وملاحظات المؤلف (الحاج)، خالية من أي تفصيل أو تفريع، لا تعتمد كثيرا على التاريخ والجغرافيا وعادات الناس وتقاليدهم، ملتمسا آثار السابقين ممن كتبوا في أدب الرحلات، منهم ابن رشيد الفهري السبتي الذي دون رحلته الى البقاع المقدسة في كتاب ''ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الرحلة إلى مكة وطيبة''، وقد حققه خوجة التونسي والحسين بن محمد السعيد الورثيلاني أحد أجداد الورثيلاني، هذا الأخير الذي سجل هو أيضا رحلته الى الحج في كتاب ''نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأمصار'' وكانت سنة ,1750 وهي أكبر رحلة من البلاد الإفريقية، حيث سافر فيها 300 رجل وامرأة، وقد نقل الورثيلاني كل ما شاهده وقرأه وسمعه من تاريخ وأدب وعلوم وتراجم. كما كتب في هذا الشأن رحالة جزائريون كثر لعل آخرهم الشيخ السفير منصور الغسيري الباتني سنة 1953 ونشر رحلته في جريدة البصائر أبرز فيها تمكنه من الأدب وفنون الوصف والتعليق. كما أخذت رحلات الحج حيزا طيبا ومشرفا في الأدب الشعبي نثرا وشعرا وقصة، ذكر منها المؤلف ابن بلدته الرويسات بورقلة، وهو الشاعر المعلم عباس قدور الرويسي الذي خلد رحلاته العديدة في روائع شعرية ومدائح يقول في إحداها : '' زرنا مكة قول ضرك اتهنينا والمدينة دار مسكن بولنوار صلى الله عليك لمجد نبينا محمد شفيعنا في ذيك الدار يا سايل نوريك قصة زورتنا واتصنت لي كأنك باقي لخبار'' من ضمن ما سجل المؤلف المحطات التي توقف بها أثناء طريقه الى ارض الحجاز، حيث تفنن في وصف مدينة دمشق الفيحاء، واصفا معالمها التاريخية والعمرانية الحديثة ومعيشة أهلها، كما نوه بالاستقبال الحار الذي يحظى به العرب في مطار دمشق الدولي. واستمر المؤلف في وصف الأماكن بمملكة الأردن. مركزا على مقابلاته مع الفلسطينيين الذين طلب أحدهم منه أن يدعو له بالشهادة عند وصوله الحرم المكي. كما دون المؤلف لقاءاته مع بعض اصدقائه العرب منهم محمد رمضان مصطفى حجازي من مصر. الحج كعادته فرصة للتعارف والاحتكاك، لذلك التقى المؤلف مع جمع من الحجيج العراقيين، الذين تحدثوا عن الجزائر بكل خير. مؤكدين أبدية الارتباط بين العراق والجزائر حتى بعد الاحتلال. الأستاذ ابراهيم بن ساسي من مواليد مدينة الرويسات بورقلة، مدير مؤسسة تربوية وعضو المجلس الوطني لجمعية العلماء ومنسقها الجهوي في الجنوب، تعاون مع الشؤون الدينية لأكثر من عقدين، كذلك الحال بالنسبة للإذاعة والتلفزيون. المؤلف مهتم بالتعليم القرآني وباحث في تراجم أعلام الجنوب الكبير، وله مساهمات أدبية وصحفية، من مؤلفاته ''التعليم القرآني في الجزائر''، ''التاريخ العلمي والقرآني في ورقلة'' و''حادي السير إشارات تربوية وأدبية''.