لم يصمد محمد الغنوشي رئيس الحكومة المؤقتة في تونس أكثر من 40 يوما بعد أن رضخ لضغوط الأوضاع السياسية والأمنية وحتى الاجتماعية والاقتصادية في البلاد منذ فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يوم 14 جانفي الماضي. وقال الغنوشي في ندوة صحفية نشطها أمس بالعاصمة تونس ''لقد قررت الاستقالة من منصب رئيس الوزراء''. مشددا التأكيد على أن ''هذه الاستقالة لا تعد هروبا من المسؤولية بل جاءت للسماح لشخص آخر لرئاسة الحكومة. وقال أن ضميري مرتاح ولست مستعدا لأكون الرجل الذي يتخذ إجراءات تخلف ضحايا''. واعترف الغنوشي الذي احتفظ بمنصبه كرئيس للوزراء على رأس الحكومة المؤقتة التي شكلت مباشرة بعد سقوط نظام الرئيس بن علي انه عمل ''في ظروف عصيبة وضغوط صعبة'' وقال ''الوحدة غير متوفرة وارفض التورط في أعمال عنف''. واضطر محمد الغنوشي وهو الوجه البارز من بقايا النظام السابق الذي تربع على كرسي حكومة بن علي طيلة 11 سنة إلى الاستقالة بعدما ازدادت ضغوط الشارع التونسي الذي واصل احتجاجاته من اجل إحداث القطيعة النهائية مع رموز النظام المطاح به. وتأتي استقالة الغنوشي في وقت تجددت فيه مواجهات عنيفة أمس بين قوات الأمن ومتظاهرين وسط العاصمة على اثر مقتل ثلاثة محتجين ليلة السبت إلى الاحد خلال مظاهرات طالب المشاركون فيها برحيل الحكومة المؤقتة. ورفع المتظاهرون الذين اعتصموا في شكل مجموعات منذ الساعات الأولى من صباح أمس بشارع الحبيب بورقيبة شعارات مناهضة للحكومة المؤقتة ورئيسها محمد الغنوشي. وأطلق عناصر الأمن الغازات المسيلة للدموع في السماء في مسعى لتفريق المتظاهرين الذين حاولوا التوجه إلى مقر وزارة الداخلية التي أعلنت عن مقتل ثلاثة أشخاص وسقوط عدد من الجرحى خلال مظاهرات السبت كما أعلنت عن إيقاف ما لا يقل عن 188 شخصا خلال اليومين الماضيين ممن وصفتهم ب''مرتكبي أعمال التخريب والحرق''. وواصل آلاف المحتجون اعتصامهم في ساحة القصبة أمام مقر الحكومة للمطالبة باستقالتها بمبرر أنها أخفقت في تحقيق أهداف الثورة، حيث بلغ الاعتصام أوجه الجمعة فيما أطلق عليه ب''جمعة الغضب'' بعدما بلغ عدد المتظاهرين حوالي 100 ألف شخص. وكان محمد الغنوشي وساعات فقط قبل إعلان استقالته اقر بأن الحكومة الانتقالية واجهت في الفترة الأخيرة الكثير من الصعوبات وقال إن ''هناك عملية مدبرة لإرباكها حتى لا تتفرغ للقيام بمهامها'' دون أن يحدد الجهات الواقفة وراء ذلك واكتفى بالقول أن الشرطة ضبطت سيارة كان بحوزة سائقها 60 ألف دولار نقدا كانت موجهة لمرتكبي أعمال العنف.