أعلن الوزير الاول التونسي محمد الغنوشي استقالته من منصبه في حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية المؤقتة تحت ضغوطات أحزاب المعارضة وخاصة سلسلة الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة باقالة الجهاز التنفيذي المؤقت الذي اعتبره المتظاهرون "رمزا من رموز النظام البائد". ووجه محمد الغنوشي اللائمة على من أسماههم ب "قلة" تسعى لفرض اجندتها على الثورة التونسية داعيا أفراد الشعب التونسي الى المحافظة على مكاسب هذه الثورة والتمسك بمنجزاتها موضحا في ذات الوقت ان استقالته" لا تعد بمثابة هروب من المسؤولية بل تأتي من أجل افساح المجال أمام وزير أول آخر". ولفت الى أنه بعد خروجه من هذه الحكومة فانه غادرها "مرتاح الضمير" كونه غير مستعد لكي يكون الرجل الذي يتخذ اجراءات لينجم عنها "المزيد من الضحايا" مشددا على أن خطوته هذه تعتبر خطوة "في خدمة ثورة تونس". وكانت أعمال العنف والشغب قد تواصلت لمدة اسبوع في قلب العاصمة التونسية حيث وقعت العديد من المشادات بين المتظاهرين ورجال الامن مما اسفرعن مقتل ثلاثة أشخاص أمس السبت وجرح ما لا يقل عن تسعة أخرين واعتقال زهاء 200 شخص في اضطرابات تعتبر الاكبر من نوعها منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية التونسية في السابع عشر من شهر ديسمبر التي عجلت بمغادرة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي البلاد والسلطة متوجها نحو المملكة العربية السعودية في الرابع عشر من شهر يناير المنصرم ليتولى السيد محمد الغنوشي مهامه على رأس الحكومة الائتلافية الانتقالية التونسية يوم 17 ينايرالماضي مباشرة بعد تنحية الرئيس السابق. وكانت الحكومة الائتلافية التونسية قد قدمت- تحت ضغط الشارع وضغط المعارضة -العديد من التنازلات حيث ادخلت تعديلات على الجهاز التنفيذي وابعدت بموجبها العناصر والرموز المحسوبة على "النظام البائد" وأعيد النظر في التعيينات الخاصة بسلك الولاة وعلقت نشاطات حزب التجمع "الدستوري الديموقراطي" الحاكم سابقا في انتظار حله جذريا لكن دون جدوى لان تطلعات الشارع كانت تستهدف احداث تحولات أعمق عبر اقالة الحكومة والشروع في عهد سياسي جديد يتميز باعلان النظام البرلماني وتشكيل مجلس تأسيسى وحل مجلسي النواب والمستشارين وايقاف العمل بالدستور واعداد القوانين الجديدة التي تواكب مقتضيات التحول. وقد ربط بعض المتتبعين للشأن التونسي الاحتجاجات المتتالية المضادة لحكومة السيد محمد الغنوشي ب"الاداء الحكومي المتميز بعدم القدرة على التكيف والتأقلم مع التحولات" التي افرزتها الثورة الشعبية التونسية بل عدم التمكن من مواكبة مطالب الجماهير وبذلك تكرست حالة من القطيعة بين الهيئة التنفيذية وجل الفئات والشرائح الاجتماعية ومعظم مكونات المجتمع المدني. ولأن السلطة التنفيذية لم تسارع الى تدارس الوضع بكل اسبابه وابعاده واوجهه على احسن ما يرام بل لم تول الاهتمام والعناية لاطلاع الراي العام التونسي على حقيقة الامر والاطراف التي تقف وراء تعقيد المعضلة وتقف وراء ازدياد الاحتقان علاوة على انعدام السعي لتوفير الحلول الناجعة الملائمة والعاجلة فان مظاهر الاحتجاج ما انفكت تزداد أكثر فأكثر بغية اقالة الائتلاف الحكومي وهذا ما حصل بالفعل. لكن العديد من المراقبين اعربوا عن تخوفاتهم من ان تكون هذه الفئات الجماهيرية - بطموحاتها المشروعة المتطلعة الى تحقيق التحول وارساء دعائم الديموقراطية وتعميق الحريات الاساسية وضمان حقوق الانسان - تدفع ضريبة الثورة الشعبية التي احدثت مفاجأة لاطراف سياسية أرادت أن تجعل من الشباب المتعطش للحرية والكرامة "حطبا " لمعركة سياسية شعارها الارض المحروقة والفوضى والبلبلة للحيلولة دون انجاح اغراض الانتفاضة الشعبية واهدافها.