إلى جانب قلعة ''المنصورة'' تعدّ قلعة ''المشور'' أحد المعالم البارزة في المشهد الأثري التلمساني، وهي حاليا تخضع إلى عملية ترميم واسعة إلى جانب إدراج مشروع إعادة بناء القصر الملكي الذي تحويه القلعة ضمن المشاريع الثقافية العشرة لتظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية'' التي قطعت أشواطا كبيرة من حيث الإنجاز. إعادة بناء القصر الملكي جاءت بأمر من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة خلال آخر جلسة استماع خصّصها لقطاع الثقافة، شهر أوت الماضي، بعد أن خضعت قلعة المشور لأكبر عملية ترميم ما بين سنتي 1999 و.2003 وقد أشرف الرئيس بوتفليقة بنفسه على إعادة تدشين القلعة بعد الترميمات التي عرفها المسجد والأسوار، ليأمر الرئيس حينها بمباشرة أعمال أثرية وحفريات للكشف عن بقايا قصور بني زيان التي طمسها الاستعمار الفرنسي. وكانت المفاجأة كبيرة حين اكتشف فريق الباحثين الأثريين مطلع سنة 2010 شواهد أثرية لقطع خزف وفسيفساء منقوش عليها آيات وسور قرانية سدّ بها عسكر الاحتلال الفرنسي قنوات الصرف الصحي، في اعتداء صارخ ومفضوح على تراث معماري إسلامي كان مطموسا لولا الحفريات وأعمال الترميم التي تجرى بالمناسبة. وتأتي إعادة بناء القصر الملكي الذي يتكوّن من أربعة أجنحة متواجدة حول باحة تحتوي على بستان وحوض مائي، إثر عدّة بحوث في الحفريات وفي السجلات التاريخية لقلعة ''المشور'' وكذا التنسيق الكامل بين المهندسين وعلماء الآثار، حيث اختفى ''القصر الملكي'' في العهد الاستعماري. كان السلطان يغمراسن في بداية حكمه يقيم في القصر القديم بتلمسان العليا (تاقرارت)، إلى غاية بناء صومعة المسجد الجامع؛ فصارت المئذنة تطلّ على القصر وتشرف على صحنه، عندئذ اضطر السلطان إلى تغيير مقر إقامته حتى لا يترك مجالا للمؤذن وغيره من رؤية داخل القصر الملكي والتعرّف على ما يدور فيه، وحتى لا يعرّض حريمه لنظرات المتطفّلين؛ فقرّر تشييد قصر جديد يليق بمقام الملوك، ويتطابق وتقاليد السلاطين المسلمين في ذلك الوقت، فاختار مكانا بجنوب المدينة وبنى فيه قصره، وهو عبارة عن قلعة أو قصبة، وسماه ''المشور'' تمييزا له عن القصر القديم، واتّخذه مقرا رسميا لإقامته وإقامة خلفائه من بعده، وأنزل به الحاشية والحشم ورجال الدولة، وكان يستقبل فيه الأمراء والسفراء الأجانب، وفي قاعاته تنظم حفلات الاستقبال والسمر. ويبدو أنّ صرحه شيّد في المكان الذي نصب فيه يوسف بن تاشفين المرابطي خيمته، حينما حاصر مدينة ''أغادير''، وقام بتخطيط القصر على شكل قلعة مستطيل الشكل طول ضلعه 490م وعرضه 280م .2 ومعنى ''المشور''، المكان الذي يعقد فيه أمير المسلمين السلطان اجتماعاته مع وزرائه وكتّابه وضبّاطه، لمناقشة شؤون الدولة والتشاور في أمور الرعية وقت السلم ووقت الحرب، وفي سنة 717ه/1317م أضاف له السلطان أبي حمو موسى الأول (707-718ه/1307م-1318)، معلمين معماريين آخرين هما قصر ومسجد خاص بالأمراء ورجال الدولة والأعيان، يؤدون فيه صلاة الجمعة والصلوات الخمسة. يحيط بالمشور سور عالي، يضم قصورا عديدة صغيرة إلى جانب قصر السلطان، مبنية بأسلوب معماري فني بديع ومزينة بزخرفة رفيعة، ويحتوي القصر على سقايات ونافورات وبساتين، له بابان أحدهما يقع في الجنوب ويطل على البادية تجاه الجبل، والثاني يقع في الشمال الغربي باتجاه وسط المدينة، ويقيم بجواره رئيس الحرس، أطلق على الباب الجنوبي اسم ''باب جياد'' ويدعى الباب الشمالي ب''باب الغدير''. وللقصر ساحات وشوارع ودروب، ومنازل أخرى بداخله مخصّصة للحاشية والكتّاب والضبّاط والخدم. وكان بالمشور مجموعة من المخازن والمطامير لتخزين الحبوب واللحوم والمؤن المختلفة. والظاهر أنّ القصر الملكي يتميّز عن غيره من القصور والدور بشكله وسعته ومحتواه، حيث كان مزيّنا بالرخام والفسيفساء الملوّنة التي تكسو قاعته وجدرانه، مبلّط بالجبس الأنيق، والسقوف الخشبية المدهونة، والثريات النحاسية الفخمة التي تحمل قناديل الزيت والشموع. وكانت أرض القصر الملكي في معظمها مبلّطة بالزلّيج الملوّن، وتتخلّل القصر أحواض من الزهور والأشجار المثمرة، ونافورات المياه كما هو الشأن في القصور السلطانية بفاس وغرناطة وتونس، فهو معلم من المعالم العمرانية الزيانية الرائعة، المتأثرة مما لا شك فيه بالهندسة المعمارية الأندلسية. ومن البديهي أنّ منازل رجال الدولة والبلاط كانت أصغر حجما وأقل زخرفة من قصر السلطان، وكانت هذه المساكن تحيط بالقصر الكبير والمسجد. ولعلّ ''المشور'' كان يحتوي على سجون كغيره من القلاع، يُحبس فيها المناوئون من الأسرة الحاكمة والوزراء والكتّاب والقادة الضبّاط وغيرهم من الأعيان ومن خاصة الناس، وتسمى الدويرة (الدار الصغيرة)، ولعلها زنزانات صغيرة تشبه السجن الانفرادي.