كثيرون يتحسرون على أيام زمان، بأجوائها وتقاليدها وحتى أشيائها الصغيرة التي كانت تصنع التميز، لكن البكاء على الأطلال لا يجدي، لان تيار التطور لاينتظر، كما لا يمكن بأي حال من الأحوال الرجوع إلى الوراء، إلا ان البعض اختار ان يعيد إحياء القديم بلمسات عصرية، ليجمع بالتالي بين الأصالة والعصرنة. ''سحر الشرق'' عنوان اختارته السيدة ياسمينة زروقي، من اجل إعادة بعث مواد تجميل تقليدية لطالما استخدمتها المرأة الجزائرية، لا سيما في العاصمة بقصبتها الشهيرة. ''صابون الدزاير''، ''الغاسول'' أو ''الطفل''،''الرجينة''، هي كلمات تعرفها كل النساء، لكن اليوم قليلات هن اللواتي يلجأن إليها بحثا عن جمالهن نظرا لما تعرضه السوق من منتجات تجميل مختلفة ومتنوعة، بعضها من علامات عالمية شهيرة جدا. والمرأة الجزائرية كغيرها من نساء العالم، لا تحب التأخر عن ركب التطور في هذا المجال، ولذلك ابتعدت عن وصفات الجدات، لتواكب عصرها. هو أمر تدركه السيدة ياسمينة، لذلك لم تتوان في إضافة لمسات عصرية لمنتجاتها، سعيا منها لجلب زبونات أوروبيات كثيرا ما تستهويهن روح الشرق. استقرت في فرنسا منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، تركت الأدب الإسباني الذي تخصصت فيه لترعى أبناءها، لكنهم عندما كبروا، فكرت في ان تعود الى العمل لكن بعيدا عن تدريس الأدب الإسباني الذي مارسته في الجامعة الجزائرية قبل استقرارها بفرنسا. التقيناها في صالون الجمال واللياقة ''جوفنسال''، حيث عرضت منتجاتها في أول حضور لها الى الجزائر منذ سنوات، فقالت '' صحيح أنني اعشق الأدب ومازلت أبدع في هذا المجال عبر كتاباتي، لكن كسب الرزق من الأدب ليس بالأمر الهين، وربما ابتعادي عن الجزائر وغربتي الصعبة جعلتني أفكر في القيام بعمل يربطني بجذوري... يذكرني بأيام طفولتي... وطبعا يمكنني من تحقيق أرباح.. وهكذا فكرت في إحياء تقاليدنا وبعث روح جديدة فيها، مدركة الاهتمام الكبير للمرأة الفرنسية والأوروبية عموما بكل ما هو آت من الشرق. وكم كانت مفاجأة السيدة ياسمينة كبيرة، وهي ترى الإقبال المنقطع النظير على هذه المنتجات من طرف الفرنسيات رغم اختلاف ثقافتهن - وربما هذا هو سر الإقبال - واليوم كما تؤكد محدثتنا أصبحت لمنتجاتها مكانة في صالونات التجميل وحتى بعض الفنادق الكبيرة. عن المواد الأولية المستخدمة وطريقة الإنتاج، قالت ''عادة احضر المواد الأولية من دول المغرب العربي، باستثناء ماء الورد الذي اجلبه من إيران نظرا لنوعيته الجيدة المشهورة عالميا، أما التعبئة فتتم في فرنسا... أنا أقوم بإعداد المنتج من الناحية النظرية، وأتعامل مع ثلاثة مخابر تقوم بإنجاز ما أطلبه منها... واعترف ان ما أقوم بإنتاجه نابع من وصفات الجدات، لكنني أضفت عليها لمسات عصرية، لا سيما من خلال استبدال مواد بأخرى مثل عجينة نزع الشعر التي أحضرها بالعسل بدل السكر نظرا لخصائص العسل الجيد للبشرة، وكذا ليونته... كما أضيف بعض العطور بدون كحول، وزيوت عطرية ومواد أخرى راقية، استجابة لرغبات المرأة العصرية . وفي قائمة منتجات السيدة ياسمينة نجد فئتين ''منتجات طبيعية، و''منتجات بيولوجية'' أو ما يعرف ب ''البيو''، والفرق بين الفئتين ان الأولى غير مصنفة لحد الآن، والثانية مصنفة وتقدم لإنتاجها شهادات تصنيف من منظمات معينة. وفي قائمة المنتجات نجد ''صابون الدزاير''، الذي تأسفت محدثتنا لغيابه عن الحمامات وندرته في الأسواق، و''الغاسول'' الذي أضافت إليه مواد جديدة حتى يصبح أكثر ليونة ويستجيب لرغبة سيدات اليوم، كما تستخدم بعض الزيوت المعروفة بخصائصها الجيدة على جمال المرأة، لا سيما زيت الارغان الذي تنتج منه تشكيلة كبيرة من مواد التجميل كانت سببا في حصولها على جائزة الابتكار بباريس، كما تنتج تشكيلة أخرى من زيت الحبة السوداء ، ومن ''زبدة الشيا- Beurre de Karité -، المعروفة بخصائصها المفيدة جدا للبشرة، وكذا العسل والغذاء الملكي، وتعرض زيوتا عطرية بروح الشرق. وأصرت محدثتنا في الأخير على ان تدعو كل النساء الجزائريات الى عدم إهمال وصفات الجدات ولا تقاليدهن الراسخة في القدم، والعمل على إحيائها وإخراج كل هذه المواد من النسيان، عبر دعمها بلمسات عصرية... وهنا يكمن ذكاؤها-.