كشف عدد من الصيادلة تحدثوا إلى ''المساء'' أن أسعار الدواء عرفت مؤخرا تقلبات كثيرة يرجع سببها المباشر لتقلبات أسعار المادة الأولية في البورصة العالمية، هذا الأمر كان له تأثير مباشر على المرضى الذين باتوا يلمسون الفرق في أسعار اقتناء الأدوية بين فترة زمنية وأخرى، خاصة المرضى المزمنون الذين يستعمل غالبيتهم بطاقة ''الشفاء''، وشبه صيادلة آخرون تقلبات أسعار الدواء بسوق الذهب الذي عرف مؤخرا تقلبات وزيادات كبيرة. تشير إحصائيات منظومة الضمان الاجتماعي في الجزائر إلى أن العشرية الحالية ستشهد ضغطا قويا على صناديق التأمينات الاجتماعية بسبب ازدياد نسبة الشيخوخة بالمجتمع الجزائري، ما يشكل من جهة أخرى زيادة بنسبة 19 في حجم الطلب على الأدوية الموجهة لعلاج الأمراض المزمنة في السنة، علما أن 80 من الأدوية التي تستهلكها هذه الفئة هي أدوية خاصة بالأمراض المزمنة التي تعرف أسعارها ارتفاعا ملحوظا. من جهة أخرى فإن إحصائيات وزارة التشغيل والضمان الاجتماعي تشير إلى أن عدد الجزائريين الذين سيستفيدون من بطاقة ''الشفاء'' يبلغ 20 مليون شخص، منهم 7 ملايين مؤمن نشط، إضافة إلى حوالي 13 مليون شخص من ذوي الحقوق، بحلول .2013 وإن كانت بطاقة الشفاء قد قلصت من معاناة الكثير من المؤمنين في تحصيل أموالهم بعد صرف وصفات الدواء خاصة بالنسبة لشريحة المرضى المزمنين، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن صعوبات ومشاكل أخرى صنعتها هذه البطاقة ولنفس الشريحة من المرضى، باعتبار أن حياتهم مرتبطة بصفة وطيدة بالأدوية الموصوفة لهم. ال 20 من سعر الوصفة تثير المشاكل! تشير إحصائيات الحركة الجمعوية الناشطة في ميدان الصحة إلى أن عدد المرضى المزمنين يبلغ أكثر من 55 ألف مريض، أغلبهم مسنون وهؤلاء حسب شهادات الصيادلة محدثو ''المساء'' يرفضون الدواء الجنيس رغم أنه ''لا اختلاف من الناحية الكيميائية بينه وبين الدواء الأصلي''، تقول صيدلية وتواصل إن هذه النقطة بالذات تكون دائما محل خلاف مع المرضى المتعاملين ببطاقة الشفاء، إذ أن خصوصية العمل بهذه البطاقة تعني أن يدفع المريض 20 من سعر فاتورة الدواء بعد صرف الوصفة، ولكن ما يجهله المرضى هو أن سعر الأدوية متقلبة يعني أن سعر الدواء لا يحدده الصيدلي مثلما يعتقد البعض، وإنما يخضع للبورصة العالمية، وعليه فإن المريض الذي سبق له وأن دفع باستعمال ''الشفاء'' مثلا مبلغ 800 دج قد يضطر بعدها لدفع قرابة 1200 دج وهذا أمر عادي''، تقول الصيدلية. ولكن الذي يبدو أمرا عاديا بالنسبة للصيدلية لا يبدو كذلك بالنسبة لمواطن متقاعد مسجل لدى الصندوق الوطني للعمال غير الأجراء ''الكاسنوس'' الذي حدثنا في الموضوع، يقول إنه يعاني وزوجته من السكري وارتفاع الضغط وأن فاتورة الدواء التي يستهلكانها في السنة تفوق 2 مليون سنتيم - حسبه - كان المتحدث في السابق يستلم كل الأدوية بفضل الدفتر المقدم من طرف صندوق الضمان بعد 40 سنة من الاشتراك، ''لكن في الفترة الأخيرة عندما أتقدم للصيدلي لأخذ الدواء ببطاقة ''الشفاء'' التي عوضت الدفتر، يقول لي الصيدلي إنه يجب علي أن أدفع جزءا من فاتورة الوصفة نقدا ولم أفهم لماذا؟'' يقول المتحدث الذي يطرح على نفسه هذا السؤال كلما عاود اقتناء الدواء من الصيدلية. وهو نفس الشيء الذي كشفه العديد من المرضى، ولما طرحنا السؤال على الصيادلة، قالوا إن أسعار بعض الأدوية المسجلة في وصفات بعض الأمراض المزمنة أغلى من السقف الذي يحدده النظام الوطني في مجال التعويض عن الأدوية، لهذا يفرضون تسديد الفارق نقدا. تفضيل الدواء الأجنبي جانب آخر من الإشكال ويظهر تفضيل شريحة واسعة من المرضى للدواء الأجنبي على المحلي كشق آخر من الإشكال، إذ كشف صيادلة أن نسبة كبيرة من المرضى المزمنين يفضلون الأدوية الأجنبية التي تكون أسعارها أكبر بالرغم من توفر الأدوية الجنيسة، وهذا أيضا يسبب مشكل عدم تفهم من قبل المرضى إذا طُلب منهم تسديد الفارق في سعر الوصفة، ويعتقدون أن الصيادلة يفترون عليهم وأنهم سيجعلون فارق السعر ذاك في جيوبهم الخاصة، حيث أفادنا صيدلي بأن أسعار الأدوية المحلية أو الجنيسة لا تقارن بأسعار الأدوية الأجنبية، إذ يزيد سعر الدواء الأجنبي أحيانا أربعة أضعاف عن سعر الدواء المحلي، ''وهنا يتساءل المريض المتعامل ببطاقة ''الشفاء'' لماذا دفع في المرة السابقة نسبة أقل من المرة الثانية، فلربما سبق له وأن اشترى دواء جنيسا بسبب انقطاعات الأدوية الأجنبية من الأسواق أحيانا، وفي المرة الموالية صرفت له نفس الأدوية ولكنها أجنبية فدفع نسبة أكبر عن الأولى فظهر له الاختلاف يشوبه إشكال'' تقول صيدلية. وتضرب لنا مثالا بسيطا بإظهارها لنا فاتورة كان مريض بالحساسية قد اقتنى بموجب بطاقة ''الشفاء'' دواء ''كلاموكسيل'' وأيضا ''استارزين'' على شكل أقراص. قيمة الوصفة 27,576 دج. المريض دفع مبلغ 78,274 دج والقيمة التي ستعوض للصيدلي من طرف الصندوق بعدها تبلغ 46,301 دج. وتكشف الصيدلية من جهة أخرى أن بطاقة ''الشفاء'' تسبب مشاكل من نوع آخر بالنسبة للمرضى غير المتعلمين أو غير الواعيين بالتطورات الحاصلة في ميدان الدواء يوما عن يوم، ''لذلك فإننا نضطر لتقديم ''دروس'' لهؤلاء وتحسيسهم بالإجراءات الجديدة، وأحيانا يتقدم مرضى لا يملكون الثمن المحدد عن نسبة ال 20، فنضطر نحن كصيادلة إلى التساهل معهم والسماح لهم بتقسيط ذلك المبلغ على دفعات''، تقول الصيدلية. ويواجه الصيادلة من جهتهم مشاكل أخرى في التعامل ببطاقة ''الشفاء'' والتي تتلخص في بطء تحصيل مستحقاتهم من صناديق التعويضات، وكذا مشكل انقطاعات الأدوية الأجنبية على وجه التحديد أو توفرها بكميات محدودة جدا، ولعل هذا ما يفسر اضطرار بعض الصيادلة لصرف أدوية أمراض مزمنة تكفي المريض لمدة شهر فقط ليس أكثر.