كان الشعب الجزائري أمس على موعد مع الذكرى ال49 لعيد النصر الموافق ل19 مارس ,1962 وكله وحدة وافتخار وإرادة في مستقبل لن يكون إلا نصرا مبينا لمساره التاريخي والنضالي. وإذ يحتفي كل سنة بهذه الذكرى العزيزة فإنما يفعل ذلك من أجل استلهام الدروس والعبر من هذا اليوم من أيام تاريخنا المجيد، بل وبكل اعتزاز فهو بوصلة لتفاعلنا الداخلي فيما بيننا وتكيفنا وتعاطينا مع العالم الخارجي فالاحتفال هذه المرة بهذا العيد المقدس في تاريخ الأمة الجزائرية تزامن مع ظروف دولية واقليمية تحتم على كل جزائري تمجيد هذا اليوم الذي جاء بعد مخاض عسير، متوجا كفاح التحرير ونضال الشعب الجزائري على مدار 132 سنة ووجب أن يتذكر كل منا بل ويتحلى بقيم ثابتة كانت وراء هذا النصر العظيم ألا وهي وحدة الشعب الجزائري والوحدة الترابية للجزائر ووحدة الأمة الجزائرية. ولعل هذه القيم الثلاث هي التي كانت وراء النصر والاستقلال كاملين غير منقوصين مثلما كانت عملية بناء الجزائر المستقلة ضمن هذا الإطار القيمي ولن تكون جزائر الغد إلا ضمن وحدة الشعب الجزائري ووحدته الترابية. إن هذه القيم الوطنية التي تحلى بها المفاوض الجزائري في اتفاقيات ايفيان وكانت وراء ترسيم النصر، نصرا كاملا جدير بكل جزائري أن يتحلى بها اليوم وغدا، فهي صمام الأمان له ولوطنه لا سيما في ظل الأجندة الدولية التي تريد بعض الدول الكبرى تنفيذها في العالمين العربي والإسلامي من خلال تقسيم الشعوب والأوطان كي يسهل عليها الاستحواذ على ثرواتها، وذلك تحت مزاعم إشاعة الحرية والديمقراطية وهذه الثورات الشعبية. ولا نكون مجانبين الصواب إذا قلنا أن قوى المجتمع والدولة حريصة أكثر من أي وقت مضى على إشاعة قيم الوحدة، السلم و الاستقرار بين كل الجزائريين في ظل دعوة الشباب والأجيال الصاعدة الى استلهام الدروس والعبر من تاريخهم المجيد الذي صنعه الآباء والأجداد. ويبدو الوعي بهذه التحديات جليا هذه المرة من خلال تزامن مطالبة الطبقة السياسية بتجريم الاستعمار الفرنسي والضغط على فرنسا الرسمية للاعتراف بجرائمها ضد الانسانية في حق الجزائريين، مع التأكيد في هذا المجال على حفظ ذاكرة الأمة الجزائرية من الزيف والتحريف الاستعماري. كذلك جاء عيد النصر هذا العام والجزائر ترفع في هذا الشهر المبارك شهر الشهداء حالة الطوارئ التي أعلنت قبل 19 سنة بسبب المحنة التي ابتلي بها الشعب الجزائري طيلة سنوات الأزمة، وهي بذلك تفتح صفحة جديدة على صعيد المضي بالإصلاحات الشاملة قدما نحو وطن قوي ودولة قوية بمواطنين أقوياء يحيون عند كل شهر مارس وغيره من الأيام والشهور ذكرى أبطالنا الخالدين من أمثال مصطفى بن بولعيد، بن مهيدي، عميروش، سي الحواس، لطفي، الطاهر فراج والذين افتدوا حرية الجزائر بحياتهم الغالية واستشهدوا في ميدان الشرف في مثل هذا الشهر ليحيا الشعب الجزائري مستقلا، موحدا في كنف وحدته الترابية، متطلعا لوحدة المغرب العربي، فقد تكون الآمال من الأقدار لا سيما إذا علمنا أن هذا المغرب العربي يحتفل بأعياد حرية أقطاره الثلاثة في نفس الشهر، هو شهر الشهداء وعيد النصر عندنا في الجزائر.