تستحضر تلمسان، عاصمة الثقافة الإسلامية، تراث علمائها ومفكّريها الذين بلغ صيتهم أصقاع العالم.ولعل من أهم هذه الشخصيات الشيخ الآبلي، الذي كان أستاذ العالمين الكبيرين الأخوين عبد الرحمن ويحيى ابن خلدون. إنه شيخ العلوم العقلية والنقلية في عصره، أصل أجداده من ''آبلة'' بالأندلس، ولد بتلمسان سنة 1282م ونشأ بها، حيث أخذ عن أبي موسى بن الإمام وعلى جده وأبي الحسن التنسي. لما استولى يوسف بن يعقوب المريني على تلمسان استخدمه، فقبل الآبلي الوظيفة على مضض لكن سرعان ما تركها. أثناء رحلته إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مر بمصر والشام والعراق حيث التقى علماءها كابن دقيق العيد وابن الرفعة والصفي الهندي والتبريزي وغيرهم ثم عاد إلى تلمسان حيث عرض عليه السلطان أبو حمو موسى ضبط جباية أمواله، غير أن الآبلي أعرض عن ذلك وفر إلى فاس لاستكمال دروسه والتبحر في مختلف العلوم، ومنها توجه إلى مراكش سنة 1310م ونزل عند العلامة الإمام أبي العباس أحمد بن البنّاء الذي أخذ عنه فنون التعاليم. امتهن هذا العالم التدريس في عواصم بلاد المغرب وحواضره، فتهافت عليه طلبة العلم من كل الأصقاع وانتشر علمه واشتهر ذكره وأقام مدة 3 سنوات في تونس، حيث درّس عبد الرحمن بن خلدون وأجازه في علم الأصلين والمنطق وسائر الفنون الحكمية والتعليمية. جمعه بالخلدونين (يحيى وعبد الرحمن) الأصل الأندلسي زيادة على السمعة العلمية التي فاقت الأرجاء. لا يذكره ابن خلدون (أي الآبلي) في كتاباته إلا باسم شيخنا أو شيخ التعاليم أو شيخ العلوم العقلية، علما أن عبد الرحمن ابن خلدون خصص لهذا العلامة ترجمة مطولة في كتابه ''التعريف'' ومما كتب عنه ''.. فلزمت مجلسه وأخذت عنه الأصلين والمنطق وسائر الفنون الحكمية والتعليمية وكان يشهد لي بالبروز في ذلك''. كما أثنى عليه في باب ''المحصل'' كما كتب ابن خلدون سيرة الآبلي منذ نشأته بالأندلس وحياته بتلمسان. كما كتب عنه تلميذه العلاّمة المقري قائلا ''هو الإمام نسيج وحده ورحلة وقته في القيام على الفنون المعقولية وإدراكه وصحة نظره''، كما تحدث عنه في كتبه مشيرا إلى أنه ''أخذ بتلمسان عن أبي الحسن التونسي وأبي موسى ابن الإمام ورحل في آخر السابعة إلى المشرق فدخل مصرا والشام والحجاز والعراق ثم استقر في المغرب وكان عالم السلطان. يبقى الآبلي عالم ديار المغرب والمجدد في العلوم والقائد نحو الحداثة التي سبق بها مفكري عصره.