التقى وفد الوساطة الإفريقي بالعاصمة الليبية طرابلس بالرئيس الليبي معمر القذافي في أول لقاء دبلوماسي من نوعه بين هذا الأخير وخمسة رؤساء أفارقة منذ اندلاع المواجهات المسلحة في هذا البلد منتصف شهر فيفري الماضي. وحمل الوفد الرئاسي الإفريقي إلى العقيد الليبي ''خارطة طريق'' افريقية تضمنت مقترحات سياسية من اجل تسوية الأزمة الامنية من خلال التوصل إلى صيغة توافقية تنتهي إلى وقف لغة السلاح وفتح الطريق أمام حل سياسي لأزمة بلغت نقطة اللارجوع وشكلت شرخا واسعا بين السلطات الليبية والمعارضة المسلحة. وضم وفد المساعي الحميدة الإفريقي الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما ورؤوساء مالي والكونغو وموريتانيا بالإضافة إلى وزير خارجية اوغندا ممثلا للرئيس موسيفيني. وكان الوفد الرئاسي الإفريقي عقد آخر اجتماع تنسيقي بين أعضائه أمس بالعاصمة الموريتانية، حيث جددوا التأكيد على أهداف مهمتهم التي حصروها في وقف فوري للمواجهات واستحداث أروقة إنسانية لإيصال المساعدات الإنسانية في مختلف المدن، بالإضافة إلى فتح مفاوضات بين السلطات الليبية والمعارضة المسلحة بقيادة المجلس الوطني الانتقالي على أمل التوصل إلى تفاهمات لتحديد فترة انتقالية يتم خلالها البدء في إصلاحات سياسية تكون كفيلة بإنهاء الأزمة الحالية. وإذا كان المسعى الدبلوماسي الإفريقي نابع من الدور الذي يتعين على الاتحاد لعبه في مثل هذه الوضعيات المتأزمة فإنّ التساؤل الذي يطرح يبقى حول جدوى التحرك وقد بلغ الشرخ حد القطيعة وأصبح من المستحيل إعادة الثقة المفقودة بين فرقين احتكما إلى لغة سلاح خلفت سقوط مئات القتلى وخراب غير مسبوق في البلاد دون مؤشرات لانفراج قريب. وهو تساؤل يفرض نفسه وقد خرجت الأزمة الليبية من إطارها الإقليمي وأخذت أبعادا دولية تورّطت فيها قوى كبرى وأكبر هيئة عسكرية عالمية ممثلة في حلف الناتو. ورغم أن هذه القوى اعترفت أخيرا باستحالة الحل العسكري كخيار وحيد لتسوية الأزمة فإن الاتحاد الإفريقي لا يملك الضمانات لإنجاح مهمة الوفده الرئاسي، خاصة وانه لا العقيد القذافي ولا المجلس الانتقالي مستعدون إلى حد الآن لطي الصفحة الملطخة بالدماء والجلوس إلى طاولة المفاوضات لبحث المخرج وحقن دماء الليبيين. ثم أن مقاربة الطرفين المتناحرين تذهب إلى طرفي نقيض بما يجعل من مهمة الاتحاد الإفريقي أشبه بالمستحيلة ففي الوقت الذي تصر فيه المعارضة المسلحة على رحيل العقيد الليبي كشرط مسبق لأية ترتيبات سياسية قادمة يصر هذا الأخير على البقاء كزعيم للبلاد و يصف الوضع بالمكيدة الصليبية ضد نظامه. والمفارقة أن تمسك طرفي الأزمة السياسية-العسكرية في ليبيا بموقفيهما يتواصل رغم أنه لا احد منهما قادر على فرض منطقه ومواصلة الحرب التي أتت على الأخضر واليابس في بلد كان يمكن أن يكون من بين البلدان الغنية في العالم بفضل ثرواته الطاقوية الضخمة. فلا قوات الجيش النظامي التي بقيت على ولائها للعقيد الليبي تمكّنت من حسم الوضع عسكريا ولا المعارضة المسلحة تمكنت من الخروج من قوقعتها في مدن شرق البلاد باتجاه العاصمة طرابلس وبقيت الحرب بينهما سجالا بين فر حينا وكر حينا آخر إلى درجة جعلت جل المتتبعين لتطورات الحرب يعجزون على وضع تحليل منطقي لصيرورة الأحداث ولمن ستؤول كفة المواجهة في النهاية. وهو وضع ازداد غموضا رغم التدخل العسكري الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة وحلف الناتو في مواجهة بدت وكأنها محسومة مسبقا لصالح المعارضة المسلحة وان أيام نظام العقيد القذافي أصبحت معدودة لتختلط كل الحسابات في ميدان المعركة وجعلت قيادة الحلف الأطلسي تزداد يقينا بعد قرابة شهر منذ تدخلها في المواجهة أن الحل العسكري لن يحسم الأمور في ليبيا والتلميح كان واضحا أن الدبلوماسية يجب أن تأخذ مجراها كخيار مواز لإنهاء المعارك الدامية في مختلف المدن الليبية.