''الشكر لوالدي الذي أورثني هذه المهنة الشريفة... أتمنى له طول العمر''، هي كلمات أصرت على البوح بها في نهاية حديثنا عن حرفتها التي امتهنتها منذ سنوات، والتي استطاعت بها ان تكون سفيرة للحلي الفضية التي تميز مدينة الشلف. السيدة مليكة غوبالي هي ترجمة لمسيرة امرأة اختارت ان تسلك طريق أبيها من اجل الحفاظ على ارث تعرضه اليوم في كل الولايات، وتفخر بكونه يلاقي إعجابا وإقبالا. التقينا مليكة بقاعة الموقار، حيث عرضت آخر إنتاجها من الحلي الفضية التقليدية والعصرية كذلك. وفي جولة بهذا العالم الجميل الذي تحب كل امرأة السفر فيه، شرحت لنا بداياتها مع هذه الحرفة التي عشقتها وهي طفلة، حين كانت تجلس في ورشة والدها الحاج غوبالي، وهو أكبر حرفي في صناعة الحلي الذهبية والفضية بولاية الشلف. تقول ''كان حبي لهذه الحرفة مختلطا بموهبة ظهرت لدي منذ صغري، وبإرث عائلي كان والدي حجر أساسه، إذ بدأ العمل في هذا المجال وعمره لم يتجاوز الثانية عشرة، والآن تقاعد هو ليستلم أبناؤه المشعل، وإذ اختار إخوتي صناعة الحلي الذهبية، اخترت أنا الفضة لتكون معدن إبداعاتي وانطلاقي في هذه الحرفة''. في محل الوالد اذن، احتكت مليكة بصناعة الفضة، حيث كانت ترقب دقته في العمل واتقانه له، وايضا طريقة تعامله مع الزبائن، الى ان حان وقت اولى خطوة في هذا الميدان كانت نابعة من احساس دفين بداخلها، يقول لها بأن لديها مهمة تتمثل في الحفاظ على هذا الإرث العائلي، الذي بدوره يعكس ارثا ثقافيا وحضاريا للمنطقة. وكانت البداية بتعلمها تقنية التلحيم عبر إنجاز محابس من الفضة، ثم تعلمت كل اسرار هذه الحرفة، لاسيما اللمسات الاخيرة التي تقول انها اهم مرحلة في انجاز أي قطعة. ولهذا فإن والدها اوصاها بإتقان هذه اللمسات. معبرا عن اقتناعه بأن حبها لعملها سينسيها كل المتاعب التي ستعترضها وسيعطيها الإرادة للمواصلة. وجاء اول معرض بعد ان استدعتها غرفة الصناعات التقليدية بالشلف لعرض ما صنعته من حلي، لتبدأ الانطلاقة الفعلية والميدانية لمليكة في هذا المجال، ولأن قطعها نالت الإعجاب، جاء العرض الثاني من طرف مديرية الثقافة الولائية، التي دعتها إلى تمثيل فضة الشلف بعدة ولايات في اطار الأسابيع الثقافية، من بينها قسنطينة وجيجل ووهران والبليدة وتندوف وادرار.. الخ... وعن هذه المشاركات تقول أنها كانت ناجحة، بالنظر الى الإقبال الكبير على منتجاتها، وكذا الإعجاب الذي عبر عنه مكتشفو فضة الشلف بما تزخر به هذه المنطقة من عادات كانت غير معروفة ''في حقيقة الأمر مكنت مشاركاتي في هذه المواعيد الثقافية، من تعريف سكان المناطق الأخرى بتراث الشلف في مجال الفضة الذي كان الكثيرون يجهلونه، فهم يعرفون عادة الفضة القبائلية او الشاوية او التارقية، لكن حلينا مختلفة''. وتتميز الحلي الفضية للمنطقة بكونها مصنوعة من الفضة الخام البيضاء اللون، وتبتعد عموما عن استخدام الأحجار، كما أن النقوش التي تستخدمها مختلفة اذ تعكس تقاليد الشلف، ويتم العمل عموما باليد، رغم ان الآلات دخلت هذا المجال في السنوات الأخيرة، والأهم من ذلك كما تشير محدثتنا، هو ''النية الصافية والعمل المتقن والثقة في التعامل مع الآخرين، سواء تعلق الأمر بالمادة المستخدمة أو بالسعر''. وتوضح بالقول ''لقد ورثت عن ابي مهنة شريفة، وأحرص ان انجح فيها بشرف''. وقد توجت مجهودات مليكة بالحصول على جائزة احسن منتوج في الولاية سنوات 2008 و2009 و2010 من الغرفة الولائية للصناعات التقليدية، التي سمحت لها بعرض منتجاتها مدة ثلاثة اشهر سنويا بمطار الشلف. وفي رواق قاعة الموقار، أطلعتنا مليكة على أهم القطع التي دأبت على صنعها، أهمها ''الخلخال'' و''الرديف المفتول'' و''العصابة'' - وهي التي توضع على الرأس - و''الونايس'' أي الأقراط الكبيرة الحجم، وكذا الأقراط الصغيرة التقليدية، التي يصنع بعضها من الفضة والبعض الآخر من الذهب ومطلوبة كثيرا من النساء الكبيرات في السن اللواتي ألفن التزين بها، دون أن يعني ذلك أنها لا تستهوي الشابات، إذ تؤكد مليكة ان الكثيرات يقتنينها، لكن هذا لم يمنعها من التنويع في حليها واللجوء الى صنع قطع عصرية تستجيب لرغبات الجيل الجديد، لكن دون إغفال الجانب التقليدي الذي يبقى طابعا مميزا لها. وتعترف مليكة ردا عن سؤالنا حول أسباب ارتفاع أسعار الحلي الفضية، أن الأمر راجع خصوصا الى غلاء المادة الأولية، لكنها لا تتردد في الإشارة الى ان بعض التجار يبالغون في تقدير الأسعار، لا سيما في العاصمة. ومهما غلا سعرها فإن الفضة بالنسبة للكثيرين، ليست مجرد معدن ثمين او حلي يتزينون بها، ولكنها ''حام'' لهم من الحسد والعين وكل ضرر غيبي... هكذا يعتقد الكثيرون، وهو ما تؤكده السيدة غوبالي التي تردد القول الشائع عندنا ''الفضة تسمي''. موضحة بأن احترافها لصناعة الفضة فتح أمامها أبواب الخير واوصلها إلى النجاح، وهو ما يدل على صدق هذه الاعتقادات، لكن محدثتنا لم تنس أن تشير الى فضل آخر من الديوان الوطني للثقافة والإعلام الذي ساعدها على عرض منتجاتها بالعاصمة.