بعد الجنوب إفريقي برايتن برايتنباخ، يحلّ الكاتب اللبناني جبور الدويهي ، ضيفا على ''إقامات الإبداع'' التي تنظّمها منشورات ''أكت سود'' بالتعاون مع الوكالة الوطنية للإشعاع الثقافي بقاعة ''فرانز فانون'' في محلة ثانية تمتدّ من 23 أفريل الفارط إلى 18 جوان القادم، بعد أن امتدّت المرحلة الأولى من 27 نوفمبر الماضي إلى 9 أفريل الفارط. ويعدّ الكاتب اللبناني جبور الدويهي شخصية من الدرجة الأولى في الحياة الثقافية، يعرف إنتاجه الأدبي في كامل منطقة الشرق الأوسط، وهو من مواليد زغرتا، شمال لبنان عام ,1949 حصّل دروسه الابتدائية والثانوية في مدينة طرابلس، حائز على جائزة في الأدب الفرنسي من كلية التربية في بيروت وعلى دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة باريس الثالثة (السوربون الجديدة)، وهو أستاذ الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية، كاتب افتتاحيات وناقد أدبي في مجلة ''الشرق اكسبريس'' ومن بعدها في ملحق ''الشرق الأدبي'' الصادرَين في بيروت، وقام بترجمة عدة مؤلفات أدبية وعامة من الفرنسية إلى العربية. وسيناقش صاحب المجموعة القصصية القصيرة ''الموت بين الأهل النعاس''، رواية ''مطر حزيران'' التي نشرت ترجمتها في أفريل 2010 من قبل ''أكت سود''، والتي بنيت على أحداث واقعية، تروي تفاصيل مجزرة وقعت داخل الكنيسة وذلك عبر شهادات عديدة، كلّ واحدة من زاوية مختلفة وبنبرتها الخاصة، وتعتبر ''مطر حزيران'' التي اختيرت في قائمة البوكر العربي لأصالة موضوعها وقوّة كتابتها، مرافعة رهيبة ضدّ العنف، حيث يبحر في جذوره. رواية ''مطر حزيران'' تتناول ''مجزرة مزيارة'' للمرة الأولى منذ العام ,1957 حيث تحمل بالقارئ إلى ذكريات قديمة، تحكمها صور العنف التي عاشتها زغرتا؛ صور نساء يبكين أزواجهن وأقاربهن، ورجال فارين من وجه العدالة، ومصابين في المستشفيات، وأحياء آمنة وأخرى غير آمنة... ويدخل الكاتبُ، بأسلوبه المميّز، القارئَ إلى أحياء زغرتا وبيوتها ويحوّله إلى شاهد على مآسيها ومشارك في أحزانها. وحسب بعض النقّاد فإنّ أهمية هذه الرواية، بالإضافة إلى بُعدها الأدبي، تكمن في أنها تخاطب كل اللبنانيين، ذلك أن حادثة مزيارة تتخطى من حيث مدلولاتها منطقة زغرتا - الزاوية، خاصة بعدما تحّول ''الاستثناء'' الزغرتاوي في ممارسة العنف قاعدة عامة مع انفجار الحرب اللبنانية. فالعنف الذي اندلع في زغرتا، في الخمسينات، شكّل نوعا من التجسيد المسبق للعنف الذي سيطيح كل لبنان بعد العام .1975 تصرفت العائلات الزغرتاوية اتجاه بعضها البعض تماماً كما تصرفت الطوائف اللبنانية في الحرب، بعد أن تمت ''عسكرتها'' تحت شعار الدفاع عن الذات. وجرت في ''الحرب'' الزغرتاوية عمليات قتل وخطف على الهوية، وشهدت البلدة ''تطهيراً'' لأحيائها وفرزاً سكانياً أنهى الإختلاط القائم بين العائلات، كما شهدت أيضاً قيام خطوط تماس شبيهة بتلك التي قسّمت بيروت إلى ''غربية'' و''شرقية''. والأمر الآخر اللافت حسب النقّاد- هو أنّ المجزرة حصلت في كنيسة، أي تحديداً في المكان الذي يرمز إلى المقدّس، وشكّل هذا الحدث الإشارة الأولى إلى أنّ الدين في لحظة استنفار العصبيات يصبح عاجزاً على لجم العن، هذا ما حصل في الحرب اللبنانية بعدما تمّ اختزال الدين في هويات طائفية متناحرة، وجرى إفراغه من مضمونه لتحويله إلى مستند ومبرّر للعنف.. وأهمية رواية جبور الدويهي تكمن أيضاً في أمر آخر، فاستذكار الماضي يطرح على الحاضر أسئلة صعبة وحرجة لا يمكن الهروب منها: ''هل بإمكاننا تجاوز الماضي من دون مراجعته واستخلاص العبر والدروس منه، وهل سيبقى تاريخ الصراعات العائلية مخّزناً في الذاكرة في انتظار أن يأتي من يستخدمه مجدداً في الصراع الداخلي؟''. وللإشارة فإنّه من بين مؤلّفات ضيف ''دار عبد اللطيف'' رواية ''اعتدال الخريف''، (1995) التي حازت على جائزة أفضل عمل مترجم من جامعة أركنساس في الولاياتالمتحدة، وترجمت إلى الفرنسية والانكليزية، إلى جانب رواية ''ريّا النهر'' (1998)، ''عين وردة'' ( 2002) التي ترجمت إلى الفرنسية وستنقل قريباً إلى التركية، وكذا ''روح الغابة'' (قصة للصغار بالفرنسية)، (2001 ) التي حازت على جائزة سان اكزوبيري الفرنسية لأدب الشباب)، و''شريد المنازل'' (2010). وللتذكير، فعن هذه الإقامة الإبداعية، فرصة أمام دار النشر ''آكت سود'' للتعريف بالكتّاب والمؤلّفين الذين ينشرون كتبهم لديها، وتمنح هذه الدورة المخصّصة لمنشورات ''أكت سود'' فضاء لالتقاء الجمهور الجزائري بمختلف المؤلفين القادمين من القارات الخمس، حيث حضر فعاليات هذه الدورة كل من ماتياس اينارد من فرنسا، فاروق ماردام باي من سوريا، مينة تران هوي من الفيتنام، إلى جانب ايملين لاندون من أستراليا وتيم باركس من المملكة المتحدةو بريتن بريتن باشا من جنوب إفريقيا، وغيرهم. وتدخل هذه الفعاليات ضمن نشاطات الوكالة الوطنية للإشعاع الثقافي، التي ما فتئت تنظمها على مستوى فيلا عبد اللطيف في شتى الفنون والثقافات منذ سنة ,2009 بغية تحقيق التبادل المعرفي والثقافي بين دول مختلفة والجزائر، وفي هذا السياق، عرف هذا الفضاء تنظيم العديد من النشاطات الفنية والثقافية، في مقدمتها لقاءين حول المقاومة الفلسطينية للتعريف أكثر بهذه القضية، وكذا للتأكيد على أهميتها وضرورة مواصلتها المسيرة.