نظم مساء أول أمس الأرشيف الوطني الجزائري بمناسبة تحرير مدينة الجزائر من الاحتلال الإسباني في 21 ماي 1529 والذي أدى الى ميلاد الدولة الجزائرية الحديثة تحت قيادة خير الدين بربروس معرضا للوثائق والمعاهدات والصور والخرائط وسلاح البحرية الجزائرية ومحاضرة ألقاها الدكتور محمد دراج أستاذ محاضر بجامعة الجزائر، حضرتها شخصيات وطنية وثقافية وإعلامية بقاعة المحاضرات بالأرشيف الوطني. المعرض الذي أشرف على افتتاحه مساء أول أمس الدكتور عبد المجيد شيخي المدير العام للأرشيف الوطني الجزائري احتوى العديد من الوثائق والصور التي تبين أن الجزائر عند تحريرها من الإسبان تحولت الى دولة قوية في عهد خير الدين بربروس الذي استدعاه الجزائريون في كل من بجاية وجيجل ومن ثم الجزائر العاصمة لتحرير الجزائر من الإحتلال الإسباني الذي جثم على المدن الساحلية الجزائرية، كما تم استعراض الوثائق التي من خلالها راسل الجزائريون السلطان العثماني والوفد الذي رحل الى الأستانة لطلب النجدة من سلطان المسلمين. أما المحاضرة فقد دارت حول تأسيس أيالة الجزائر التي رأى الدكتور محمد دراج أنها لم تكن بالمفاجئة لأن الأتراك أفرادا جاءوا الى غرب البحر المتوسط لإنقاذ المسلمين بعد سقوط غرناطة والأندلس بيد الإسبان ومن ثم وقعت غارات متتالية على السواحل الإسبانية، مما أدى بالإسبان الى احتلال المدن الساحلية الجزائرية كقواعد متقدمة لحمايتهم من مجاهدي البحر، وقد تحالف الإسبان مع الحفصيين في تونس والزيانيين في تلمسان والشيخ »سليم تومي« بالوسط الجزائري. وأكد المحاضر أن تأسيس أيالة لم يتم بقرار مفاجئ نتيجة لوفد تم ارساله إلى أسطنبول لاستصدار قرار سلطاني يقضي بضم الجزائر الى الدولة العثمانية وتعيين خير الدين بربروس واليا عاما عليها برتبة (بايلرباي) كما يتوهم البعض، بل تم ذلك عبر مراحل زمنية طويلة نسبيا، وساهمت الظروف والمتغيرات السياسية التي عاشتها منطقة الشمال الإفريقي والأندلس في نهايتها الى إلحاق الجزائر بالدولة العثمانية على النحو الذي صار معروفا لدى الباحثين. كما أشار المحاضر الى الوفد الذي ارسله أهالي الجزائر لمقابلة السلطان سليم الأول عارضين عليه حماية بلدهم من العدوان الإسباني أنه كان يمثل إحدى الحلقات المفصلية في تاريخ الجزائر رغم أن تلك البعثة لم تكن الأولى ولا الأخيرة في سلسلة الوفود التي تتابعت على اسطنبول، فقد أرسل بيري رئيس الى اسطنبول بين 1514 - 1516 وهو -بيري رئيس ابن أخ كمال رئيس الذي كلفه السلطان العثماني سليم بايزيد الثاني بالإغارة على سواحل اسبانيا حينما استغاث به مسلمو غرناطة. وخلال وجود الوفد الذي يمثل الإخوة بربروس في اسنطبول، وصل وفد من أعيان بجاية الى تونس يحمل رسالة من أهالي بجاية يطلبون فيها تدخل الإخوة بربروس لتحرير مدينتهم من الإحتلال الاسباني جاء فيها: »إن كان ثمة مغيث بعد الله- فليكن منكم أيها المجاهدون الأبطال، لقد صرنا لا نستطيع أداء الصلاة أو تعليم أطفالنا القرآن الكريم لما نلقاه من ظلم الإسبان، فها نحن نضع أمرنا بين أيديكم، جعلكم الله سببا لخلاصنا بتسليمه إيانا إليكم، فتفضلوا بتشريف بلدنا وعجلوا بتخليصنا من هؤلاء الكفار«. كما استعرض المحاضر الأسباب التي أدت الى انضمام الجزائر الى الدولة العثمانية وتأسيس إيالة الجزائر، منها عدم القدرة العسكرية الكافية لمواجهة الإسبان، معرفة خير الدين لموازين القوى في الصراع الإسلامي المسيحي وتخوفه من الزعماء المحليين في الجزائر سواء كانوا أمراء أو شيوخ قبائل أو أعيان بالإضافة الى عدم وجود قوة إقليمية في منطقة الصراع بشمال افريقيا. وخلص المحاضر الى النتائج التي تحققت في تأسيس أيالة الجزائر وهي تأمين حدود مصر الغربية وتوسيع ممتلكات الدولة العثمانية، وجعل الجزائر من قبل الدولة العثمانية ذات وضع خاص، فعرفت بناء على ذلك بنيابة الجزائر التي جعلت منها قاعدة للوجود العثماني في غرب البحر المتوسط فصارت مسؤولة عن إدارة الحكم في طرابلس الغرب، كما خلقت أثر ذلك موجة عامة من الرعب في أوروبا، كما منح خير الدين بعد لقائه بالصدر الأعظم إبراهيم باشا لقب بيكلربك، وهو أرفع المناصب السياسية في الدولة العثمانية والذي كان بمثابة نائب السلطان، وخلص المحاضر إلى أن انضمام الجزائر الى ممتلكات الدولة العثمانية أدى الى بداية مرحلة جديدة في تاريخ الجزائر المعاصر، وبروز الجزائر على ساحة الأحداث الدولية في ذلك العصر، وبعدها فتح المجال للنقاش والاستفسار عن بعض القضايا غير الواضحة.