يؤكد العديد من الخبراء المهتمين بقضايا الطفولة، أن الطفل الجزائري بحاجة للكثير من الاهتمام للوصول بشخصيته إلى بر الأمان بعيدا عن سلسلة المخاطر التي تهدده، فهو ما يزال رغم مجهودات الدولة والمجتمع المدني يعاني من انتهاك الكثير من حقوقه، فمن إيذاء جسدي وسوء معاملة أو إهمال، إلى حرمان عاطفي ومادي.. ومن التسول والتشرد في الشوارع، إلى تشغيلهم في مؤسسات الخواص أو الورشات العائلية في سن يفترض أنهم على مقاعد الدراسة.. أما الطامة الكبرى فهي استغلالهم في شبكات الإجرام.. وفي هذه المحطة العالمية للطفولة المصادفة للفاتح جوان من كل سنة تصح الوقفة للتأمل مع رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطور البحث الدكتور مصطفى خياطي.. - بداية كيف تقيم واقع الطفولة في الجزائر؟ * في الواقع أستطيع القول إنه خلال عشر السنوات الأخيرة كانت هناك العديد من التوجهات والإصلاحات التي أقرها الرئيس بوتفليقة صبت في فائدة الطفل، إذ بالرجوع إلى سنة 1962 الى غاية اليوم نلاحظ أن الاهتمام بملف الطفولة كان أكثر بروزا في عهدة الرئيس بوتفليقة مقارنة بالرؤساء السابقين، إلا أني أعتقد أن واقع الطفولة في الجزائر لا يزال صعبا، لأن المؤسسات الحكومية المكلفة بقضايا الطفولة على غرار وزارة التضامن ووزارة التربية ووزارة الشبيبة والرياضة... لم تكن في المستوى المطلوب من حيث التكفل بالطفل، بسبب غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة. -إذاً برأيك غياب العمل التنسيقي بين الوزارات السبب وراء سوء الاهتمام بالطفل في الجزائر.. ولكن كيف ذلك؟ * نستطيع القول إن مشكل الطفولة منحصر في 17 وزارة، وكل وزارة تحاول من جهتها أن تلبي بعض الطلبات وتغطي بعض المشاكل إلا، أن التباين في عملها الميداني سرعان ما أظهر ضعف الآليات المتبعة للتكفل بالأطفال بسبب غياب التنسيق والتعاون فيما بينها، ومن أجل هذا طالبنا سابقا كمؤسسة تعنى بملف الطفولة بضرورة إنشاء وزارة خاصة بالطفولة، أو أن يتم إنشاء مؤسسة تنسيقية على مستوى الرئاسة أو رئاسة الحكومة، وهذا في الواقع مطلب مزدوج إذ أن هيئة الأممالمتحدة هي الأخرى كانت قد طالبت بضرورة إنشاء مؤسسات تنسيقية بعدما تبين لها أن مشكل التنسيق مطروح في كثير من الدول. -في رأيك ما هي أهم الملفات المطروحة اليوم حول واقع الطفولة بالجزائر؟ * أعتقد أن أهم ملف ينبغي الحديث عنه هو ذلك الذي يتعلق بالأطفال الذين عايشوا العشرية الحمراء، إذ أننا لا نزال نجني ثمار هذه العشرية من خلال السلوكات العدوانية التي يتمتع بها شباب اليوم، فالأطفال الذين كان يتراوح سنهم بين السنتين و15 سنة عايشوا مرحلة العنف، وبسبب غياب استراتيجية للتكفل بهم وقتها باتوا يشكلون خطرا على المجتمع بسبب سلوكياتهم العدوانية، إلى جانب هؤلاء لدينا أيضا ملف أطفال الشوارع الذي يعد وصمة عار على الجزائر، كون عددهم يصل إلى 15 ألف طفل على مستوى الوطن، وهم أيضا من مخلفات العشرية السوداء الذين هربوا من بيوتهم والتحقوا بالمدن فتحولوا إلى أبناء شوارع، دون أن ننسى الأطفال الذين يلجأون إلى الشوارع نتيجة الخلافات الأسرية أو المشاكل الاجتماعية. -ألا تعتقد أن ملف الأطفال من دون هوية يعد أيضا من الملفات الشائكة؟ * بالفعل كثر الحديث مؤخرا عن الأطفال مجهولي الهوية، ما يدعو للتساؤل: ماهو عددهم في الجزائر؟ فمنذ الاستقلال إلى غاية اليوم لا نملك أرقاما واضحة حول عدد هؤلاء الأطفال على الرغم من أن عملية إحصائهم ليست بالصعبة بحكم أنهم يقيمون في مؤسسات عمومية، بل لا نملك أيضا توزيعا جغرافيا لهم حتى تتسنى لنا المساهمة في وضع استراتيجية واضحة للوقاية. وبالتالي أعتقد أن هناك الكثير من المسائل التي ينبغي إعادة النظر فيها، سواء من خلال إعطاء ديناميكية أكثر للقانون الخاص بالسيد أحمد غزالي الخاص بالكفالة، أو من خلال البحث عن سبل أخرى تستهدف حماية الطفل بالدرجة الأولى. - ماذا عن عمالة الأطفال بالجزائر بعد تجريمها؟ * حقيقة تم تجريم عمالة الأطفال، إلا أن الأمر ظل حبرا على ورق، بدليل أن لدينا 15 بالمئة من الأطفال على مستوى الوطن غير متمدرسين على الرغم من أن الدستور والقانون ينصان صراحة على أن التعليم إجباري إلى غاية سن 16 سنة. من جهة أخرى نلاحظ أن هناك فئة كبيرة من الأطفال يتم الدفع بها إلى سوق العمل في سن مبكرة، وهو الأمر الذي غذى نسبة الأمية في الجزائر، فعند حلول موسم الاصطياف مثلا نسجل ما لا يقل عن مليون طفل يعمل، بينما تتراجع هذه النسبة بحلول الموسم الدراسي ليتقلص العدد بين 6 و7 آلاف طفل، ومع هذا يظل الرقم كبيرا ويدفعنا لطرح الكثير من الأسئلة. - ماذا عن الحلول؟ * للأسف الشديد برأيي لحد الآن لم يلق أي ملف من ملفات الأطفال حلولا جذرية على الرغم من أن العشرية الأخيرة التي عاشتها الجزائر شهدت من الناحية السياسية والمؤسساتية اهتماما كبيرا بالطفل، وتخصيص أموال ضخمة من ميزانيات عدة وزارات. ولكن النتائج في الواقع تظل غير مرضية لذا نرفع نداء بصفتنا مؤسسة تهتم بالأطفال ونملك مرصدا لحقوق الطفل بضرورة التنسيق بين الوزارات المعنية بالطفولة وبين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني الذي يلعب دورا مهما في مجال التكفل بانشغالات الأطفال، خاصة وأن التجربة الميدانية أظهرت أن الملفات التي ظلت تحت تصرف الوزارة لم تأت بنتائج مرضية، لذا لابد من إقحام المجتمع المدني للمساهمة في حل بعض المشاكل العالقة، وأعطي مثالا يخص دور الحضانة التي ينبغي أن يتكفل المجتمع المدني بتسييرها، ليقتصر دور مؤسسات الدولة على دعم المجتمع المدني ومراقبة عمله وتوجيهه. - لكن في غياب التنسيق بين الوزارات، هل تعتقد أن المجتمع المدني قادر على التكفل بانشغالات الأطفال بصورة فعلية؟ * نلاحظ في السنوات الأخيرة بروز عدد كبير من الجمعيات الناشطة في مجال الطفولة، سواء على المستوى الولائي أو المحلي، وأظن أن السبب راجع إلى الثغرة الموجودة على المستوى المؤسساتي، اذ من المفروض على بعض الوزارات المكلفة بملف الطفولة كوزارة التضامن مثلا أن تعلن عن أولوياتها في مجال الطفولة مطلع كل سنة، بعدها تقوم برصد ميزانية وتضبط دفتر الشروط وتدعو الجمعيات المهتمة بالعمل في حقل الطفولة إلى تقديم مشروعها لتدعمه الوزارة، إن تم العمل بهذه الطريقة الأكيد أن المجتمع المدني يصبح مؤهلا للنهوض بواقع الطفل الجزائري، وإحداث التغيير، أما إن ظل الحال قائما على دعم جمعيات دون أخرى، فالأكيد أننا لن نتوصل إلى أية نتيجة. - رغم أن الجزائر وقعت على الاتفاقية العالمية للطفولة، إلا أن بعض النصوص القانونية الجزائرية لا تخدم الطفل في كثير من الحالات؟ * لعل من أهم الإشكالات التي نتجت عن توقيع الجزائر للاتفاقية العالمية لحقوق الطفل هي وجود العديد من الإشكالات حول بعض النصوص القانونية الجزائرية التي جاءت مغايرة لتلك المنصوص عليها بالاتفاقية، فمثلا عند تعريف الطفل نجد أن الاتفاقية العالمية للطفولة تحدده من 0 إلى 18 سنة، بينما بالرجوع إلى مختلف النصوص القانونية الموزعة عبر مختلف القوانين نجد تناقضا صارخا، فقانون العمل مثلا يحدد سن العمل ب16 سنة، بينما يحدده القانون الجزائي ب18سنة، أما الخدمة الوطنية تقر السن ب 19 عاما.. وهو ما جعلنا نتساءل كيف نعرف الطفل في التشريع الجزائري؟ الأمر الذي دفعنا إلى المطالبة بضرورة إعادة النظر في النصوص القانونية الخاصة بالطفل والعمل على تكييفها مع الاتفاقية العالمية للطفولة، فضلا عن ضرورة صياغة قانون خاص بالطفل ليسهل الاطلاع على النصوص الخاصة بالطفل ولإزالة التناقض الصارخ بين مختلف النصوص القانونية. - إلى جانب التناقض بين نصوص الاتفاقية العالمية للطفولة والقانون الجزائري، هل احتوت الاتفاقية على نصوص لم يتناولها القانون الجزائري؟ *في الواقع وجدنا بعض التضارب بين ما جاء في الاتفاقية العالمية للطفولة وبين القانون الوضعي الجزائري، ولكن هذا لا يعني أن الاتفاقية كانت سباقة في بعض القوانين الخاصة بالطفولة، لأن الجزائر أدرجت بعض النصوص التي تحمي الطفل قبل ذكرها بالاتفاقية بفارق زمني كبير، فمثلا فيما يخص الأطفال المعاقين كانت الجزائر سباقة في إدراج منحة خاصة بهم مقارنة بعدة دول، إضافة إلى تناول التكفل بالجانب الوقائي للأطفال المعاقين. - عموما، كيف تقيم واقع الطفل بالجزائر؟ * حتى أكون دقيقا أستطيع القول بأن من بين ثلاثة أطفال في الجزائر هناك طفل واحد فقط يعيش طفولته كما يجب، وبالتالي فإن الطفل في الجزائر لا يعيش طفولته كما ينبغي بل على العكس نجده ينتقل من سن 5 سنوات الى مرحلة المراهقة مباشرة، وبالتالي فإن أحلى مرحلة ينبغي أن يعيشها الطفل تمر عليه وكأنها غير موجودة لعدة أسباب طبعا. منها أنهم لا يملكون أماكن للعب وهذا ابسط الحقوق فلدينا بلغة الأرقام طفل من بين ثلاثة يمارسون الرياضة بصورة منتظمة على الرغم من أننا طالبنا فيما مضى بضرورة أن تلتزم المؤسسات التربوية بفتح المدارس خارج أوقات الدراسة حتى يتسنى للأطفال اللعب في ساحات المؤسسة، إلا أن طلبنا لم يؤخذ بعين الاعتبار. - ما الذي تتمناه أخيرا للطفل الجزائري ولكل أطفال العالم؟ * أقول في البداية إن الجزائر تملك إمكانيات ضخمة وهي قادرة على تغيير واقع الطفل الجزائري نحو الأفضل. ولأن المناسبة هي العيد العالمي للطفولة أتمنى أن يتمكن كل أطفال العالم من أن يعيشوا أحلى سنوات طفولتهم لنبني مجتمعات صالحة.