تبدأ حقوق الإنسان من حقوق الطفل، ولكل طفل مهما كان مستواه المعيشي حق في العطلة والراحة بعد سنة كاملة من الكدّ والاجتهاد، وحتى تكون العودة إلى مقاعد الدراسة بكل القوى العقلية، الجسدية،النفسية والتي تعتبر من العوامل الرئيسية في العملية التربوية، لمن يريد تحقيق نتائج إيجابية والتميز، خاصة الأطفال المقبلين عل خوض غمار الإمتحانات، إلاّ أن الواقع الميداني بوهران يؤكد عكس ذالك فالعطلة الصيفية تحوّلت من عطلة للراحة والاستجمام إلى ساحة للاجتهادات الشخصية بالنسبة للطفل بغية تلبية حاجاته الآنية ومساعدة عائلاتهم الفقيرة، والكثير من الآباء لا يدركون أنّ الطفل عندما يشغّل صغيرا ويتحمّل المسؤولية قبل السن القانوني سيقضي على مراحل نموّ أساسية في تكوين شخصيته، فينمو وكلّه أمراض نفسية، عقلية وجسدية يصعب تصليحها في كبره وهوما وقف عند ه علماء النفس، الإجتماع والأطباء. ..وعندما يتحول الفقر إلا سلاح لقتل البراءة في الأطفال فقد وجد المئات من الأطفال بوهران أنفسهم فقراء لا حولة لهم ولا قوة، فأجبرتهم الظروف الاجتماعية والمادية القاسية للنزول إلى عالم الشغل في سن مبكر أوالتسول والجري وراء شاحنات التفريغ للبحث عن البلاستيك أو الحديد أو النحاس وكل ماهوصالح للبيع ليجعل آخرون من القمامة سوقا خاصا بهم ومصدرا لقوتهم، في الوقت الذي يتعرض فيه الكثير منهم إلى استغلال عل طريقة العبيد في أشغال البناء والحمل والنقل والفلاحة ومجلات أخرى وبأثمان زهيدة، غير مبالين بالأخطار المحدقة بهم التي يتحمّل في الأخير مسؤوليتها الآباء في الدرجة الأولى ثم المجتمع. ورغم أن الجزائر صادقت على كل الاتفاقيات والقوانين الخاصة بحماية الطفل إلاّ أنّ الطفل في الجزائر لا يزال مهمّشا ومقصيا تماما، ولا تزال البنود والقوانين والاتفاقيات المتعاقبة بعيدة كل البعد عن الواقع المعاش، وقد جاء بصريح العبارة في المادة 27 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها الجزائر في ال19 ديسمبر 1992 "أن الدولة تعترف للأطراف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي ويتحمّل الوالدان لوحدهما أو الأشخاص الأخرى المسؤولة عن الطفل مسؤولية أساسية في حدود إمكانياتهم المالية وقدراتهم بتوفير وتأمين المعيشة اللازمة للطفل". فرص الشغل المفتوحة وراء ارتفاع مؤشرات التسرّب المدرسي وتوفر فرص العمل جعلت الكثير من الأطفال يتركون مقاعد الدراسة في سن مبكّر وككل دخول مدرسي جديد تسجّل الجيهات الوصية قائمة غير منتهية من المتسرّبين بالرغم من أن الجزائر الدولة الوحيدة التي فيها التعليم مجاني، وقد يرجع السبب أيضا إلى لا مبالات الأولياء خاصة بالمناطق الريفية والمعزولة، هذا وجعل الكثير من المختصّين من الفقر والحرمان السبب الأول في حرمان الأطفال من التعليم كحق الدستوري،ولعلّ الظرف المادية والاجتماعية القاسية خاصة بالمناطق البعيدة عن المؤسسات التعليمية ما جعلت الكثير من الأطفال لا يلتحقون بمقاعد الدراسة وخاضة فئة البنات منهم. خاصة وأن منحة الدخول المدرسي المقدرة ب3000 دج ولا تكفي لموسم دراسي كامل حتى وإن كانت الكتب مجانية. وقد جاءت قوانين حماية الطفل لتحضينه بمنضومة تشريعية يصعب اختراقها وحمايته من كل أنواع الاستغلال والانتهاكات، وقد جاءت اتفاقية العمل الدولية رقم 182 للحث على القضاء على أسوء أشكال عمل الأطفال تمهيدا للقضاء التام والكلي على كل أشكال عمل الأطفال، وقد أكّدت هاته الاتفاقية على أهمية التعليم الأساسي المجاني وإعادة تأهيل الأطفال العاملين ودمجهم اجتماعيا مع العناية بحاجيات أسرهم.كما أكدت بأن الفقر هوالسبب الرئيسي لعمل الأطفال وإن الحل يكمن في تعزيز النمو الاقتصادي للدول، وحددت عددا من هاته الأعمال، نذكر منها الرق بكافة أشكاله وأنواعه والعمل ألقسري واستخدام الأطفال في الأنشطة غير المشروعة وخاصة في المخذارات والتجارة بها وكل الأعمال التي تضر بفعل طبيعتها أوالظروف التي تزاول فيها بصحتهم وسلامتهم أوسلوكهم الأخلاقي، وألزمت كل دولة وضع قائمة بهذه الأعمال ومراجعتها بشكل دوري. مجتمع مادي...والطفل هو الضحية ولأن المعيار المادي تغلّب على المبادئ الإسلامية وحطمت كل قواعد القيم الأخلاقية زجت الكثير من العائلات بفلذات أكبادها أمام مرأى العام والخاص إلى شارع لا يرحم، ولأسباب متعددة وجد الأطفال في الأرصفة والشارع مسكنا لآلامهم ومأوى للكثير منهم ومصدرا لرزقهم بامتهانهم لأنشطة أقوى من أجسادهم الهزيلة وقدراتهم العقلية، فإن لم يكونوا الخطر بعينه أومصدرا لاعتداءات عشوائية فإنّهم يستغلون من قبل عصابات منظمة في أعمال السرقة ومتاجرة جسدية دنيئة. وهران الأولى وطنيا في انحراف الأطفال وتشير آخر الإحصاءات أن عدد الأطفال في الجزائر تجاوز ال10 ملايين طفل، وأن نسبة الأطفال ما دون ال18 عاما بلغت نحو63 بالمائة، في حين يمثل الأطفال الأقل من 5 سنوات نسبة 20 بالمائة. وباعتبارها جيل المستقبل وعصب البلاد يفترض أن تخصّ برعاية واهتمام وحماية بالغة إلاّ أنّ الواقع المرئي يؤكد عكس ذالك، فإن كان إبن الغني والمكتفي ماديا يستمتع بالعطلة الصيفية ويستغل كل دقيقة فيها بين اللعب والمرح والاستجمام وفي منزل يتوفر على كافة شروط الحياة الإنسانية، فابن الطبقة الهشة من المجتمع الأيام عنده سواء ولا فرق بين عطلة ودراسة فحتى منابع الحب والحنان محروما من الشرب منها وككلّ عطلة شتوية،ربيعية أوصيفية يشمّر على ذراعيه لمواجهة تحيات أكبر من طاقته فقط لأجل كسب بعض الدنانير لمساعدة عائلته والتحضير للدخول المدرسي،أوربّما لشراء ألبسة عيد له ولإخوانه خاصة وأنّ فرص العمل متوفرّة في القطاع غير الرسمي أوما يعرف بالسوق الموازية وهذه السوق في الغالب غير مراقبة وخارج عن مهام مفتشية العمل وأمام هاته الحرية يفضل أرباب العمل تشغيل الأطفال بأثمان زهيدة بعيدا عن كل القوانين التشريعية المنضمة لسوق العمل باعتباره الجنس الضعيف الوحيد الذي لا يمكن أن يدافع عن حقوقه. وحتى نكون في كتابتنا أكثر موضوعية فإن الكثير من الأطفال الذين نراهم يوميا عبر الشوارع محملين بأكياس البلاستيك وأمام علب من السجائر والحلوى وغيرها هم من عائلات مكتفية وما العمل عندهم إلاّ وسيلة للتقليد ومحاولة منهم للبرهان على أنّهم على قدر المسؤولية. مشاريع الأطفال خارج دائرة الاستثمار والفراغ أزّم الوضع ولأن المجتمع الجزائري تغلب عليه المعيار المادي، فإن المشاريع والاستثمارات التي لها علاقة مباشرة بالأطفال آخر ما يفكر فيه رجال المال والأعمال، ما جعل الأطفال يتوهون في عالم الفراغ ودوامة لا مخرج زاد الفقر الحاد في فضاءات التسلية والترويح عن النفس من اتساع رقعته. ويكفي أن نذكّر بما جاء في المادة 31 من اتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي تؤكّد أنّه "لا بدّ علينا كمجتمع توفير كل مستلزمات الراحة والترفيه للطفل". في الوقت الذي لا تتوفر فيه المدينة الاقتصادية السياحية وعاصمة الغرب الجزائري بل بكل الغرب الجزائري إلاّ على مركب ترفيهي واحد بالحمري ألعابه أكل عليها الدهر وشرب، أما تسعيرة الألعاب فقد تعدّت الحدود الحمراء ما جعل الأطفال والعائلات أمام الغلاء الذي زحف مؤخرا إلى وسائل النقل يتفرّجون من وراء القضبان. وكل من له علاقة من بعيد أومن قريب بعالم الطفولة الناصع البياض أكّدوا أن الفراغ وانعدام المشاريع التي لها صلة مباشرة بالطفولة تعد من الأسباب الأولى في الخروج إلى الشوارع وتقليد من هم أكبر سنا والمتشردين في العمل والانحراف والتصرفات العشوائية،وتساءل محدثون من مختصين في الاجتماعات متعجبين كيف لمدينة بحجم وهران أن لا تتوفر إلا على مسبح واحد بإيسطوا بعدما سدّت أبواب مسبح سيدي الهواري، وفي الوقت الذي لا بد فيه مقارنة حجم الباهية أن يكون هناك أكثر من 500 روضة بوهران، لا تتعدى اليوم عدد رياض الأطفال ال174 روضة، ونتحدّث هنا من الناحية الرسمية. والمذهل أنه كانت توجد روضة واحدة فقط سنة 1999. وعلى عكس الدول المتطورة وحتى البلدان المجاورة فإنّه وحسب العقلية الجزائرية فالعطلة الصيفية لا تتعدى البحر والرمال ضاربين بالمطالعة والتثقيف عرض الحائط بل حتى السياحة الجبلية والغابية التي تعتمد عليها اقتصاديات الكثير من الدول الغنية والفقيرة فإنها بالجزائرعامة وللأسف خارج أجندة العائلات، وحتى الجهات المسؤولة رغم الثروات والمؤهلات الطبيعية التي تزخر بها، وحتى وإن فكّرت العائلات فيها، فلا يمكن في ظل غلاء المعيشة وانعدام الدخل عند الكثير أن ينظموا رحلة من هذا النوع والتي قد تكلف ميزانية بأكمله. عندما ينزع رداء البراءة...الانحراف هو الستار وأجمع المختصون في مختلف المجالات أن الشارع هو المعهد الأول لتكوين المنحرفين من الأطفال وصناعتهم من كل النواحي ليكونوا في المستقبل مجرمين ومنحرفين على طريقة المافيا، بداية من تعاطي المخدرات إلى المتاجرة بها واعتناق مختلف أنواع الجريمة، بعد أن صارت هاته الفئة الستار الحصين لتجار المحذرات حتى لا تثير انتباه مصالح الأمن والمراقبة،وتكشف أرقام المديرية الفرعية لحماية الأحداث والفئات الضعيفة بوزارة العدل عن وجود ما يقارب 600 حدث حسب إحصائيات 2009 عبر مختلف المؤسسات العقابية وأكدت أن الأطفال تحت سن ال13 يكونون تحت تدابير الحماية وليس السجون، وفي حالة ما فشلت تلك التدابير عندما تخصّص لهم حينها أجنحة خاصة، وتتوفر الجزائر على مركزين من هذا النوع الأول يقع بسطيف والثاني في قديل بوهران. وتؤكد التقارير الأمنية أن ولاية وهران تحتل المرتبة الأولى وطنيا في الانحراف وعدد المتسربين وضحايا العنف الجسدي، باعتبار أن وهران ملجأ للعديد من الأطفال المتشردين من مختلف الولايات المجاورة ولا يزال مركز إعادة التربية ذكورالواقع بحي جمال الدين يحصي 26 شابا من سن 10 إلى19 سنة وتصل طاقة استعابه سنويا من 200 إلى 300 شابا. وبلغ عدد الفتيات بمؤسسة إعادة التربية بوهران 40 سجينة. النظرات الحزينة جعلت العاطفة تسمو على القانون والظاهر أن العاطفة تغلّبت على تطبيق القانون وتسليط العقوبات، فوجوه الأطفال البريئة ونضارتهم الحزينة وتوسّلاتهم المشفقة وأسرهم المعوزة جعلت الحروف من دون نقاط وهوالإعجام الذي يميّز عالم الطفولة بوهران ومختلف المدن الجزائرية فحتى رجال الأمن والهيآت المسؤولة على هاته الشريحة كثيرا ما تقف عاجزة أمام هاته المظاهر، وكثرة هم اللذين يتعمّدون شراء ما يبيعه هؤلاء من أشياء بسيطة مهما كانت نوعيتها عبر الأرصفة والطرقات بدافع الشقفة والرأفة لا غير، وهو ما جعل الكثير من الآباء يجعلون من أطفالهم وسيلة للتسوّل لكسب الأموال في مدّة قصيرة، بل صاروا يستأجرونهم لمثل هاته الأعمال التي يعاقب عليها القانون ويرفضها الدين الإسلامي. الاستعداد النفسي والعملية التربوية والتحصيل الدراسي عملة واحدة سيدقّ جرس العودة إلى المؤسسات التربوية ولا شكّ أن الاستعداد النفسي والتربوي ودور الأولياء في العملية التربوية كلّها عوامل تساهم في التحصيل الدراسي وتحقيق النتائج الإجابية.ولا يمكن أن ننفي حقيقة مفادها أنّ البحر والرمال الذهبية والغابات والجبال لمن استطاع إليه سبيلا،ففي الوقت الذي تقضي فيه اليوم الكثير من العائلات رفقة أطفالها ما تبقى من أيام العطلة الصيفية بين الاستجمام والراحة والتجوال الكثير من العائلات لم يتعرفّوا بعد على معنى الحياة الكريمة ولم يذوقوا طعم الهناء والاستقرا، ومن البديهي أن يجعل الأطفال الفقراء والمعوزين من الشارع مأوى لهم ومصدرا لرزقهم متحدّين سنهم ونضرات الشارع القاسية، فحتى منازلهم لا تتوفر على أدنى شروط العيش الكريم فما بلك بالمثيرات التي تجلب أعين وعقول الأطفال على غرار الألعاب المنزلية والأنترنيت والتي بإمكانها أن تجعل الطفل يطلّق الشارع وكل الأفات. والقضية... قضية الجميع ولا بد من تكاثف الجهود شعبا وقيادة لتكوين مجتمع تسوده القيم والأخلاق للتخلّص من قيود المادة، والتخلص من كل أنواع ظواهرعمالة الأطفال واستغلال براءتهم في أعمال أقوى من قدراتهم الفكرية والبدنية انطلاقا من الأباء مرورا بالمجتمع المدني والجيهات المسؤولة،ولابد من تشديد العقوبات على كل من لا يحترم القوانين الني شرعها المشرع لحماية هاته الشريحة المغلوب على أمرها، وقد وضعت الدولة مؤخّرا استراتيجية وطنية شاملة لحماية الأطفال تبدأ بتشديد العقوبات على المخالفين على المخالفين وإشراك كل المنضمات العالمية ومراكز رعاية الشباب والحركة الجمعوية وتبقى مفتشية العمل الهيئة التي بإمكانها تأدية أدوار فعّالة في المجتمع بحكم طبيعة مهامها في حماية الطفولة، ولا يفوتنا أن نشير بأن مديرية النشاط الاجتماعي بوهران سبق وأن صرّحت أنها نصبت خلية متابعة لعمالة الأطفال في إطار مهامها من خلال تسخير أعوان للقيام بعملية مسح شاملة لكل الحالات الموجودة بوهران، لتوصل كمرحلة ثانية الحالات التي فيها استغلال حقيقي لمفتشية العمل والعدالة. ولا يزال القائمون على شؤون هاته الفئة يعلى أن الطفل ي الجزائر بحاجة إلى المزيد من العناية والاهتمام نضرا للظروف السيئة التي تعيش فيها الكثير من العائلات بالمناطق النائية والمعزولة من الجزائر شرقا وغربا، شمالا وجنوب.