إن وصول المرأة الجزائرية إلى مراكز صنع القرار ما يزال مطلبا تناضل من أجله هذه المرأة منذ عدة سنوات، حيث أن معطيات الساحة السياسية تشير إلى أن تمكين المرأة سياسيا مازال جد محتشم، ولم تحظ باهتمام كبير على أجندة الأحزاب السياسية بصفة عامة.. ونتيجة ذلك استمرار إشكالية مدى مشروعية مشاركة المرأة في الحياة السياسية للبلاد رغم مشروع دولة العصرنة والانفتاح.''المساء'' التقت ببعض المناضلات السياسيات خلال ندوة صحفية بمنتدى ''المجاهد'' فكانت هذه المعطيات. قدمت المرأة الجزائرية عدة تضحيات قبل وبعد الاستقلال وسجلت حضورها تاريخيا في عدة مجالات، وفي المقابل يبقى تواجدها في مواقع صنع القرار بنسبة جد ضعيفة لا تتجاوز 3 بالمائة، مما يطرح انشغال التهميش الذي تمارسه الكثير من الأحزاب السياسية حسب شهادة بعض النساء اللواتي خضن تجربة العمل السياسي.. فهنالك عوامل وأسباب كثيرة تعيق عملية مشاركة المرأة في العملية السياسة وعدم تواجدها بالدرجة المطلوبة في مواقع صنع القرار، منها تبعا لرأي نائب رئيس لجنة الصحة والتربية والإعلام بالمجلس الشعبي الوطني وريدة أيت مراد، عدم رغبة مسؤولي الأحزاب السياسية في ترقية المرأة رغم خطاب رئيس الجمهورية في 8 مارس 2008 الذي أقر فيه بضرورة ترقيتها من منطلق أن مسؤولي الأحزاب السياسية لا يريدون ترقيتها. وتتابع المتحدثة لتبرز أن المرأة الجزائرية حاضرة بقوة وبعدد يفوق عدد الرجال في عدة قطاعات، لكن عندما يتعلق الأمر بالممارسة السياسية ومراكز القرار نجد العدد جد قليل، الأمر الذي يستدعي سن قانون يجبر مسؤولي الأحزاب على ترقية المرأة صاحبة الكفاءة. وفي هذا الصدد تطرح رئيسة الاتحاد العام للنساء الجزائريات نورية حفصي تساؤلات مفادها: هل المرأة هي من تعزف عن الممارسة السياسية وتولي المراكز القيادية، أم أن الأمر يرتبط بالإرادة السياسية للدولة والأحزاب السياسية التي ترفض مشاركة المرأة في العمل السياسي؟ يجب على مسؤولي الأحزاب الذين يرفضون ترشح المرأة خوفا من منافستهم على مراكزهم تغيير قواعد اللعبة، وإلا كيف يمكن الحديث عن الديمقراطية في غياب النصف الآخر للمجتمع؟ تضيف السيدة نورية حفصي التي تدعو إلى تحسيس المرأة وتوعيتها بأهمية المشاركة في العمل السياسي.أما نائب رئيس المجلس الشعبي الولائي لولاية الجزائر حورية أولبصير، فترى أن المرأة في الجزائر المستقلة استفادت من عدة حقوق كحق الانتخاب، واقتحمت عدة مجالات، حيث أنها تتواجد بقوة في الجامعات وبعض قطاعات العمل، لكن في المقابل تحرم الكفاءات النسوية من الاستفادة من مناصب المسؤولية، ذلك أن القوانين الاجتماعية التي يفترض أن ترافق التوجه نحو اقتصاد السوق غير موجودة. وتقول عضو حزب العمال نادية شويتان إن المعروف تاريخيا هو أن المرأة كانت تصدر قرارات منذ القدم والمرأة البربرية الكاهنة أحسن مثال على ذلك..وفي الجزائر كانت للمرأة مشاركة فاعلة إلى جانب الرجل قبل وبعد الاستقلال. ودعت إلى ايجاد ضمانات لحماية المرأة العاملة من التحرش الجنسي وضمان حقها في ممارسة العمل النقابي، لافتة إلى أن الحقوق التي كفلها الدستور للمرأة تبقى خطوة غير كاملة في وجود عدة عقبات تؤثر عليها. وعلى ضوء هذه المعطيات تدعو المناضلات السياسيات إلى تطوير مشاركة المرأة في الأحزاب للوصول إلى المراكز القيادية وقمع الذهنيات التي تكرس سيادة التسلط الذكوري على ادارة الدولة ومؤسساتها واحتكار المناصب العليا من قبل الرجال. وبحسب ما ورد في أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في العلاقات السياسية والعلاقات الدولية بعنوان ''الحركة النسوية ومسار التحول السياسي في الجزائر'' للدكتورة شبيلة العايب، فإن طبيعة علاقة الحركة النسوية بالسلطة السياسية في الجزائر تأثرت إلى حد بعيد بكل السلبيات التي واكبت تطور النظام السياسي، حيث عبرت عن محدودية دور المؤسسات الوسيطة في عملية صناعة القرارات في الجزائر. وكما عانت الفئة النسوية من تهميش سياسي في عهد الأحادية، فإنها عانت أيضا من الانعكاسات السلبية للذهنية المتخلفة المحافظة، والتي كان تأثيرها أقوى من قوة قواعد الدستور السياسي أو قوانين دولة مشروع العصرنة والانفتاح. ما يؤكد فكرة أن تحقيق تغيير فعلي في دور الحركة مرهون بتغيير الذهنيات التي تحول دون التعامل مع قضية المرأة بنظرة واقعية. وبرأي الدكتورة تتسم المشاركة السياسية للمرأة بالازدواجية التي تطرح مسألة العلاقة المنفصمة بين الفكر والممارسة. فبينما تبقى طرفا فاعلا في التنشئة الاجتماعية في المحيط الأسري، تطرح على صعيد آخر إشكالية مدى مشروعية مشاركتها في الحياة السياسية للبلاد عندما تنتقل إلى المجال العام.وتجد هذه الوضعية - تبعا للمصدر - أسباب استمرارها في هشاشة النسق التنظيمي لتشكيلاتها، وفي تدني مستوى الروح النضالية داخل صفوفها، وكذا في الصراع حول الزعامة ما بين النخب القائدة لها، مما سهل عملية تجزئة صفوفها وإمكانية احتوائها من قبل الأحزاب السياسية-.