لم يشتغل علماء المغرب الإسلامي بالعلوم الشرعية والعقلية المنطقية فقط، بل تناولوا أيضا علوم اللغة كما تناولها أهل المشرق مثل ابن هشام، فقد أنجب المغرب علماء في العربية منهم العلامة محمد بن محمد بن داوود الفاسي الصنهاجي المشهور بابن آجروم. اهتم أهل المغرب الإسلامي باللغة العربية باعتبارها مفاتيح لمغالق الشرع، فبها يفهم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، يقول العلامة محمد بن أحمد الزروق في مقدمة شرحه للمقدمة الصنهاجية »الأجرومية« وقد شرحها ثلاثة شروح، قصير ووسط وشامل: »أعلم أن كل من كان معقولا فبرهانه في نفسه، فلذلك لايحتاج الى معرفة إلا من حيث ذلك كونه كمالا فيه، وأما ما كان منقولا فموكل إلى أمانة ناقله، فيلزم تعريفه والبحث عن حاله... وإن الفقه والنحو كل منهما منقول معقول تغلب فيه شفاهية النقل، لأن البعض كالكل في ذلك، فيلزم تعريف المؤلف'' ويحيلنا محمد بن احمد الزروق لمعرفة حياة العلامة محمد بن آجروم إلى النظر في »الراعي« و»الماكودي« في مولده ونسبه ووفاته، ثم يمضي ليعرفنا على مذهبه فيقول »إنه على مذهب أهل الكوفة في النحو، لأنه عبر بالخفض، والأمر مجزوم، وذكر في الجوازم كيفما في حروف واو رب، وعبر بالنعت ولم يترجم لعطف البيان«. ويضيف الشارح في التعريف بالمدرسة التي ينتمي إليها ابن آجروم الصنهاجي بقوله: »وحد الإعراب على القول بأنه معنوي، وقال في »لا« تنصب النكرة من غير تنوين«. أما ما وجد في مقدمته على مذهب البصرة قوله: »وأقسامه أربعة، وغيرهم (البصريون) ثلاثة بإسقاط الجزم، والأفعال ثلاثة، قالوا (البصريون) قسمان، وقوله المذكور قبله فعله يجوز تقديم الفاعل على فعله، وقوله العارب عن العوامل اللفظية قالوا مرفوع بالخبر، وفي كان ترفع المبتدأ، قالوا: مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول كان وفي رفع إن كذلك«.
محمد ابن آجروم هو محمد بن محمد بن داوود الصنهاجي، عرف بابن آجروم الصوفي صاحب الأمانة والصلاح، صنع هذه المقدمة بالكعبة الشريفة ولد عام اثنين وسبعين وست مائة، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة. فمحمد بن محمد ألف الأجرومية في الكعبة وعرف بالتصوف وآجروم بالأمازيغية تعني »الفقر والتصوف« وفي معنى آخر تعني الخبز »آغروم« هذا العلامة المغاربي في النحو كان دافعه التبحر في علوم الشريعة الإسلامية ولا يمكنه ذلك إلا إذا تبحر في العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم لقوله تعالى »قرآنا عربيا« ولقول عمر رضي الله عنه: »إعراب القرآن أحب إليّ من حفظ بعض حروفه« وعنه رضي الله عنه »تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل المروءة«، وفي كتاب الإفادة: »علم العربية من أعظم العلوم نفعا، إذ به تجول في ميدان الأطراس أفراس الأقلام، ويفرق به بين الصحيح والسقيم من الكلام هو مفتاح العلوم، ومصباح الفهوم« وقال مالك بن أنس رحمه الله: »لوصرت من الفهم من العلم في غاية، ومن العلم في نهاية فإن ذلك يرجع إلى أصلين، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولاسبيل إليهما، ولا الرسوخ فيهما إلا بمعرفة اللسان العربي، به أنزل كتاب الله ونهج لعباده أحكامه، وقال عليه السلام »أحب العربية لثلاث، لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي«، ومدحه الله تعالى فقال: »بلسان عربي مبين«، وقال أبوحيان في مطولته: ''هو العلم كالعلم شيئا تراوده لقد فاز باغيه وأنجح قاصده وما فضل الإنسان إلا بعلمه وما امتاز إلا ثاقب الذهن واقده وقد قصرت أعمارنا وعلومنا يطول علينا حصرها ومكائده وفي كلها خير ولكن أصلها هو النحو فاحذر من جهول يعانده به يعرف القرآن والسنة التي هما أصل دين الله وأنت عابده''
محمد بن آجروم اشتغل على النحو لمعرفة كلام الله وسنة نبيه كما سبق أن بينا، لأنه لا يمكن التبحر في العلوم الشرعية إلا بمعرفة اللسان العربي، وذلك من خلال النحو كما قال فخر الدين الرازي: ''معرفة النحو والتصريف فرض كفاية، لأن معرفة الأخطاء الشرعية واجبة بالإجماع، ومعرفة الأحكام بدون معرفة أدلتها مستحيل، فلابد من معرفة أدلتها، والأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة وهما واردان بلغة العرب، فإذا توقف الحكم بالاحكام على الادلة، ومعرفة الأدلة تتوقف على معرفة اللغة والنحو والتصريف وما يتوقف عليه الواجب المطلق، فمعرفة اللغة والنحو والتصريف واجب«. وهذا الواجب هو ما عمل به الإمام العلامة محمد بن داوود الصنهاجي صاحب الأجرومية رحمه الله، وله عدة مصنفات منها »شرح حرز الأماني« ويعرف بشرح الشاطبية. توفي رحمه الله بمدينة فاس سنة 723 هجرية. وبهذا العلامة يكون المغرب العربي أنجب علما من أعلام العربية وقلما ما يزال الناس يلهجون بذكره.