يؤكد بعض المجاهدين والكثير ممن عاشوا فترة الثورة التحريرية أنهم استقبلوا استقلال الجزائر في 5 جويلية 1962 يبكون ويغنون نشيد »إخوني لا تنسوا الشهداء« بعدما فضلوه حتى على النشيد الوطني، وهذا لتحية أرواح الشهداء الذين دفعوا ثمن هذا الاستقلال، النشيد بقي حيا يردد في كل المناسبات، إلا أن صاحبه ظل مهمشا منسيا يبحث عن الاعتراف والتكريم ولا يجده. ظل الفنان محمد سليم غائبا، رغم حضور رائعته وأعمال فنية أخرى له، إذ لم تبادر الجهات المعنية يوما إلى الاتصال به قصد تكريمه، ما عدا تكريم خاص بادرت به السيدة قلي راضية التي كرمت قبله بعض الفنانين القدامى، منهم مصطفى سحنون وشريف قرطبي -رحمه الله- ثم محمد سليم، وهو الأمر الذي أسعده كثيرا وعوضه عما ناله من نكران. المشوار الفني لمحمد سليم تجاوز ال 60 عاما عرف الفنان بنشيده الخالد »إخواني لا تنسوا الشهداء« الذي كان أول من أداه والذي بقي معبرا عن تضحيات الشهداء، علما أنه يقدم مجهول النسب والهوية، إذ غالبا ما يسقط إسم محمد سليم من النشيد. الفنان ناقم على وضعيته، خاصة بعدما كلّ وتعب من طرق أبواب المسؤولين، وهو الرجل الذي بلغ من العمر أكثر من 76 سنة لم ينل سوى الوعود. في حديثه ل»المساء« يقول »طرقت كل الأبواب وفي مقدمتها وزارة الثقافة، حيث استقبلني المسؤولون فيها وعلى رأسهم السيدة زهيرة ياحي (رئيسة الديوان بالوزارة)، حيث أهدتني علبة أغاني الراحل أحمد وهبي، لكنها نسيتني بعدها، إذ تم تكريم زملائي كالعماري والراحل قروابي ولم يرد إسمي معهم. بعضهم طلب مني تحضير ملف وكان ذلك بالضبط ما قمت به، مرفوقا بأشرطة من أغاني وألبوم صور نادرة سلمته لسكرتيرة السيدة ياحي، وبعد 3 أشهر من الصمت اتصلت أنا، لتؤكد السكرتيرة أن ما قدمته سلم للأرشيف، لكن اتضح بعدها أنه ضاع تماما، الأمر الذي أبكاني، كما أكدت السيدة ياحي أنها لم تر ما أعطيته. من جهة أخرى، كاتب الفنان الوزيرة 3 مرات منذ سنة 2006 وحتى ,2010 وكاتب عدة جهات ومازال ينتظر، يشير الفنان في حديثه ل»المساء« أنه يطالب بالعرفان وتكريم مشواره في مجال الفن وفي خدمة الوطن باعتباره فنانا قديما. في سؤال ل»المساء« متعلق بغياب هذا الفنان عن الساحة وعن ذاكرة الشباب، أكد أن الشباب وإن لم يعرفوا إسم محمد سليم، فهم كلهم يعرفون »إخواني لا تنسوا الشهداء«. أما فيما يتعلق برصده الغنائي، فإن لمحمد سليم أغاني كثيرة ومع أكبر الملحنين والشعراء؛ منهم الحداد الجيلالي ومحبوباتي وعماري معمر ومحمد بن يحي والراحل أنور والتونسي الشاذلي أنور والتونسي أيضا عبد الكريم لحبيب الذي سجل معه أغنية جميلة يقول مطلعها: »شحال نصبر وشحال نرجى ما نطيق فراقك يابهجة«، من الشعراء من تعامل مع الحبيب حشلاف ورحّاب الطاهر والأخضر السائحي وسليمان جوادي، على الرغم من تقدم سنه وغلق الأبواب في وجهه، استطاع محمد سليم بإمكاناته المحدودة أن يسجل ألبومين وتصوير كليب هذا الأخير الذي كلفه 7 ملايين سنتيم (مع اسماعيل يزيد) وحمل هذا إلى مديرية الانتاج بالتلفزيون وذلك منذ 5 سنوات مضت، لكن لا حياة لمن تنادي، علما أن الألبومين بهما أغاني جديدة وأخرى قديمة، وهناك يقول »قدمت مثلا 3 أغاني قديمة جدا جدا وهي »طيمة طيمة« و»خلوني نبكي« و»قولي للمويمة«، كلها أغاني سطايفية، كما قدمت فيها رقصات لفنانات جزائريات معروفات في سنوات الخمسينيات منهن »ليلى وبيليندة«. لم ييأس الفنان وأعاد تقديم هذين الألبومين لمديرية الإنتاج بالتلفزيون منذ 6 أشهر، قصد إنجاز بورتريه عن حياته الفنية. نال محمد سليم وعدا بتكريمه بتلمسان، في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة إسلامية نهاية هذا الشهر، علما أنه أجل هذا التكريم حتى يحضر تكريما آخر خصته به مديرية الثقافة بعين الدفلى في 5 جويلية، وقد قامت هذه الجهة بتصوير شريط قصير عن حياته بمشاركة رفقاء دربه وعلى رأسهم مصطفى سحنون، هذا الأخير الذي بدأ معه في فرقة الوردة البيضاء في الخمسينات، إضافة إلى العماري وقروابي وزربوط، كلهم تخرجوا من مدرسة ألحان وشباب في تلك الفترة التي كانت فيها الظروف متواضعة وكان الفنان حينها يشجع بالهدايا الرمزية. أكد محمد سليم أنه لا يزال يبدع رغم كل الظروف، مشيرا إلى اتصال الملحن عبد الحميد شكري به مؤخرا، أثناء حفل أقيم أثناء ذكرى تأسيس الإذاعة السرية بنادي عيسى مسعودي بالإذاعة، غنى فيه محمد سليم إستخبارا »أياي ياي« الصحراوي، علما أن العديد من الفنانين نشطوا هذا الحفل منهم الهادي رجب، زميرلي ورضا دوماز. قدم شكري لمحمد سليم أغنيتان في نوع الصحراوي النايلي، سيتم تسجيلهما قريبا. كما سجل قبلها عند مؤسسة بادي أمحمد صحاوي ستة أغاني منها؛ »خلوني نبكي ونزيد« لعبد الحميد عبابسة و»ترجعش الأيام ولا لا لا« لسلمى عنقر و»الكاويني« لمحمد فويتح و»في عرس حبيب« لمسعود بوعتروس ومصطفى سحنون. للتذكير، فإن الاسم الحقيقي لمحمد سليم هو »دحماني عدة« وهو يعيش حالة اجتماعية صعبة، لاتساعده على حياة كريمة ولا على تلبية مصاريف علاجه ودوائه، ولم يستطع حتى وهو في هذا السن المتقدم من توفير مسكن خاص به يأوي عائلته، علما أن مداخيله الشهرية لا تتعدى »5 آلاف دينار ولم يستفد من الزيادة التي أمر بها رئيس الجمهورية«.