تروي المتاحف قصة حضارات تركت بصماتها الابداعية على الطين، النحاس، الفضة، الخشب وغيرها من المواد التي سخرتها الطبيعة للإنسان لتتحول مع مرور العصور الى شواهد على أيام زمان·· وبمتاحف العاصمة تجتمع عدة تحف تشهد على جزائر العهد العثماني وبساطة الحياة في القصبة خلال القرون الماضية، لكن هل تجد هذه الروائع المتخفية في المتاحف من يتذكرها ليقف على آثار عقول الاسلاف المبدعة؟
يستشف كل من يزور المتاحف عبق التاريخ والعطاء الانساني الذي يعود بنا الى قرون خلت تشهد عليها لوحات، منحوتات، نحاسيات، فخاريات، اعمال يدوية فنية تختصر الماضي بالريشة تارة والطين تارة أخرى، كما ترجع بالزائر الى الساحات والبنايات القديمة المرممة حديثا· وترى في هذا الاطار الآنسة (ن/خ)، شابة موظفة أن زيارة المتاحف تجلب متعة اكتشاف الروائع التي تفننت في صنعها انامل الاسلاف وفي نفس الوقت تزيد من درجة تعرف الشخص على جذوره وتفاصيل حياة الماضي بكل ما تحمله من وقائع مهمة وبطولات، لكن للأسف كثيرا ما يحرمنا إيقاع الحياة العصرية السريع من المواظبة على زيارة المتاحف· وتشاطرها في الرأي السيدة (ح/س) صحفية، حيث تقول أن المتحف فضاء يجمع تحف نادرة تسرد وقائع تاريخية، وأنا شخصيا اخترت مهنة الصحافة كي أتعرف على تاريخنا العريق، إنما طبيعة عملي تسرق مني معظم اوقاتي، ما يجعل زيارة المتاحف بمثابة متعة يظفر بها السياح والاشخاص الذين يملكون اوقات فراغ· أما الآنسة (ج·م) فترى أن زيارة المتاحف تنمي الذوق الجمالي وتكشف خبايا الابداع الذي خلفه غيرنا في زمن بعيد، حيث كانت الحياة بسيطة وبأدوات أبسط، مضيفة انها تغتنم الفرصة في العطل لتتمتع بالعودة الى الماضي بكل ما تحمل من وقائع لأن مشاغل الحياة الكثيرة تحول دون ذلك في سائر الايام العادية· وبهذا الخصوص تؤكد السيدة نورة حريشان ملحقة بالحفظ والصيانة بالمتحف الوطني للفنون والتقاليد الشعبية، ان هذا الاخير الذي يتواجد على مستوى قصر خداوج العمية شيد في حوالي سنة 1770م ويحتوي على اكثر من 3 آلاف تحفة تتنوع بين الزرابي، الآلات الموسيقية، مجموعة الخشبيات والنحاسيات، حيث تعود معظمها الى نهاية القرن ال19 وبداية القرن ال20، فيما تعود بعض التحف الى القرنين ال17 وال18 وهي بذلك تروي تاريخ العهد العثماني· وتضيف السيدة حريشان ان توافد الزوار على هذا المتحف اصبح يسجل على مدار السنة خلال السنوات الاخيرة، ما يترجم مدى ترسخ ثقافة زيارة المتاحف لدى البعض في المجتمع الجزائري، فإلى جانب اطفال المدارس يقصده الاجانب خلال العطلة الصيفية والمغتربون الذين يحنون كثيرا الى كل ما يذكرهم بأصالة الماضي وعموما يحظى المتحف بزيارة شرائح مختلفة تستهويها رؤية التحف والاستفسار عن تواريخها وقد زارته مؤخرا مجموعة نساء ينتمين إلى أقسام محو الأمية· إن هذه المعطيات -حسب المتحدثة- تعكس حقيقة ادراك المواطنين لقيمة التراث الوطني خاصة في السنوات الاخيرة في ظل ارتفاع المستوى التعليمي والوعي الثقافي وتطور دور وسائل الاعلام في ترسيخ ثقافة زيارة المتاحف· وفي نفس السياق يشير السيد بندو عبد الناصر محافظ التراث بقصر رياس البحر، الى وجود اهتمام ملحوظ بالتراث الوطني في وسط المواطنين الجزائريين، حيث ان مركز الفنون والثقافة الذي افتتح بقصر رياس البحر منذ 1994 يستقطب مختلف شرائح المجتمع وفي نفس الوقت يلفت انتباه عدة زوار اجانب نظرا لتواجده في قلب العاصمة ولإحتوائه على تحف تسمح للزوار بالغوص في وسط تاريخي وثقافي محض· وعلى صعيد آخر كشفت اجابات بعض المستجوبين ان عزوفهم عن زيارة المتاحف لا يعود بالضرورة الى ضيق الوقت ولا الى الامكانيات باعتبار ان الدخول لا يتطلب سوى مبلغا رمزيا، انما يرجع الى قلة اهتمامهم بالتعرف على الماضي وآثاره، الأمر الذي يطرح ضرورة تكريس ثقافة زيارة المتاحف في وسط الأفراد منذ الصغر·