على الرقصات الإفريقية التي أحدثت نوعا من التشكيل الفني من خلال الحركات المنسجمة مع الإيقاعات التي تروي قصة أو أسطورة أو رحلة صيد في الأدغال، الأقنعة والأصباغ ترسم خطوطا على الوجه علامة للشجاعة أو خطّة للتمويه، افتتح نهاية الأسبوع صالون الصناعة التقليدية الإفريقية في أجواء احتفالية حوّلت قصر الثقافة "مفدي زكريا" إلى لوحة تشكيلية نحتت فيها كلّ ألوان الفن والإبداع بأنامل سمراء. قصر الثقافة "مفدي زكريا" عاش تفصيلات الأنامل الإفريقية ودقّتها في صناعة الجمال بكلّ خاماته التي وفّرتها الطبيعة وأعاد صياغتها الإنسان، رغم المأساة التي ملأت الذاكرة الإفريقية، ورغم المعالم التي مازالت تشهد على تصدير الإنسان الإفريقي كأيّ سلعة إلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، إلاّ أنّ طبول النصر والفرح لم تكف عن إيقاعاتها في منمنمات نغمية مازالت تثير الحدث الثقافي وتعيد تشكيل الموسيقى العالمية بطابعها الأسمر، والسهم الإفريقي ما يزال يقوم بوظيفته الحربية ويشارك في رقصة الانتصار. طافت وزيرة الثقافة خليدة تومي بأروقة العروض بقصر الثقافة وشاهدت تفاصيل معروضات الخمسين دولة المشاركة في المعرض الذي نصبت له خيام لعرض منتجاتها بداخل ساحة القصر وأيضا عند مدخله الخارجي.. ففي مشاهد مختلفة تشدّك إليها أنامل تجيد صناعة السحر الفني، زيمبابوي، ساوتومي وبوينسيبي، ناميبيا، غامبيا، سوازيلند، جزر القمر، غانا، أوغندا، بوركينافاسو، الموزنبيق ومن الدول الإفريقية العربية جمهورية تونس، السودان، مصر وموريتانيا وغيرها من الدول. الجزائر دخلت المشهد الإفريقي بكلّ ثقلها الثقافي وخاصة الصناعات التقليدية التي كشفت عن مواهب مبدعة وذوّاقة تتجاوب مع الفن بتناغم مما جعلها تشكّل تحفا فنية نادرة، فعند مدخل قصر الثقافة تجذبك إليها خيمة كبيرة بيضاء وقد لمعت الأواني النحاسية في مداخلها المتعدّدة، النحاس الأبيض والأحمر الذي تمّت نمنمته من خلال الحفر على ظهور الأواني كالأقداح النحاسية الكبيرة والسينيات وغيرها من التحف التي تحوّلت إلى متحف يعرض كلّ الفنون للمشاهدة وللبيع. في المعرض الموريتاني توقّفنا قليلا أمام الخيمة التي كانت ببساطتها جميلة، استقبلنا السيد سيدنا ولد الهادي رئيس مصلحة المعارض بالجمهورية الإسلامية الموريتانية وتعرّفنا على بعض المعروضات وأسمائها التي تدخل في إطار الطابع الثقافي الموريتاني في أصالتيه العربية والإفريقية في امتدادها المكاني والزمني، الحلي الفضية والبرونزية والخشبية والجلدية والأحجار الكريمة والصناديق الخشبية المصنوعة من خشب الأبنوس المطعّم بالنحاس والفضة، بالإضافة إلى الألبسة التقليدية ك "الدراعة" وقد اشتقّ اسمها من الدّرع الذي يحمي الصدر بالنسبة للرجال، والملحفة بالنسبة للنساء، والنعل الجلدي، وكذا الرواحل الخاصة بالجمال، الهودج (الهيكا) الذي هو يسمى عندنا "البردعة". أمّا الطوغو فقد اكتفى بعرض الأقمشة والألبسة المزركشة المتداخلة الألوان، زيمبابوي عرضت ملابس مزيّنة بالرسومات وزرابي بصور الفيلة والزرافات، ألبسة بلون أسود بها صور لجرار حيوانات ورجال في رحلات صيد، واكتفى جناح الجمهورية التونسية بعرض الحلي الفضية، الأقراط، العقود والخواتم، العقود الفضية المرجانية، عقود بربرية فضية من منطقة الجنوب توزر، نفطة، قفصة وجزيرة جربة. أما خيمة ساوتومي فقد تمّ فيها عرض حلي خشبية وصدفية وأحجار كريمة وصناديق خشبية، وعرضت ناميبيا مجسّمات لحيوانات وألبسة نسائية، فيما قدّمت جمهورية مصر العربية الأواني النحاسية والأثاث الخشبي المطعّم، القناديل النحاسية المزخرفة، حمالة مصحف مطعّمة بالصدف، الخراط العربي المطعّم بالصدف والعاج والعظم والفضة الذي يعود إلى العصر الفاطمي والعهد العثماني الذي مازالت تحتفظ بنقوشه وزخرفته منابر المساجد ومحارب الجوامع والقصور. سوازيلند عرضت من جانبها أطباق من سعف الدوم وأواني خشبية، كما تميّزت غامبيا بعرض مجسّمات، أمّا الشيء الذي انفردت به غينيا فهو النقش على الزجاج بصور بشرية وأخرى نباتية والبعض منها يتضمّن شكل مصحف شريف، وقدّمت جمهورية الكامرون للجمهور الذي ضاق به فضاء قصر الثقافة حليا، عقودا حجرية من الأصداف، مجسّمات لحيونات بحرية، فيلة، أسود، ورسومات على القماش، أمّا أوغندا فقد تميّزت بعرض مجسّمات لقوارب صيد ومجسمات موسيقية. المعروضات الجزائرية شدّتنا إليها إدارة السجون وإعادة الإدماج على المستوى الوطني التابعة لوزارة العدل بإبداعات المساجين والصناعات التقليدية الحرفية كالحفر على الخشب والجبس، الطرز والخياطة، اللوحات الزيتية والرملية، المجسّمات، صناعة الأواني والنقش على أواني الألمنيوم والفخار، والخط على الخشب والجبس، أمّّا ولاية النعامة فقد عرضت في جناحها المنسوجات الصوفية الزرابي، الطنافس، ألبسة العروس وأين تحفظ حاجياتها. لم تكن المعروضات التقليدية وحدها التي شدّت الجمهور، بل أيضا الفرق الفلكلورية المتنوّعة التي تجاوب معها الجزائريون والتقطوا صورا لها، كما شدّت هذه الفرق السيدة الوزيرة مطوّلا، حيث شاركتهم في الرقص وأطلقت عدّة زغردات وبهذا صنعت إفريقيا الفن ورقصت على الفرح.